بين مشكّك ومُرحّب، مُشيد ومُنتقد، اختلفت تقييمات السياسيين والإعلاميين التونسيين لما ورد في خطاب الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة الذكرى 23 لوصوله إلى سدّة الحكم. ولعلّ تلك الاختلافات في التقييم تعكس بأمانة الجدل المثار حاليا حول الغموض الذي يكتنف مستقبل تونس السيّاسي في أفق العام 2014.


تونس: أثار خطاب الرئيس التونسي بن على في الذكرى الثالثة والعشرون للتحول (تاريخ تسلمه الحكم) والتي توافق السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام، ردود فعل متباينة ومواقف متضادة في ما يخص القرارات التي تضمنها والرسائل التي وجهها للمعارضين ومنتقديه.

وبالمقابل أجمع معظم الأطراف على أنّ خطاب بن علي في ذكرى تسلمه للحكم بُعيد quot;انقلاب أبيضquot; على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة في 1987، يبدو مخالفا لما سبقه من خطابات.

وقالت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض مية الجريبي في تصريح لـ(إيلاف)quot; هذا الخطاب شكلي ولم يجب عن الأسئلة الجوهريةquot;،في حين رأى الإعلاميّ المقرّب من الدوائر الرسميّة التونسية برهان بسيّس أنه quot;لامس روح انتظارات التونسيينquot;.

وانتقد سياسيون بشدة عدم تطرق بن علي إلى المستقبل السياسي لتونس وتوضيح موقفه من quot;مناشدتهquot; للبقاء في الحكم إلى حدود 2014، على اعتبار أنّ البلاد تمرّ بمرحلة حساسة مع ارتفاع المناشدات التي تدعو بن علي للترشح إلى ولاية سادسة من جهة، وارتفاع الأصوات التي تحذّر من سيناريوهات محتملة للتمديد أو التوريث في تونس، بما قد يكرّس الرئاسة مدى الحياة التي كان الفريق الحاكم الحاليّ قد وعد بالقطع معها نهائيا.

مية الجريبي: الأمينة العامة للحزب الديمقراطيّ التقدّمي المعارض

وأكدت ميّة الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطيّ أن هذا الغموض يعكس نية الرئيس بن علي لإعادة ما حدث في 2001 في ما يخص تعديل الدستور لتمديد فترة حكمه، وعبرت عن تشبث حزبها بمبدأ التداول على السلطة.

وقد انطلقت حملة مناشدات لبن علي للترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة منذ شهر آب المنقضي بمبادرة من شخصيات تونسية أهمها صهر الرئيس.

وقال الإعلامي برهان بسيّس في لقاء مع (إيلاف) إن عدم خوض بن علي في هذا الموضوع مسألة شخصية وهو ليس مطالبا بذلك بما أن المناشدة حملة شعبية وتعبر عن اعتراف التونسيين بما حققه من إنجازات.

ومن المفترض أن تنتهي ولاية بن علي البالغ من العمر 74 عاما في 2014 وحسب الدستور التونسي لا يحق له إعادة الترشح لدورة سادسة إذ يضع الدستور في نسخته الحالية سقفا لعمر الرئيس لا يتجاوز 75 عاما، وهي العقبة الأبرز التي تجعل من بعلي مرشحا quot;غير دستوريquot; إلى حدّ الآن.

لكن بعض المتابعين يتحدثون عن إمكانية واردة لتنقيح الدستور في الأشهر المقبلة مع احتدام حملة المناشدات، بما يتيح لبن علي الترشّح من جديد.

قرارات سياسية

وأمر بن علي في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى وصوله للحكم بإحداث ملتقى دوري للأحزاب الممثلة في مجلس النواب يعقد مرة كل ستة أشهر بتركيبة تأخذ في الاعتبار تمثيلية كل حزب في المجلس وبرئاسة دورية يتداول عليها الأمناء العامون لتلك الأحزاب.

وقال العروسي الناتولي عضو المكتب السياسي في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين لـ(لإيلاف) إنّ قرار الرئيس بن علي هو quot;قرار يعكس التعددية السياسية في تونس وهو آلية مهمة وأرضية للحوار بين الأحزابquot;.
ويضم مجلس النواب كلا من الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، حركة التجديد، حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، الحزب الاجتماعي التحرري، حزب الخضر للتقدم ،حزب الوحدة الشعبية إضافة إلى الحزب الحاكم (التجمّع الدستوريّ الديمقراطيّ).

وأكدت الجريبي أن هذا الإجراء يعبر عن تدخل السلطة التنفيذية في عمل الأحزاب ويأتي تأكيدا لصورية المعارضة البرلمانية في تونس وشكلية التعددية السياسية.

وأقر الرئيس التونسي في خطابه الترفيع في المنحة المخصصة للأحزاب السياسية وصحافتها كما شدد على توسيع مشاركة الأحزاب في البرامج الحوارية التلفزية والإذاعية.

ويقول الإعلاميّ برهان بسيّس في هذا الصدد إنّ فتح الإعلام أبوابه للسياسيين ضروري لتواصلهم مع مختلف فئات المجتمع والتعريف ببرامجهم الأمر الذي يعتبره من النقائص في تونس.

المجال الحقوقي

وأمر بن علي في الخطاب ذاته بإيجاد حلول نهائية لأزمة quot;الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسانquot; خلال الستة أشهر القادمة في إطار اتفاق يعيدها إلى نشاطها المعتاد وحمل مسؤولية الخروج من الأزمة لمنخرطي الرابطة.

وعلقت مية الجريبي على هذا الموضوع قائلة إنّ مثل هذا التدخل في شؤون الرابطة دليل لتداخل السلطة في تونس وتجمعها في شخص الرئيس بن علي، واعتبرت أن شؤون الجمعيات الحقوقية والمدنية ليست من مشمولات السلطة التنفيذية.

وتعتبر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من أقدم المنظمات العربية والأفريقية إذ تأسست عام 1977 وشهدت علاقتها بالسلطات حالات مد وجزر ولعل أخطرها ما تمرّ به منذ العام 2000، تاريخ تعطل عملها بعد ان ضربت الحكومة من حولها حصارا ماليا وأمنيا عطّل نشاطها وتسبب في شلل شبه تام لعملها.

وبلغت أزمة الرابطة الحقوقية حد اتهامها من قبل العديد من أعضائها وكذلك مسؤولين في الحزب الحاكم والحكومة quot;بالتسييس المفرطquot; وquot;بارتهانها لجماعات أقصى اليسارquot; وهو ما تنفيه الهيئة المديرة لهذه المنظمة باستمرار متهمة السلطات بـquot;السعي لتهميشها والسيطرة على قرارهاquot;.

الإعلاميّ برهان بسيّس

ورحب برهان بسيّس بهذه الدعوة مؤكدا أنها quot;ترجمة لتشبث بن على بالمكاسب الحقوقية وأن موقف رئيس الرابطة الإيجابي خلال مداخلته في إحدى القنوات التلفزية حجة ضد كل من يعتبر هذه الدعوة تدخلا في شؤون المنظمات المدنيّةquot;.

الإعلام

أقر زين العابدين بن علي توسيع تركيبة المجلس الأعلى للاتصال وتعزيزه بحضور المرأة والأحزاب الممثلة في مجلس النواب مع إضافة ممثل عن quot;برلمان الشبابquot; حديث النشأة وأكد حرية التعبير التي يضمنها الدستور.

وقال الصحافي في جريدة quot;الطريق الجديدquot; توفيق العياشي لـ(إيلاف) إن هذا الإجراء لا يعتبر حلا لأن المعضلة تتمثل في ضبابية مهام المجلس وصلاحياته وخصوصا تفعيل قراراته ومراقبة تطبيقها.

كما أعلن الرئيس التونسي وضع إطار تنظيمي لممارسة نشاط قيس المشاهدة والاستماع بعد حملة التشكيك في مصداقية مكاتب القيس الخاصة من طرف بعض مالكي وسائل الإعلام.

ويرى العروسي الناتولي عضو المكتب السياسي في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والعضو في quot;مجلس الاتصالquot; أن مشكلة الإعلام في تونس لا تتمثل في التشريعات إنما في الرقابة الذاتية التي يفرضها بعض الصحافيين على أنفسهم، إضافة إلى التوجه الربحي للإعلام الخاص.

مشاريع تنموية واقتصادية

وأمر بن علي بتنفيذ جملة من المشاريع التنموية أهمها تدعيم البنية التحتية بإنشاء سلسلة ضخمة من الطرقات السيارة تربط بين مختلف المدن التونسية بالإضافة إلى مشاريع اقتصادية في جنوب البلاد.

وقال الصحافي كمال بن يونس لـ(إيلاف) إن هذا الإجراء يعتبر أهم ما ورد في الخطاب باعتباره يحسن فرص التشغيل والاستثمار في الجنوب وفي المناطق الغربيّة من البلاد.

ورافقت هذه المشاريع المتوجهة إلى تنمية الاقتصاد في الداخل التونسي وخاصة الجنوب، دعوة من الرئيس بإعداد برنامج تنفيذي للتحرير الكامل للدينار التونسي على مرحلتين وإعادة النظر بصفة جذرية في مجلة الصرف بما يتلاءم مع التحرير الكامل للدينار.

ويقول الصحافيّ توفيق العياشي في هذا الصدد quot;لماذا انتظرنا 23 سنة كاملة حتى تتم محاولة تجاوز التفاوت العميق في التنمية بين المدن التونسيةquot;.وأضاف أن تمويل هذه المشاريع متأت من أضخم قرض في تاريخ تونس وبالتحديد من البنك الإفريقي للتنمية وقد تم تأجيل الإعلان عن هذه المشاريع إلى غاية هذا الخطاب بغية الترويج لخطة تمديد حكم الرئيس بن علي، على حدّ تعبيره.