شهدت مدينة القدس حراكاً اسرائيلياً، يهدف الى عزل المقدسيين عن المدينة بهدف تهويدها وتغيير ديمغرافيتها على حساب السكان الفلسطينيين، وكشفتتقارير موثقة حصلت عليها quot;ايلافquot; تخصيص الحكومة الاسرائيلية مبالغ طائلة لتنفيذ هذا الهدف، فضلاً عن تمويل لا يقل سخاءاً من احد كبار رجال الاعمال اليهود.


القدس: شرعت الحكومة الاسرائيلية مؤخراً بإخلاء عدة منازل تعود لعائلات عربية في البلدة القديمة بالقدس، بالاضافة الى منازل اخرى في القرى الفلسطينية المتاخمة للمدينة المقدسة، في محاولة من تل ابيب للحيلولة دون تواجد السكان الفلسطينيين في تلك المنطقة، وقدرت مساحة الأراضي المستهدفة والمهددة بالمصادرة بنحو 12.400 دونماً.

وأفاد التقرير الشهري لمجموعة الرقابة في دائرة شؤون المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية، بأن شهر تشرين الأول/اكتوبر 2010، شهد تزايداً ملحوظاً في اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، خاصة في مدينة القدس.

عمليات هدم لمنازل فلسطينية في قرية العيسوية

وأضاف التقرير الذي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، أن ثمانية فلسطينيين قتلوا الشهر الماضي. كما رصدت مجموعة الرقابة 127، هجمات لمستوطنين على فلسطينيين في الضفة الغربية في تشرين الأول/اكتوبر 2010، تركزت في عمليات لاطلاق النار والدهس والاعتداء بالضرب وإلقاء الحجارة وتجريف الأراضي وحرق المساجد، وذلك بزيادة قدرها 38% عن الشهر الذي سبقه.

عزل العيسوية

وعملت السلطات الإسرائيلية مؤخراً على تضييق الحصار بشكل مضاعف على القدس الشرقية وضواحيها. إذ حذر مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية منذ عدة أيام، من مخطط إسرائيلي يستهدف عزل بلدة العيسوية شمال شرق القدس، بهدف سلخها عن المدينة المقدسة، في إطار مخطط طال قبل ذلك أحياء مثل قرى الزعيم، ومخيم شعفاط، ورأس شحادة، ورأس خميس، وضاحية السلام.

وتعدّ بلدة العيسوية التي يقارب عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة، من أكثر القرى والبلدات في محيط البلدة القديمة، وتقع على الحدود البلدية المصطنعة للقدس، إذ يعاني سكانها الفلسطينيين جراء الأزمة السكنية الخانقة التي تدفع المواطنين لمحاولة التغلب عليها من خلال البناء العمودي، مراعاة للمساحات السكنية المتناقصة لصالح الاسرائيليين الذين يقطنونها.

وكانت مساحات كبيرة من أراضي بلدة العيسوية قد صودرت قبل أكثر من عشر سنوات لصالح المشروع الاستيطاني الضخم شرق البلدة والمعروف بمخطط ) إي- ون)، والذي يلتهم ما يُقدر اجمالاً بـ 12400 دونماً من أراضي بلدات العيزرية والزعيم والطور والعيسوية، ومن المقرر أن تقام عليه آلاف الوحدات الاستيطانية والمناطق الصناعية والمنتجعات السياحية، التي ستربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس.

وهذا ما شدد عليه النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، الدكتور برنارد سابيلا، قائلاً لـ quot;إيلافquot;: quot;إن الهدف من عمليات البناء والاستيطان في القدس هي التهويد بعينه، لفصل الفلسطيني وتغريبه عن وطنه وأرضه، فإسرائيل تنفذ سياساتها في القدس والاراضي الفلسطينية دون رادع من أحد، معتمدة على التحالف الإسرائيلي الأميركي، لنرى أنها أصبحت هي الدولة الكبرى والولايات المتحدة هي الصغرىquot;.

تأييد حكومي

وقد تم مقايضة المقر القديم للشرطة الإسرائيلية في رأس العمود مع جمعيات استيطانية اسرائيلية سيطرت عليه وتقوم بترميمه في هذه المرحلة، وإعادة تأهيله لبناء عشرات الوحدات الاستيطانية، التي ستتصل عبر جسر بمستوطنة معاليه هزيتيم، التي تم توطينها مؤخراً بـ 66 عائلة جديدة، ليرتفع العدد فيها الى نحو 250 عائلة، مقابل نقل ملكية هذا المقر للمستوطنين.

يذكر أن هذا المشروع يتم تمويله من قبل المليونير الأميركي اليهودي إيرفينغ موسكوفيتش، لبناء المقر الجديد للشرطة شرق بلدة العيسوية على طريق أريحا القدس، بكلفة وصلت إلى نحو 100 مليون دولار.

وتجدر الاشارة الى أن موازنة الحكومة الإسرائيلية المخصصة سنويا للقدس، والتي تزيد عن 5 مليارات شيكل، ينفق الجزء الأكبر منها على دعم الوجود الاستيطاني اليهودي في القدس الشرقية. وتأييدا لذلك فقد طالبت جمعية اسرائيلية يسارية قبل عدة أيام، بإعادة استثمارات الحكومة الاسرائيلية للمستوطنين في منطقة الشيخ جراح وتعويضهم عن هذه الاملاك، رغم أنه من الناحية القانونية لا يحق المطالبة بأية مبالغ أو تعويضات للمستوطنين.

التواجد الفلسطيني

مشكلة إسرائيل كما صرح د. سابيلا لـquot; إيلافquot;: quot;أن رؤيتها ليست شمولية لمدينة القدس إنما أحادية الجانبquot;، فالسياسات الاستيطانية في القدس تهدف الى تغيير واقع التركيبة الديمغرافية، إذ وصلت نسبة السكان المقدسيين في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى نحو 35%. أي أن نسبة المقدسين داخل حدود القدس وصلت الى 300 ألف نسمة، منهم 36 ألف نسمة يقطنون داخل أسوار البلدة القديمة، مقابل نحو 4 آلاف مستوطن يقطنون فيquot;الحي اليهوديquot; وفي البؤر الاستيطانية السبعين المنتشرة في أحياء القدس القديمة. وتخشى إسرائيل من وصول نسبة المقدسيين عام 2015 إلى أكثر من 40%.

موضحا أن: quot;التركيب الديمغرافي لسكان القدس هو ما يشغل اهتمام الحكومة الاسرائيلية اليوم. فهناك عملية عزل لأكثر من 125 ألف مقدسي بجدار الفصل، مما سيفقدهم مستقبلا حق الإقامة في المدينة المقدسة، وفي المقابل هناك زيادة في أعداد المستوطنين ومضاعفتهم من خلال بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية. حيث طرحت خلال الشهور القليلة الماضية مخططات لبناء أكثر من عشرة آلاف وحدة استيطانية في المستوطنات المحيطة بالقدس.quot;.

وهذه السياسات الحكومية الاسرائيلية جاءت تنفيذا لقرارات صدرت في مؤتمر هيرتسيليا العاشر للأمن القومي، الذي عقد في 31 كانون الثاني/يناير الماضي، تحت عنوان quot;إسرائيل تحت الحصارquot;، والتي تقضي بخفض نسبة المقدسيين من 35% الى 8% في عام 2025.

كما ارتفعت نسبة الأصوات الإسرائيلية المطالبة بدعم مشروع القانون الذي أقرته لجنة التشريعات الوزارية في الكنيست لتعريف القدس كمنطقة ذات أولوية وطنية، وهو الذي يعطي الأولوية للبناء في المدينة بهدف زيادة عدد اليهود فيها، بما في ذلك القدس الشرقية على حساب المقدسيين الفلسطينيين.

وقبل أيام، كشف وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن رفض الحكومة الإسرائيلية إتخاذ أي قرار بتجميد البناء في المستوطنات في القدس الشرقية، مشيرا إلى أن اسرائيل quot;ستتصدى لأي ضغوط حول الاستيطان، وستطالب في المقابل بالضغط على الفلسطينيينquot;. هذا ما يتضح جليا في الزيادة الهائلة في أعداد المستوطين والتي وصلت إلى أكثر من 200 ألف مستوطن، في حين أن المخططات والبرامج المعدة إسرائيليا بهذا الشأن ترمي إلى زيادة عددهم حتى العام 2020 ليصل إلى نحو نصف مليون مستوطن داخل القدس.

الوعي المقدسي

ويؤكد الفلسطينيون في القدس أن السياسات الإسرائيلية quot;لسلخquot; المواطن المقدسي من أرضه لم تفلح، بل عمقت الوعي السياسي لديه، حول أهمية الحفاظ على الهوية رغم كل الضغوطات المفروضة عليه، من دفع الضرائب والمخالفات، التشتت بين أبناء العائلة الواحدة في الضفة والقدس، في محاولة لتغريبه عن المدينة وجغرافيتها وحضارتها. إلا أن المقدسي كما أكد د. سابيلا يرفع اليوم شعار quot;لن أترك القدسquot;.

لكن د. سابيلا يشير إلى quot;أن علميات الاستثمار وافتتاح المشاريع في القدس العربية سياسة ممنوعة من قبل الحكومة الاسرائيلية في حق الفلسطينيquot;، فرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، شرع في دعم مشروع مدارس في ضواحي القدس خارج الجدار، ولكنه أوقف من قبل الحكومة الاسرائيليةquot;.

مضيفاً: quot;ولكننا سائرون حاليا في نهج quot;السياحة الفندقية في القدسquot;، لإحياء القدس العربية ليس من الجانب الديني فقط وانما السياسي والثقافي أيضاً ولن نتوقفquot;.

موقف السينودوس العاشر

وأوضح سابيلا أن quot;الحكومة الإسرائيلية لم تختزل رؤيتها، بل إنها توسع من أطماعها اللا متناهية، اذ لا يزال العمق الاستراتيجي للشرق الأوسط سواء السياسي أو الديني مهدداً. فالقدس ليست بالمدينة المملوكة لأحد وإنما بالتجمع الوجودي لثلاث أديان سماوية (اليهودية، المسيحية، والاسلام)، والأحقية بالوجود تعود للمواطن وليس للدولةquot;.

وشدد د. سابيلا على أهمية نداء الفاتيكان في اجتماع السينودوس العاشر، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وإلزام إسرائيل بالقانون الدولي فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث نص على: quot;إن إسرائيل لا يمكنها استخدام المفهوم التوراتي لأرض الميعاد، أو شعب الله المختار، لتبرير إقامة مستوطنات جديدة في القدس أو المطالبات المتعلقة بالأراضيquot;. معرباً عن أمله في أن يصبح حل الدولتين واقعاً حقيقياً وليس مجرد حلم، وأن القدس عاصمة للديانات السماوية الثلاثة وليست مدينة يهودية فحسب.