باريس: لم يشأ السباح البارالمبي البرازيلي غابرييل جيرالدو دوس سانتوس أراوجو "غابرييلزينيو" أن تمرّ مشاركته في الألعاب البارلمبية في باريس من دون كتابة التاريخ وحفر اسمه بأحرف من ذهب في سجل الألعاب.وفى السباح الموهوب بوعده قبل رحلة سفر طويلة إلى فرنسا "اسمي غابرييلزينيو وسأفوز بثلاثة ميداليات ذهبية في الألعاب البارالمبية في باريس".
كانت تلك كلمات الشاب البالغ من العمر 22 عاما في حضرة الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا خلال احتفال رسمي في برازيليا، قبل أن يتلقى قبلة على جبينه من لولا.

"مهمة منجزة"
وضع غابرييليزينيو نصب عينيه إضافة ثلاث ميداليات ذهبية إلى رصيده البارالمبي الناصع الذي افتتحه في طوكيو قبل ثلاثة أعوام بذهبيتين وفضية، فظفر بالذهب في سباقي 100 م ظهرا ثم 50 م ظهرا للفئة الثانية، قبل إضافة ميدالية أخرى من المعدن النفيس في 200 م حرة.
لم يخف الرياضي المولود من دون ذراعين وبساقين ضامرتين رضاه بعد تألقه في حوض السباحة في قاعة "أرينا لا ديفانس" بعد سباق 200 م حرة "إنه شعور بأن المهمّة قد أُنجزت، لأنني أتيت إلى باريس للفوز بالذهبيات الثلاث".
ولم يكتف السبّاح البالغ طوله 1.21 مترا بنيل إعجاب الجمهور الحاضر وأن يكون الشغل الشاغل لوسائل الإعلام، بل انتزع حتى إشادة وثناء من منافسيه وأبرزهم الروسي فلاديمير دانيلينكو صاحب الميدالية الفضية الذي وصفه بالـ"رجل الصاروخي".

وأبدى غابرييليزينو سعادته بالوصف الذي أطلقه عليه منافسه، وعلق ضاحكا "أنا سعيد للغاية، وآمل في أن أستمر كوني الرجل الصاروخي. وكما يقولون، الصواريخ ليس لها أجنحة، لذا دعونا نستمر في الإقلاع".
وأضاف "أشعر وكأنني رجل صاروخي، والصواريخ لا تتجه إلى الخلف، بل تتجه دائما إلى الأمام".

اكتشاف الموهبة
يعاني "غابرييل الصغير" من الفوكوميليا، وهي متلازمة جينية نادرة جدا تشمل العديد من التشوّهات الخلقية، إذ يتوقف نمو أطراف الطفل أثناء الحمل.
كان الأمر ليحلّ كارثة عليه لولا حُسن تصرّف والديه. قالت والدته إينيدا ماغدا دوس سانتوس وهي معلمة متقاعدة "اكتشفت ذلك (حالته) في الشهر الخامس من الحمل. كان الأمر بمثابة صدمة. بدأت القراءة عن هذا الموضوع لأكون مستعدة لتقديم أفضل رعاية ممكنة له".
وأضافت "لأننا أردنا أن يعيش طفولة طبيعية، أخذناه إلى ناد يتوفر فيه حوض سباحة. ومع بلوغه الرابعة أو الخامسة من عمره، كان يعرف بالفعل كيفية السباحة، على الرغم من كونه بلا ذراعين".
مع بلوغه الـ13 من العمر في 2015، شارك أراوجو للمرة الأولى في منافسات السباحة خلال بطولة مدرسية وفقا لوالدته "أشركه أحد أساتذته في البطولة من دون استشارتي، وفاز بخمس ميداليات. منذ ذلك الحين، لم يتوقف".

تخطّي الصعوبات
يستخدم أراوجو أصابع قدميه لاستعمال الهاتف وعصا القيادة في ألعاب الفيديو الخاصة به، وهو شغفه الكبير الآخر إلى جانب السباحة.
لتناول الطعام، ينحني لالتقاطه بفهمه، ثم يضع فرشاة أسنان كهربائية بين أصابع قدميه لتنظيف أسنانه.
ليس الأمر سهلا بكل تأكيد لكنه يزيده قوة وفقا لما قاله لفرانس برس "لا أستطيع أن أحصي العقبات التي يتعيّن عليّ التغلّب عليها كل يوم، لكنها تجعلني أقوى".
ولم يخف مدربه فابيو بيريرا أنتونيس إعجابه به، فهو يصفه بالـ"أعجوبة": "أول ما أبهرني هو براعته خارج حوض السباحة، فهو يتمتع بتنسيق حركي رائع وذكي للغاية يُمكنّه من التغلب على كل هذه العقبات بشكل يومي".
وأكمل "بمجرّد أن رأيته في الماء، اكتشفت كل إمكاناته. لديه عقلية الأبطال ويعرف كيفية التعامل مع الضغط".

تقنية الدلفين
يتموّج غابرييلزينيو في الماء مثل الدلفين، مستخدما حركات الحوض (حوض الورك). وأتقن هذه التقنية مع أنتونيس وطوّرها من خلال جلسات تدريب طويلة ست مرات في الأسبوع، من الإثنين إلى السبت، وذلك في مدينة جويز دي فورا في ولاية ميناس جيرايس في جنوب شرق البرازيل.
كما أنه يؤدي، داخل وخارج حوض السباحة، تمارين بناء القوة، وتحديدا لعضلات أسفل الظهر والبطن وقاع الحوض.

رقصة النصر
يحتفل البرازيلي بانتصاراته بحركة مميزة، إذ يقوم ببعض حركات الرقص على المنصة، على غرار ما كان يقوم به ملك سباقات السرعة السابق العداء الجامايكي أوسين بولت.
ولفتت حركات رقصه هذه أنظار المشاهدين في مختلف أنحاء العالم، فأصبح أحد نجوم الألعاب البارالمبية "الرقص وسيلة لتمثيل جميع المشجعين البرازيليين. بما أنهم يهتفون لي أثناء وجودي في الماء، فأنا أمثّلهم في خارجه وأريد أن أرى الجميع يرقصون في باريس أيضا".
وبدأ بهذه الطقوس خلال أولمبياد طوكيو عندما كان يبلغ من العمر 19 عاما، لكنه وقتذاك تلقى خبر وفاة جده الملقب بـ"براتينيا" أي الفضة الصغيرة والذي كان مقربا منه كثيرا "كنت أتدرب وكنت بالفعل في المرحلة النهائية، ثم جاءت هذه الضربة القوية".
وعلى الرغم من ذلك، بدأ بحصد الميداليات في طوكيو بفضية سباق 100 م ظهرا الفئة الثانية، وهي واحدة من الفئات المخصصة للسباحين الأكثر إعاقة "فهمت ذلك على أنه كان يراقبني من أكثر الأماكن خصوصية، بجوار جدتي أيضا".