وصل تباين ردود الافعال على تشكيل الحكومة العراقية الى ذروته، واعتبر التحالف الكردستاني قرار الحكومة تأجيل التعداد السكاني خرقا دستوريا داعيا الى اجرائه في موعده المحدد في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، بينما رحبت الجبهة التركمانية بالتأجيل.

بغداد: بدأت فجوة تباين المواقف تجاه تشكيل الحكومة العراقية تتسع، واعتبر التحالف الكردستاني قرار الحكومة العراقية بتأجيل التعداد السكاني في البلاد، خرقا دستوريا وقانونيا غير مبرر، واتهمها بالخضوع لرغبات محافظ نينوى الشمالية، داعيا الى إجرائه في موعده المحدد في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، بينما رحبت الجبهة التركمانية بالتأجيل، مشترطة لإجرائه إعادة الاكراد الذين نزحوا الى كركوك.

خرق دستوري وقانوني

لم تتوقف خلافات تشكيل الحكومة على السجال الدائر في العراق، وانما تجاوز الامر حدود بلاد الرافدين، عندما اجرى علاوي مباحثات في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك، والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، بينما التقى الحكيم في دمشق اليوم مع الرئيس الاسد في وقت ينتقل وفد من العراقية الى انقرة اليوم لإجراء مباحثات مع القادة الاكراد.

وفي ما يتعلق بخلافات الداخل العراقي، قال النائب الكردي عن محافظة نينوى الشمالية محسن السعدون خلال مؤتمر صحافي في بغداد اليوم ان قرار الحكومة المركزية في بغداد بتأجيل التعداد السكاني في
البلاد يعتبر خرقا دستوريا وقانونيا، ورضوخا لرغبات مجلس محافظة نينوى الشمالية في عدم إجراء التعداد لأسباب سياسية وقومية.

واكد ان تأجيل التعداد مرة اخرى شكل خرقا قانونيا ودستوريا من قبل الحكومة العراقية التي قررت تغيير موعد التعداد من الرابع والعشرين من الشهر الحالي الى الخامس من كانون الاول/ ديسمبر المقبل،
موضحاً ان هذا التأجيل يعني إهدارًا لعشرات المليارات من الدنانير، التي أنفقت حتى الان على عمليات التحضير للتعداد، وتدريب الكوادر التي ستقوم به.

وطالب السعدون الحكومة بالالتزام بالقوانين التي يتم تشريعها والتصديق عليها في مجلس النواب وإقرارها من قبل مجلس الرئاسة ونشرها في الجريدة الرسمية، وشدد على تنفيذ القوانين خاصة ان المسؤولين في وزارة التخطيط، وفي الاجهزة الامنية، كانوا أعلنوا قبل يومين أنهم على اتم الاستعداد لإجراء التعداد في جميع انحاء البلاد.

واتهم النائب السعدون مجلس محافظة نينوى بالوقوف وراء تأجيل التعداد السكاني بسبب اعتراضاته المستمرة على إجرائه، مؤكدا انه ليس من حق مجلس نينوى الاعتراض لأن هذه القضية هي من صلاحيات السلطة الاتحادية.

واوضح ان التعداد من صلاحيات الحكومة المركزية وحدها وذلك من خلال تحديد ذلك في المادة 110 من الدستور، وليس من صلاحيات مجلس محافظة نينوى، لاسيما ان قانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008 يلزم المحافظ بتنفيذ السياسات العامة الموضوعة من قبل الحكومة الاتحادية في حدود المحافظة.

واشار السعدون الى ان تأجيل التعداد لموعد اخر لم يستند الى اي سبب مبرر ومقنع وقال quot;اذا كانت الحكومة تستمع الى الاجراءات التي تتخذها الحكومة المحلية في نينوى ضد التعداد، فإن هذه القصة لن تنتهي، لأن مجلس محافظة نينوى عطل عمل الإحصائيين، كما أن الاجراءات التحضيرية للعملية ليست لدواع امنية او فنية، وانما لسبب سياسي لم يوضحه المجلسquot;.

دعوة تركمانية لإعادة الأكراد

على النقيض من الموقف الكردي، رحبت الجبهة التركمانية العراقية بقرار تأجيل التعداد العام للسكان، مشترطة لاجرائه اعادة الاكراد الذين نزحوا الى مدينة كركوك، وتحديث سجل الناخبين، وإلغاء تكرار
الحصول على البطاقة التموينية.

وقالت الجبهة quot;إن اجراء التعداد ضروري لما له من أهمية لحاضر العراق و مستقبلهquot;. واتهمت الجبهة التركمانية حكومة اقليم كردستان بالتعامل مع عملية التعداد على انها عملية سياسية وليست تنموية بحتة.

وشددت في بيان صحافي اليوم حصلت quot;ايلافquot; على نسخة منه، على ضرورة عدم اجراء التعداد قبل تنفيذ المادتين 23 من قانون انتخاب مجالس المحافظات و6 من قانون الانتخابات العامة المعدل، وقالت إن ذلك يتطلب إزالة quot;جميع التجاوزاتquot; في مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط بشكل خاص وفي جميع المدن و القصبات quot;التي أدرجت دون وجه حق تحت ما يسمى بالمناطق المتنازع عليهاquot;، وكذلك إعادة المستقدمين الى كركوك (في اشارة الى العوائل الكردية التي نزحت اليها) بهدف تغيير تركيبتها السكانية الى مناطقهم الأصلية، التي قدموا منها وتحديث سجل الناخبين ومراجعة التكرار في البطاقات التموينية.

كما واشارت الجبهة الى ان تاريخ انتهاء تنفيذ هذه العمليات سيكون تاريخا مناسبا لإجراء التعداد العام للسكان.

وطالبت الجبهة التركمانية الحكومة العراقية ومكتب الأمم المتحدة في العراق بإيجاد آليات محددة لتثبيت حقوق السكان في محافظاتهم، وضرورة اقتصار الاعتماد على البطاقة الذكية فقط quot;بعد ان تم كشف التزوير الجاري على قدم وساق في منح البطاقة التموينية وهوية السكن للمستقدمين، الذين ليسوا من أهل كركوك الأصليين، وانما نزحوا اليها والى بلدات وقصبات غيرها بهدف تغيير إقامتهم السكنيةquot;.

وخلصت الجبهة التركمانية الى ان توفير معلومات إحصائية عن السكان والمساكن ليست ذات قيمة اذا لم تكن هناك خدمات وامن وأمان واستقرار وحكومة تستفيد من هذه البيانات الإحصائية.

وكان مصدر في وزارة التخطيط العراقية اعلن امس الاول تأجيل إجراء التعداد السكاني الى الخامس من كانون الاول/ ديسمبر، بسبب الخلافات بين العرب والاكراد في المناطق المتنازع عليها في محافظتي نينوى وكركوك الشماليتين.

وقال مهدي العلاق وكيل وزارة التخطيط ان موعد التعداد قد تأجل بهدف استكمال المناقشات حول المسائل العالقة موضحا ان المناطق المتنازع عليها هي الامر الرئيس وراء تأجيل الموعد.

يشار الى ان المناطق المتنازع عليها موزعة ادارياً ضمن 12 قضاء في خمس محافظات ابرزها كركوك بجميع مناطقها. وتشمل هذه المناطق في محافظة نينوى كبرى مدنها، وهي الموصل فضلا عن
الحمدانية وتلكيف وبعشيقة وقره قوش (مسيحيون)، وسنجار وزمار وشيخان وسكي كلك (اكراد من الأيزيديين)، وتلعفر (غالبية تركمان شيعة)، ومخمور (غالبية عربية).

مطالب عربية وتركمانية

كما يطالب العرب والتركمان في محافظة كركوك - الغنية بالنفط ومتعددة القوميات - منذ فترة بتأجيل الإحصاء السكاني، متهمين الاكراد باستقدام quot;مئات الالافquot; من ابناء قوميتهم، لتحقيق تغيير سكاني يمهد لضمها الى اقليم كردستان، الذي يحكمونه منذ عام 1991. ويؤكد قادتهم ان سكان كركوك كانوا نحو 835 الف نسمة قبل عام 2003 فيما يبلغ تعدادهم اليوم مليونا و650 الفا - وفق البطاقة التموينية - وبعد رحيل نحو 250 الف عربي من المحافظة. ويعتبر سكان كركوك خليطاً من التركمان والاكراد والعرب مع اقلية كلدواشورية (مسيحية).

وكان وزير التخطيط علي بابان اعلن ان الاحصاء السكاني الذي كان مقررا اجراؤه للمرة الاولى في تشرين الاول/ اكتوبر عام 2009 قد تم تأجيله بسبب رفض كتل سياسية في محافظتي نينوى وكركوك.

وسيجري التعداد السكاني الجديد في العراق للمرة الاولى منذ 23 عاما، حيث كان آخر تعداد شامل قد اجري عام 1987 بينما اجري تعداد عام 1997 في 15 محافظة فقط، حيث كانت محافظات اقليم كردستان الثلاث خارج سيطرة الحكومة ولذلك فإنه سيجري وسط ظروف ومتغيرات سكانية وأمنية مختلفة يشهدها العراق بعد سقوط نظامه السابق عام 2003.

وقد جرت عدة محاولات بعدها لاحصاء السكان العراقيين، لكنها كانت تتأجل في كل مرة بسبب الخلافات القومية حوله. وطبقا للدورة الاحصائية العراقية كان من المفترض إجراء التعداد عام 2007، الا انه
أرجئ بسبب الظروف الأمنية إلى عام 2009 ثم إلى عام ،2010 وتم هذا التأجيل الثاني بسبب مخاوف من تسييسه حيث عارضت قوميات عراقية إجراءه في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي يسكنها العرب والأكراد والتركمان (حوالى مليون نسمة) وتضم حقولا نفطية كبرى اضافة الى مناطق متنازع عليها بين العرب والأكراد في مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى (375 كم شمال بغداد)والتي تضم سكانا بديانات ومذاهب متنوعة كالمسلمين والمسيحيين والايزيديين والشبك تحسبا من أن هذا التعداد قد يكشف عن تركيبة سكانية من شأنها أن تقضي على طموحات سياسية لقوى تمثل تلك القوميات.

انتقال المباحثات خارج الحدود

وقد انتقلت مباحثات تشكيل الحكومة العراقية الى خارج حدود البلاد حيث اجرى علاوي في القاهرة مباحثات مع الرئيس المصري والامين العام للجامعة العربية، بينما التقى الحكيم في دمشق مع الرئيس الاسد في وقت ينتقل وفد من العراقية الى انقرة اليوم لإجراء مباحثات مع القادة الاكراد.

وبحث الرئيس السوري بشار الأسد اليوم مع رئيس المجلس الإسلامي الأعلى العراقي عمار الحكيم الأوضاع في العراق وآخر الاتصالات المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة.

وتناولت النقاشات ايضا تطورات الأوضاع السياسية على الساحة العراقية والجهود المبذولة لتشكيل الحكومة العراقية. وقال مصدر في المجلس الأعلى ان الأسد التقى الحكيم وعددا من أعضاء المجلس الأعلى والمستشارين فور وصولهم الى دمشق. وأضاف ان اللقاء تناول آخر الاتصالات بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية تضم جميع مكونات الشعب العراقي.

وقال ان الحكيم قد شدد على ضرورة ان تكون الحكومة المقبلة عراقية شاملة لا حكومة تكتلات سياسية واثنية وعرقية. واعرب عن تقديره لوقوف سوريا الى جانب الشعب العراقي ودعمها لكل ما من شأنه الحفاظ على وحدة العراق وأمنه واستقراره.

وبحث الاسد خلال زيارة الى طهران السبت الماضي مع القيادة الايرانية آخر المستجدات على الساحة الإقليمية حيث أكد الجانبان حرصهما على وحدة العراق وسيادته واستقلاله وعبرا عن دعمهما لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل اطياف الشعب العراقي وتتمتع بعلاقات طيبة مع جميع دول الجوار.

وكان الأسد بحث الأربعاء الماضي مع زعيم القائمة العراقية رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي آخر المستجدات على الساحة العراقية والجهود المبذولة والمفاوضات الجارية بين الكتل المختلفة لتشكيل حكومة عراقية.

وأعلن علاوي اثر اللقاء في مؤتمر صحافي لقادة العراقية أن مسار تشكيل الحكومة العراقية يتقدم ببطء، مؤكدا أن القرار في هذا الخصوص يجب أن يكون عراقيا مطالبا دول الجوار والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بعدم التدخل في الشأن العراقي والوقوف على مسافة واحدة من الأطياف السياسية العراقية ليتسنى للفصائل العراقية أن تجلس سوية وتجد الحلول الوطنية لأزمة العراق الراهنة.

وفي القاهرة اجرى علاوي مباحثات سياسية مع الرئيس المصري حسني مبارك والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى كل على انفراد وصفت بالايجابية والمثمرة.

وقال مصدر في العراقية ان مبارك وموسى اكدا ضرورة تشكيل حكومة شراكة وطنية وعدم تهميش اي مكون سياسي وانهما يقفان على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية، كما شددا على ضرورة احترام الاستحقاق الانتخابي والدستوري في عملية تشكيل الحكومة المقبلة كونه يمثل ركيزة اساسية من ركائز بناء الدولة على اسس دستورية وديمقراطية.

مباحثات مع القادة الأتراك

من جانبه توجه وفد من القائمة العراقية برئاسة القيادي فيها نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي وعضوية عبد الكريم السامرائي ومحمد تميم اليوم الى تركيا، لإجراء مباحثات مع القادة الاتراك حول ازمة تشكيل الحكومة العراقية. ومن المنتظر ان يشرح الوفد للمسؤولين الاتراك وجهة نظر القائمة العراقية تجاه تشكيل الحكومة والتي تركز على ضرورة ان تشكل على اساس احترام الدستور والاستحقاق الانتخابي.

أما الاحد الماضي فقد اجرى مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان مباحثات هاتفية مع جو بايدن نائب الرئيس الاميركي حيث تم بحث المستجدات على الساحة السياسية العراقية والتغيرات الجديدة والتحالفات وموقف الأطراف العراقية بالنسبة إلى تشكيل الحكومة العراقية.

واكد الطرفان ضرورة تشكيل حكومة شراكة وطنية تمثل جميع المكونات العراقية حيث أوضح بارزاني ثوابت إقليم كردستان بهذا الخصوص والتي تتضمن الشراكة الحقيقية ومشاركة جميع المكونات الى جانب مراعاة وتلبية مطالب الشعب الكردستاني. كما تطرق الى الخطوات التي إتخذتها حكومة إقليم كردستان حيال العملية السياسية موضحا انها ستعلن موقفها من الحكومة بعد بحث ودراسة التطورات السياسية ومواقف الكتل النيابية من هذا الامر.

وعلى الصعيد نفسه، اعتبر كوسرت رسول النائب الأول للأمين العام للإتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس جلال طالباني ان ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي اكثر وضوحاً من باقي الكتل السياسية بشأن حقوق شعب كردستان.

وقال في تصريح وزعه مكتب اعلام الاتحاد الوطني ان الإتحاد يدعم اي جهة تعترف بحقوق شعب كردستان المشروعة في الدستور العراقي ويعمل على إنجاح حكومته.

واضاف ان موقف الإتحاد الوطني بشأن ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة هو موقف إيجابي ولحد الآن فان هذا الموقف أكثر وضوحاً من باقي الكتل السياسية بشأن حقوق شعب كردستان.

واشار الى ان الوفد الكردي المفاوض في بغداد مخول بإجراء المباحثات بشأن مطالبنا وبرنامج الحكومة المقبلة . ودعا الى الإسراع في تشكيل الحكومة ومشاركة الجميع فيها مقترحا على اية جهة لا تريد المشاركة فيها ، ان تلعب دور المعارضة الايجابية في مجلس النواب الجديد.

وكان نيجرفان بارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان السابق ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني قد رحب امس بترشيح المالكي واعتبره خطوة مهمة على طريق حل الازمة السياسية في البلاد على خلفية تعثر جهود تشكيل الحكومة الجديدة.