قال محمد الصبري، عضو الأمانة العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري إن اليمن مر خلال السنوات العشرين الماضية بتحولات كبيرة في غاية الاهمية والخطورة، مشيرا إلى أن اليمن يعاني مشكلة في التعددية تتمثل في quot;مشكلة النشأةquot;.


يعد quot;التنظيم الوحدوي الشعبي الناصريquot;، أحد أهم الأحزاب القومية في اليمن. بدأ يعمل منذ بداية التسعينات في العلن، بعد أن عمل في السر منذ وقت مبكر. وهو يعد الحزب الوحيد الذي قام بمحاولة الانقلاب الوحيدة على نظام الرئيس علي عبد الله صالح بعد أشهر من توليه الحكم عام 1978. المحاولة كانت محاولة انقلاب أبيض من دون استخدام السلاح، وفشلت وأعدم إثرها قرابة 25 شخصا من قيادات التنظيم حينها من وزراء وقياديين عسكريين ومسؤولين حكوميين.

تقوضت أركان التنظيم، في تلك الفترة، وبقي بعض قادته ملاحقا إلى أن أعلنت التعددية السياسية في العام 1990، ليخرج إلى العلن وكان أبرز أحزاب المعارضة وأكبرها وظل كذلك حتى العام 1997، عندما تحول quot;الاشتراكيquot; وquot;الإصلاحquot; إلى صف المعارضة.
يتحدث عضو الأمانة العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري محمد الصبري لـ quot;إيلافquot; ضمن ملف التعددية السياسية في اليمن والعمل الحزبي خلال 20 عاما.

- بعد مرور عشرين عاما على التعددية السياسية في اليمن، كيف يمكن أن نصف هذه التجربة؟
الوصف بالنسبة إلى التعددية السياسية في اليمن خلال عشرين سنة فيه صعوبة شديدة، ليس بالإمكان أن يأتي الإنسان بتوصيف وهو مقتنع أن هذا التوصيف سيكون هو التوصيف الدقيق، وذلك لأنه خلال العشرين سنة الماضية مرت اليمن بتحولات في غاية الأهمية والخطورة، والنظام التعددي السياسي كان أحد أسباب هذه التحولات، فمرة كانت التعددية أداة من أدوات الحرب، ومرة الحرب أنتجت صراعات وتعددية مختلفة.
لو قسمنا الفترة الزمنية من بداية قيام الوحدة وحتى العام 1994 كانت هناك تعددية سياسية أتت بالحرب، وبعد ذلك نتائج الحرب جاءت بتعددية مختلفة تماما حتى عام 2004. ثم جاءت حرب الحوثي وأتت بأوضاع جديدة وتعددية جديدة غير سابقاتها، فالتعددية السياسية في اليمن أعتقد أنها سجال معركة، معركة مع الوقائع، معركة مع التحولات والنزاعات والحروب

- هل جاءت التجربة في وضع كان اليمن في حاجة لها؟
مشكلة التعددية في اليمن هي مشكلة النشأة، فهي نشأت نتيجة تلاقي أو اتفاق دولة أمنية ذات قبضة حديدية مع رجال سياسة متعصبين، مع دولة ذات طابع قبلي ورجال عصابات.. هذه الأرضية التي قامت عليها التعددية السياسية، وكانت شكلاً من أشكال القبول بتوازن القوى الموجودة في الساحة ما بين دولة ودولة، ما بين حزب وحزب. ثم كانت أشبه بمطلب الضرورة لأنهم تفاوضوا في 1989، وكان عند قادة الجنوب والشمال ثلاثة اتجاهات، اتجاه الحزب الواحد واتجاه إلغاء الحزبية، واتجاه الإقرار بالتعددية الحزبية، فلم يتفقوا.. وكان هناك حزب اشتراكي حقيقي، وكان في الشمال quot;المؤتمر الشعبي العامquot;، لكنه لم يكن حزباً عقائدياً وكان عبارة عن لفيف من الاتجاهات، كتجمع شعبي، فكان الإقرار بالتعددية السياسية مخرجاً لهذا التلاقي، الذي هو أرضية لتلاقي دولة أمنية وقبلية مع رجال عصابات، في مقابل رجال متعصبين في السياسة لحزب وهذا هو الذي أنتج حرب عام 1994 لأن موازين القوى اختلت قيمياً وقانونيا واجتماعيا، لم تكن الأرضية صالحة للعمل الحزبي السياسي.

- هل أتت الحرب بنوع من الشفاء للإشكالية التي خلقتها السنوات الثلاث؟
لا .. نظريا يقولون إن النظم التعددية السياسية هي إحدى الوسائل للخروج من أزمة الصراع على السلطة. هناك نوعان من الصراع على السلطة، صراع مدافع أو صراع تعددي سلمي عن طريق بطائق الاقتراع.. التعددية السياسية التي جاءت على هذه الأرضية لم تحل الأزمة، وكان المفترض أن انتخابات عام 1993 أن تكون قد حلت أزمة الصراع على السلطة عن طريق الحل السلمي.. وعلى الرغم من التوازن الذي حدث بين أحزاب الائتلاف الثلاثة المؤتمر والإشتراكي والإصلاح، لكن كل واحد منهم كان غير راض عن نصيبه، فاضطروا إلى تصحيح المعادلة بالسلاح، بالجيش، بالمدافع. وبعد حرب 1994 نستطيع القول إن معادلة الصراع السياسي على السلطة من نوع جديد أو بين أطراف جديدة غير المعادلة السابقة. وهناك طرف تم إقصاؤه نهائياً وأخرج من المعادلة هو quot;الاشتراكيquot;، فبقى الصراع بين quot;التجمع اليمني للإصلاحquot; وquot;المؤتمر الشعبي العامquot;، وحافظ الطرفان على قدر من الهدوء، ومن التوازن والصبر، فالإصلاح بعد 1997 جرد من كل شيء، وخرج من الحكومة، وجلبوا عليه كل أنواع المصائب الداخلية والخارجية إلى درجة أنه أصبح يسوق بأنه المنبع الرئيس للإرهاب ولا يزال إلى اليوم، وفي آخر دورة انتخابية برلمانية في 2003 كان أحمد الحبيشي quot;رئيس مؤسسة 14 أكتوبر الصحافية الحكوميةquot; وكل الناطقين الرسميين باسم الحزب الحاكم يتحدثون عن أن الإصلاح هو منبع الإرهاب وأن الإرهاب هو الإصلاح. بعد العام 2003 جاءت حرب الحوثيين وظهرت موازين قوى جديدة تعبر عن حالة جديدة من الصراع على السلطة، فالحوثيين بدأوا يقولون إنهم أقلية مضطهدة، وإنهم يمثلون المذهب الزيدي، في المحافظات الشمالية يواجهون السلفية، وفي جوهر هذا كله صراع على السلطة.

- ألا يعني ذلك أن الأحزاب لم ترض مطالب الناس السياسية، ولذلك خلقت حركة تمرد مثل حركة الحوثي؟
لا. لدى نظام الحكم الذي كان قبل الوحدة أو بعد الوحدة والذي انتصر بالذات في عام 1994، عقلية السيطرة والنفوذ لا تؤمن بالتعددية. إنها عقلية استئثارية، وتعتبر أنها التي صنعت البلد وأن الآخرين موجودون فيه إما مكرمة منهم أو أنهم فائض زيادة يجب أن يرحلوا.. لذلك تحولت الأحزاب بعد 1994 إلى مشكلة ولا تزال حتى اليوم. أيام الحزب النازي في المانيا، كانوا يتساءلون عن سبب ضعف المعارضة، لأن الحزب النازي مسح كل الأرضية واستولى على كل شيء يمكن أن يقوي المعارضة، لم تخلق المعارضة ضعيفة حينها.
قمت بإنجاز دراسة عام 2000 حول مستقبل التعددية السياسية ومستقبل النظام الحزبي التعددي في اليمن إلى أين يتجه، وقد خلصت الدراسة إلى أنه يتجه نحو إما نظام فوضوي، أو سيطرة الحزب الواحد، وما حصل كان الاثنين معا.. نظام الحزب الواحد جاء في 2003 ثم دخلنا نظام الفوضى. مع ذلك عشر سنوات من العمل العلني التعددي خلقت شكلاً من أشكال العافية في المعارضة اليمنية، واليوم يمكن القول إن النظام ثنائي القوة في البلاد، فهناك quot;اللقاء المشتركquot; كتكتل مجموعة كبيرة من الأحزاب، اضطروا بدلا من أن ينتهوا تماما جميعا كما كان مخططا أن يتم القضاء عليها ولا يزال هذا المخطط قائما.

-لماذا هذا الخوف من الأحزاب طالما وهي سلمية؟
هناك مشروع التوريث، وهذا المشروع من متطلباته أن لا تكون هناك أي قوى ممانعة سواءً كانت حزبية أو قبلية. وتعتبر الممانعة الحزبية أخطر لأنها تملك مشروعية وطنية ودستورية وسياسية وحتى أخلاقية لكي تقول لا.. فالأحزاب عندما تقول لا لديها كل المبررات والمسوغات التي تجعل لكلمة quot;لاquot; معنى على أرض الواقع. لذلك أقول إنه كان هناك إدراك منذ عام 2000 بأن هناك مخططاً يجري لإزاحة حتى التعددية الثنائية التي نشأت بعد حرب 1994، الإصلاح والمؤتمر، وكانت صدمة انتخابات 2003 هائلة لحزب الإصلاح بدرجة أساسية، لأنه كان يقال حينها إن الإصلاح خرج من السلطة ولم يصل بعد إلى المعارضة. هذه الانتخابات أوصلته إلى حقيقة كاملة أن هناك من يريد أن يقصي الجميع سواءً كان إسلامياً أو اشتراكياً أو ناصرياً أو أي شكل من الأشكال الحزبية. لذلك نحن يمكن القول إنه منذ عام 2000 بدأت تظهر الملامح الأولى لنظام ثنائي حزبي يعتمد على الواقع لا على النظم الدستورية والقانونية. لا يوجد في الدستور ولا في القانون نص قانوني ينص على التكتلات الحزبية، أيضا لا يوجد مانع.. هذا التطور الذي جرى في العمل السياسي المعارض هو تطور واقعي.

-هل يعني أن إنشاء اللقاء المشترك كان حفاظا على التعددية نفسها؟
كما قلت لك، لكل فعل رد فعل، فقد بدأت تظهر بوادر نضال تعددي سياسي سلمي حزبي في اليمن يواجه وقائع الإلغاء والإقصاء والإستئثار بالسلطة نهائياً. وبدأت تظهر خلال هذه الفترة ردود فعل مجتمعية ليس فقط سياسية، لأن العلاقات الخارجية للسلطة في اليمن بدأت ترجح كفة السلطة وليس كفة البلاد.. وتأمين البقاء للسلطة أصبح مقدماً على تأمين البلاد،ولم يعد للتعددية قيمة طالما تم الاستيلاء على السلطة بالجيش، وبدأ ظهور نوع من التعامل على أن اليمن ليست دولة، بل كأنها مساحة أرضية شخصية يملكها شخص يتقاسمها ويوزعها، هذه التحولات التي جرت أنتجت أوضاعاً سياسية ذات طابع أمني وبعدها انفجرت حرب صعدة.

-في الحديث عن صعدة.. كيف يمكن استخلاص مبررات توجه الحوثيين نحو محاربة الدولة بالسلاح؟
عن دوافع ومبررات الحرب في صعدة ومواجهة الحوثيين للدولة أقول إن مشروع الاستئثار بالسلطة والتوريث، والابتعاد عن النظام الجمهوري والتعددي جعل من حق جماعة كانت ذات يوم تحكم البلاد بنظام ملكي، أن تقول نحن أولى بالعودة إلى إرثنا، نحن حكمنا اليمن ألف سنة، وهذا حكم 30 سنة ويريد أن يأخذها وهي جمهورية. أيضا بدأ المواطن في الجنوب يشعر ويخاطب نفسه، هل يعقل أننا سلمنا دولة وخرجنا منها بحرب وفي الأخير تورث. إنه شيء لا يصدق.
النزاع على السلطة بدأ يتخذ بعدا آخر منذ 2004، في ظل مناخ علاقات خارجية تصور وتهيئ وتفرش للنظام بأن يسير وفق اتجاه معين. ودخلنا إلى 2005 وأصبحنا أمام وضع بلد مهدد بالتجزئة بسبب حربين، تجزئة اجتماعية وليس سياسية، وبدأت إرهاصات أزمة الجنوب بعد مرور أكثر من عشر سنوات وهو معدل طبيعي للحروب الأهلية بمرور عشر سنوات لتثار مرة أخرى، وفقا لدراسة شهيرة أجرتها الولايات المتحدة الأميركية على 45 نزاعا دوليا، وأيضا وفق دراسة لهنتنجتون بعنوان quot;عالم صراع الحضاراتquot; تقول إن المعدل الطبيعي عشر سنوات هي الدورة الطبيعية لكي تتجدد حرب أخرى إذا لم تحدث أي متغيرات، وإصلاحات على الأرض. لو نظرت إلى ما يحدث في الجنوب خلال السنوات الأخيرة لرأيت أن كل الغرض منه هو تصفية الحزب الاشتراكي بدرجة رئيسة.

التنظيم الناصري والتعددية
-لو عدنا إلى التنظيم الناصري.. أي المراحل التي كان يعمل بها الحزب الناصري بشكل أفضل السرية أم في عهد التعددية؟
اعتقد أن عملنا في العلن أفضل، صحيح أن السرية أعطت للتنظيم الناصري ميزة القفز للسلطة بسهولة، فوصلنا إلى السلطة مرتين الأولى مع بداية الثورة والمد الناصري أيام عبد الناصر، ففترة السلال كانت تعتبر مرحلة ناصرية، وحتى ما بعدها إلى حد ما، والمرة الثانية حين جاء إبراهيم الحمدي. العمل العلني سواء للناصريين أو غير الناصريين أفضل بكثير من السري لأن العمل الحزبي يعتمد على أساس فكرة، وقوة حزب تحاول أن تحقق هذه الفكرة، في العمل العلني لدينا مساحة كبيرة لطرح فكرتنا ويحكم عليها القاصي والداني، داخل الحزب وخارجه، صائبة أم غير صائبة.. لكن في العمل السري يحكم عليها من هم داخل الحزب فقط. أنا أقول انه في الحالة العلنية الناصريون لاقوا احترام القوى السياسية وإلى الآن لا يزالون.

-هل أنتم حزب نخبة ؟
لا..المسألة ليست مسألة حزب نخبة، هذا التصنيف قديم، وهو تصنيف العهد السري، أحزاب نخب وأحزاب جماهير. الأمر الأهم في موضوع العمل الحزبي في اليمن ليس التنظيم الناصري هل هو نخبة؟ أو quot;الإصلاحquot; هل هو جماهيري؟.. لا، البيئة التي نتحدث عنها، هي هل الذي بيده السلطة في اليمن يؤمن بتعددية الأحزاب ويتيح لها المجال أن تعمل وتتحرك وأن تنفتح، أم انه يقيدها ويحاصرها.. لذلك العلنية في اليمن حققت أمرين للأحزاب، سواءً لنا كناصرين أو للآخرين.. أتاحت لنا فرصة أن نظهر إلى الوجود ونتعامل مع الناس بما نمتلك سواء قبلنا الناس بالمطلق أو جزئياً، لكن واجهنا مشكلة ثانية أن النظام الحزبي في اليمن نظام أحادي وشمولي واستبدادي وتسلطي يرفض الأحزاب، أعتقد أن الجانب العلني حمى الأحزاب حتى اليوم. وبمرور عشرين سنة، لأنه لو لم يكن لدي فكرة حقيقية وقيمة تاريخية أو واقعية لن استمر طول هذه الفترة وخصوصاً في العلنية، أنا وصلت بعد عشرين سنة في تجربتي إلى أن كل الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة، النخبة أو الجماهيرية كلها محاصرة، ولذلك أعتقد أننا تحمسنا لتجربة الائتلافات الحزبية ونحن كنا أكثر الناس حماسة لها من عام 1993 لأننا شعرنا أننا أحزاب من خارج السلطة، وكنا نحذر الإسلاميين والاشتراكيين بأنه سيأتي يوم عليكم أن تخرجوا من السلطة شئتم أم أبيتم، ولن تجدوا إلا مساحات المعارضة. كنا نشعر بنوع من التعامل التمييزي والتعامل بفوقية، بأنهم الأكبر والأوسع، وكنا نقول لهم لن تجدوا حضناً دافئاً إلا حضننا فيما بعد، ستخرجون من السلطة.. البقاء في السلطة ليس مضموناً ولذلك خرج الاشتراكي أولاً ثم خرج الإصلاح.
ميزان القوى الحزبي الموجود في اليمن اليوم يمكن أن يشار إليه بوجود ثلاثة تيارات رئيسة التيار القومي الناصري والبعث والتيار اليساري الاشتراكي والتيار الإسلامي الإصلاح، لكن أنا اعتقد أن أهم تجربة في التعددية كانت للتنظيم الوحدوي الناصري وهو الذي كان منذ البداية وإلى اليوم معارضا.

-ما هو أهم شيء تعتبرونه إنجازا لكم في التنظيم الناصري؟
أهم ما نعتبره إنجازاً هو أننا استطعنا أن نصل من خلال موقعنا في المعارضة إلى أن نكون مؤثرين في الكثير من القوانين والتشريعات والقضايا السياسية الداخلية أو الخارجية، من خلال البرلمان أو عبر الفعاليات الشعبية أو الحوار السياسي من خلال الائتلافات السياسية. فاعليتنا السياسية خلال فترة العشرين سنة الماضية يمكن أن تلمسها ببعض الآثار والقضايا ذات الطابع الداخلي أو الخارجي، ومنها يتعلق مثلاً في الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية، والقوانين.. نحن ربما كنا أول تنظيم تم الإعلان عن وجوده خارج السلطة.

-كنتم في الساحة لوحدكم كمعارضة بعد الوحدة؟
نعم، وانضمت إلينا الأحزاب التي ظهرت بعدنا وحزب رابطة أبناء اليمن الذي جاء بعدنا، اتحاد القوى الشعبية رغم صغره، لكن نحن كنا أكثر الأطراف السياسية تفاعلية خارج منظومة الثلاثي الإسلاميين الاشتراكي، والمؤتمر، وبعد أن خرجت هذه الأطراف من السلطة كنا نحن قد شكلنا البيئة الحزبية لقيام تحالفات جديدة..
التنظيم الناصري مع مجموعة من الأحزاب التي نشأت خارج السلطة استطاعت خلال الفترة الماضية أن تدفع نحو بيئة سياسية ومناخ سياسي يقبل التحالفات والتطوير. نحن اليوم نسعى وفق منظور فكري نحو تشكيل الكتلة الوطنية للتغيير في اليمن، ونحن في وضع حزبي لا يستطيع أي حزب من الأحزاب أن يدعي القدرة على تغيير الواقع لوحده، لا اليسار ولا اليمين ولا حتى السلطة نفسها..
السؤال الرئيس اليوم هل الأحزاب التي يتم المراهنة عليها من أجل تغيير البلاد؟ كل حزب لا يستطيع أن يجيبك على هذا السؤال لأنه سيقول لك أنا سحبت من تحتي أرضية العمل السياسي المدني الحزبي لصالح أطراف هم قطاع طرق خارج منظومة المشروعية الدستورية. وهذا السؤال مثل سؤال من السبب في ضعف المعارضة أيام النازية.
لننظر في الموازنة العامة في الدولة وما هي الميزانية المخصصة للأحزاب القائمة مقارنة بما هو مخصص لشؤون القبائل والمشايخ، كم الفارق بين ما تعطيه الدولة لدعم المنظمات الحزبية أو لمنظمات المجتمع المدني؟ لذا إن أي دعم ستقدمه لهذه المنظمات أو الأحزاب سيكون العائد لمصلحة البلد لأن هذه مكونات حقيقية وتساعد على إرساء القانون.. ومثلاً ميزانية مصلحة القبائل تتجاوز 8 مليارات سنوياً (قرابة 40 مليون دولار).. لسنا أمام دعم بنية اجتماعية المطلوب تحديثها، توزع للشيخ وهو وحريته يصرف منها للناس أم لا.

-كم ميزانية الأحزاب السنوية من الدولة؟
خمسمائة مليون ريال (قرابة مليونين وخمسمائة ألف دولار)، بينما العائد الذي يعطيه الحزب وهو يعمل تنشئة اجتماعية وهو يعمل صحافة والكثير من الأعمال التي تطور المجتمع وتعود على الدولة بالنفع. الأحزاب كمكونات اجتماعية أول ضامن للقانون في داخل البلد، ولذلك نحن نقول إن معادلة التعددية الحزبية تغيرت بفعل انهيار منظومة النظام القانوني والسياسي والدستوري، وتغيرت أيضاً بمفهوم ظهور حركات معارضة خارج المكون السياسي الوطني، مناطقية ومذهبية.

-كيف تقيمون تجربتكم خلال هذه السنوات؟
سنعقد خلال هذا العام المؤتمر العام الحادي عشر، ونحن نعتبر المؤتمرات العامة هي أدوات التقييم، واجتماعات اللجان المركزية من أدوات التقييم، نحن مستمرون بتقييم التجربة.

-لديكم ثلاثة مقاعد خلال تجربتين انتخابيتين 1997و2003، لكن لم يحدث شيء جديد في التنظيم؟
نعم وأنت تريد أن تأخذ منها مقياسا؟

-لا آخذ منها مقياسا، ولكن خلال كل هذه السنين لم يحدث جديد لدى التنظيم في هذا السياق؟
في التجربة الأولى في 1993 كان لدينا مقعد واحد والآن ثلاثة. أحيانا نحن نكدس العمل السياسي في لغط ثقافي حول الأحزاب المعارضة في اليمن بالذات. هناك محاكمة لأحزاب على افتراضات غير صحيحة، لو كان لدي نظام انتخابي غير النظام القائم كان سيكون معنا في الانتخابات الأولى ثمانية مقاعد وفي الانتخابات الثانية ستة عشر مقعداً، وفي الانتخابات الثالثة أيضاً ستة عشر مقعداً.. هذا إذا كان النظام الانتخابي هو القائمة النسبية. لكن النظام الانتخابي الفردي يعطيني أصواتاً لكنه لا يعطيني مقاعد، وهذا النظام أيضاً يعطي القوة والغلبة لمن يمتلك المال والنفوذ التقليدي داخل المجتمع.. سأسألك أنا عن أي مجلس نواب تتحدث، انظر لتركيبة المجلس من عام 1993إلى الآن ما هو معدل التغيير؟ من هم موجودون؟ بعد الوحدة كان مجلس النواب مكوناً من الاشتراكي والمؤتمر كحاكم، وعندما جاءت الانتخابات أنظر من الذين صعدوا للمجلس، إسلاميون، حزب حاكم، ظلت معادلة الحكم قائمة. وفي 1994 بدأت موازين القوى تتغير، ظهرت الغلبة للعسكر، للتجار، للمشائخ القبليين، وإلى الآن تتكرر هذه العملية لأن النظام الانتخابي بالإضافة إلى طبيعة السلطة السياسية لا تريد في مجلس النواب إلا هذا النموذج، ما أسميه بـquot;تحالف الشرquot; الموجود داخل اليمن.
تأتي وتحاسبني اليوم أنا على موضوع وجودي في الانتخابات وكأن القصور من عندي، القصور ليس مني فأنا دخلت التجربة الأولى في أسوأ ظروفي، وأنا حزب بدأ يخرج إلى العلن ومع ذلك أحصل على خمسين ألف صوت، أمام حزبين كبيرين وهذا ما أعتبره إنجازاً. وفي التجربة الثانية في الانتخابات أحصل على مائة ألف صوت لكن في ظل اختلال موازين القوى، ألم يحصل الحزب الاشتراكي وهو في السلطة على ستة وخمسين مقعداً، واليوم لديه سبعة مقاعد؟ لذلك من الضروري إزالة لغط هذا التقسيم فنحن لكي نحكم على الأخلاق والعمل الحزبي في اليمن بحجمه الحقيقي أنا أو الإسلامي أو الاشتراكي نحتاج الى شيئين، نظام انتخابي عادل، وسلطة سياسية عادلة.. وبعد ذلك عندي قناعة كاملة أن هذا المجتمع سينصف الناس سواء نحن أو غيرنا .

-هل ترى أن هناك ما يهدد التجربة السياسية ؟
نعم .. هناك ما يهددها، الآن التدخل الخارجي يعمل نوعا من إعادة تشكيل المعادلة.

-لكن الآن الولايات المتحدة وكأنها تقر وتعترف بكم وتزوركم انتم في اللقاء المشترك؟
دعنا من مسميات الدول، أنا أعتقد أن التأثير الخارجي ليس لأنه يكره التعددية على العكس، أنا أعتبر أن الضغط الخارجي هو الذي حمى موضوع حقوق الإنسان والديمقراطية وجعلها أجندة منذ انتهاء حرب 1994إلى الآن.. اليمن أصبحت دولة مقلقة للجيران، مقلقة للقريب والبعيد، ومن ثمّ يبدو أن هناك منازلة أو ما يشبه سعيا واسعا للمحافظة على استمرار علي عبد الله صالح في الحكم والحكومة وهذا الاستمرار لهذا النظام هو الذي أورث كل هذه المشكلات. هناك نوع من المأزق، لإيجاد نظام حكم في اليمن يستطيع أن يتعامل مع المتغيرات وهذا المهدد الأول.. والمهدد الثاني أنه يتم اليوم بناء معارضة قوية من خارج المنظومة الدستورية والقانونية، كل quot;قطاع الطرقquot; يعدون هم البدائل لمنظومة العمل السياسي والحزبي، أنا أرى أن أكره الناس والشخصيات سيكونون هم الأعلام البارزة في العمل السياسي في قادم الأيام، وهؤلاء من أكره الناس مناطقياً، طائفياً، مذهبياً، قبلياً وسنجدهم في المقدمة.

-الآن تنشأ التجمعات القبلية في موازاة الأحزاب السياسية، تجمعات قبلية، وأحزاب سياسية أو منظمات مدنية.. هذه التجمعات الجديدة، ألا تشكل تهديداً للعمل الحزبي كعمل قانوني؟
بالتأكيد تمثل تهديداً لكن هناك فرق في النتائج، أنا اعتقد أن النتائج هي الأهم. فالأحزاب مهما ضعفت، ومهما توارت وتراجعت وحوصرت تظل تحدث نوعاً من التراكم المفيد للمجتمع. وأي تجربة في العالم لم تنته، العائد من نشوء تجمعات أخرى هو العنف، الأحزاب ظواهر إنسانية لا تنتهي إذا دخلت إلى أي مجتمع، سواءً كان النظام مؤمنا بها أم غير مؤمن.. المشكلة ستكون على حساب الدولة والقواعد التي تقوم عليها، هل سنصبح بعد ذلك أمام دولة بمعايير التعددية والحزبية أو بمعايير التوازنات، لذلك أنا قلق من الشأن الخارجي لأن هناك من يتصور أن التجربة السياسية الحزبية في اليمن لم تنجح.

-أخيرا موضوع النضال السلمي، هل ستستمرون كمعارضة بالنضال السلمي إلى ما لا نهاية؟
أعتقد أن الأحزاب عندما تتحدث عن النضال السلمي فهو لا يعني السلامة. هناك نظرة دونية للعمل السلمي مقارنة بالعمل المسلح، وأن المسلح مؤثر والمدني غير ذلك. العمل السلمي لا يعني سلامة الداعين، ولا المدعو عليهم، النضال السلمي يمكن أن يتحول في لحظة من اللحظات الزمنية إلى عصيان مدني وتمردات اجتماعية سلمية، وإلى عدم استجابة للقوانين والنظم التي يطرحها الحاكم، ومن ثمّ فرض نوع من الإجراءات العقابية ضد الذي يحكم وضد من هو في السلطة. والعمل السلمي إذا ما انتهت الدولة أو إذا ما انتهى النظام بالتأكيد، الأحزاب تتحول إلى ميليشيات كنتيجة وليس كرغبة، مثل ما جرى في لبنان حين انهارت الدولة، أين ذهبت الأحزاب؟ هذا ما لا نريده لهذا البلد، فإذا انفرط عقد البلد سيتحول الكل ضد الكل، وحينها لا معنى للحديث عن الأحزاب، لأن قيمة الأحزاب تذكر حينما يكون هناك دولة وهناك نظام سياسي.