بات الوضع الامني في منطقتي باب التبانة وجبل محسن في لبنان بارومتراً يمكن من خلاله قياس درجة التوتر السياسي في هذا البلد، فالمعطيات التي يشهدها الواقع في هاتين المنطقتين، تؤكد تناحر القوى فيهما، ربما لتنفيذ أجندات سياسية معينة، آخرها الصراع بين قوى الثامن والرابع عشر من أذار.


بيروت: تدفع الأزمة السياسية المتفاقمة في لبنان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية نحو المزيد من التدهور في الوقت الذي تقف فيه البلاد على أعتاب مرحلة جديدة وخطرة من التجاذب بين فريقي 8 و14 آذار، إثر إعلان أمين عام حزب الله حسن نصر الله وقف التعاون مع المحكمة الدولية ولجنة التحقيق التابعة لها.

ويفتح التشنج السياسي المستجد الأوضاع الأمنية في البلاد على المزيد من احتمالات التدهور في أكثر من مكان، وعلى رأسها منطقتي باب التبانة وجبل محسن في مدينة طرابلس الواقعة شمالي لبنان.

لا ينفي الطرفان المتواجهان تحول الحالة الأمنية في باب التبانة وجبل محسن إلى quot;بارومترquot; لقياس مدى ارتفاع حرارة التوتر السياسي في لبنان، وتخوفهما الكبير من تدهور أمني وارد في أية لحظة، عند خطوط quot;التماسquot; التي تفصلهما، وبالتالي انفجار المواجهة العسكرية الواسعة بينهما والتي شهدت موجات متلاحقة منها وعلى مراحل مختلفة، منذ عام 1975 وحتى اليوم.

المواجهة العسكرية

في هذا الصدد يعيد إمام مسجد حربا في باب التبانة الشيخ مازن المحمد، بداية المواجهة العسكرية بين المنطقتين إلى مرحلة الخلاف بين منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية من جهة، وسوريا من جهة أخرى، في سبعينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت بدأ علي عيد، الرئيس السابق للحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن (الفرسان الحمر) سابقاً، بتوجيه الرسائل السياسية المكلف بها عبر المبادرة إلى تفجير الأوضاع الأمنية في المنطقة عندما تستدعي ذلك علاقاته السياسية ومصالحه.

ويرى الشيخ المحمد، أن الخلاف المذهبي لم يكن يوماً سبباً للصراع بين المنطقتين، بل يجري استخدامه لتنفيذ quot;أجنداتquot; سياسية بحتة، وآخرها الصراع القائم حالياً بين قوى 8 و14 أذار، ويطلق الصرخة بأن الناس فقدت القدرة على تحمل الأعباء التي تُلقى على كاهلهم جراء المواجهة العبثية التي تحصل بين الطرفين.

ويقول المحمد: quot;إن باب التبانة تضم مؤيدين لفريقي 8 و14 أذار، بينما لا يجرؤ الكثير من أبناء جبل محسن على معارضة آل عيد، لما يترتب على ذلك من تعرضهم للكثير من الضغوط على مختلف أنواعها، وقد عقد اجتماع قبل وقت قريب حضره حوالى 400 شخص من فعاليات باب التبانة، تم خلاله تحريم الدم الداخلي مهما كانت طبيعة وحدة الخلاف السياسيquot;.

وتبقى المشكلة برأي المحمد قائمة، طالما استمر آل عيد في السيطرة على جبل محسن، بما في ذلك التحكم بقرار الأهالي في تلك المنطقة، ما يحول دون التلاقي بين أبناء المنطقتين، وينفي أي سعي للتسلح من قبل أبناء باب التبانة، ويذكر بأن كل ما يقال على هذا الصعيد في وسائل الإعلام هو غير صحيح، وذلك معطوفاً على احتمال تحول أبناء المنطقتين إلى أدوات في الصراع القائم بفعل الأحجام الهائلة للقوى المتصارعة داخلياً وإقليمياً ودولياً.

بداية الصراع

ويتفق العضو في المكتب السياسي للحزب العربي الديمقراطي عبد اللطيف صالح على أن بداية الصراع بين باب التبانة وجبل محسن بدأت خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، ولكن بعد أن عمد في حينها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى إعطاء الأمر بقصف جبل محسن، ويعتبر صالح وجود آل عيد والحزب العربي الديمقراطي كطرف سياسي رئيس في quot;الجبلquot; أمراً إيجابياً، لأن ذلك يساعد في تهدئة وضبط ردود الفعل عند تعرض المنطقة لقذائف quot;الأنيرغاquot;، وذلك بعكس منطقة باب التبانة والمحاور الأخرى، حيث تتعدد الرؤوس، ويقوم كل عدد محدود من الأشخاص بتشكيل مجموعة لا يعرف من أين تتلقى أوامرها.

ويضيف صالح قائلاً: quot;إن أهالي جبل محسن هم في حالة دفاع عن النفس، والدليل هو تعرضهم لعشرات قذائف quot;الأنيرغاquot; خلال الأشهر الأخيرة دون القيام بأي رد فعل على تلك الاعتداءات، والتزامهم - على الرغم من ذلك - بسياسة ضبط النفس، بل واستعدادهم لتسليم السلاح الموجود لديهم، وهو الاقتراح الذي تقدم به الحزب العربي الديمقراطي خلال المصالحة الأخيرة في منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، شرط تسليم الجميع لسلاحهم، أما إذا كان الهدف هو فرض الخيار السياسي لقوى
14 أذار على أبناء quot;الجبلquot;، فإن ذلك غير وارد لأنهم حاسمون في انتمائهم إلى خيار المقاومة ضد العدو الإسرائيليquot;.

ويحمل صالح المسؤولين السياسيين في مدينة طرابلس مسؤولية التوتر والاحتقان الدائم في المدينة، لأنهم يتجاهلون الطرف الرئيس الذي يمثل أبناء جبل محسن المتمثل بالحزب العربي الديمقراطي، ويقدم مثالاً حول هذا الأمر وهو استبعاد الحزب عن الاجتماع الأخير الذي دعيت إلى حضوره الفعاليات السياسية في المدينة قبل أيام، وبحضور سفير المملكة العربية السعودية في لبنان، بغية العمل من أجل وأد الفتنة في لبنان والشمال، ويختم بأن الجيش اللبناني يشكل الآن الضمانة الوحيدة للحيلولة دون انفجار المواجهة بين الطرفين.