تفجرت قضية الاعتداءات الجنسية في إسرائيل عندما نشرت مجموعة من الربانيين في الصهيونية الدينية وبصورة مفاجئة، الأسبوع الماضي، بيانًا حذّرت فيه جمهور المتديّنين الصهيونيّين من خطر إرسال أبنائهم إلى المدارس الدينية، وإلى دروس الوعظ الديني التي يعطيها الراب مردخاي ألون الذي يعتبر أبرز رموز الحركات الدينية في إسرائيل، وذلك بسبب تورطه في جرائم تحرش جنسي ولربما أيضًا اعتداءات جنسية على تلاميذ المعاهد الدينية التي يعمل فيها.
في الوقت الذي انشغل فيه العالم، بتقصي حقائق وملابسات تصفية القائد العسكري في حماس، محمود المبحوح، في دبي، كانت إسرائيل غارقة في وحل وإشاعات وملابسات غير مفهومة لفضيحة جنسية بطلها أحد كبار ربانيي quot;الصهيونية الدينيةquot;، الراب مردخاي ألون، مدير المعهد الديني quot;يشيفاي هكوتلquot; quot;أي مدرسة حائط المبكى، ونجل رئيس محكمة العدل العليا السباق مناحيم ألون، وشقيق عضو الكنيست المتطرف من حزب غاندي، بني ألون، وشقيق قاضي محكمة العدل العليا الحالي سوفي الون. وهو يعتبر من أهم القادة الروحانيين للصهيونية الدينية التي شكلت ردًا على الحركات الأورثوذكسية والتي تعتبر الأب الروحي للاستيطان اليهودي في quot;كافة أنحاء إسرائيلquot;. وقد بلغ من شأن هذه الفضيحة، التي أعلنت الشرطة الأحد عن استعدادها لبدء التحقيق فيها،أن نشرت الصحف الإسرائيلية، طيلة الأسبوع الماضي عناوين رئيسة وصورًا لبطل الفضيحة على الصفحة الأولى وفق العناوين الرئيسة الأخرى التي أفردت لقضية اغتيال المبحوح.
تفجرت القضية عندما نشرت مجموعة من الربانيين في الصهيونية الدينية وبصورة مفاجئة، الأسبوع الماضي، بيانًا حذّرت فيه جمهور المتدينين الصهيونيين من خطر إرسال أبنائهم إلى المدارس الدينية وإلى دروس الوعظ الديني التي يعطيها الراب مردخاي ألون، وذلك بسبب تورطه في جرائم تحرش جنسي ولربما أيضًا اعتداءات جنسية على تلاميذ المعاهد الدينية التي يعمل فيها.
ومع وقوع نشر الخبر كالصاعقة في صفوف اليمن الديني في إسرائيل، خصوصًا أنّ الحديث يتناول شخصية رابي مثل ألون، وما له من نسب عائلي، إلا أن المفاجآت توالت بعد أن أعلن الربانيون الذي نشروا التحذير باسم منتدى quot;تكيناهquot; أن القصة تعود إلى ما قبل ثلاث سنوات، وأن التحذير جاء بعد أن خرق ألون التفاهم الذي توصل إليه منتدى ربانيي quot;تكيناهquot; وأقره في حينه المستشار القضائي السابق للحكومة الإسرائيلية، وقضى باعتزال ألون للتدريس، ونفيه من القدس إلى بلدة مغدال في الجنوب بشرط ألا يمارس مهنة تدريس التوراة وألا يقدم المشورة للرعية في البلدة.
وأماط هذا الإعلان اللثام عن السر الذي كان وراء اعتزال رابي بهذا الحجم والوزن والنسب للمعهد الديني الذي كان يديره في القدس ولتوقفه عن إعطاء دروس في التوراة لصالح الاعتزال بهدف التأمل والدراسة كما كان أعلن عندها. كما كشف الإعلان عن تواطؤ المستشار القانوني السابق للحكومة، مني مزوز، مع منتدى الربانيين المذكور عبر الموافقة على ستر القضية وإخفائها عن الجمهور بدلا من تقديم توصية بتقديم الرابي المشهور والبارز للمحاكمة بتهم استغلال سطوته الدينية للاعتداء والتحرش جنسيًا بتلاميذه في المعهد الديني.
شرخ وزلزال في المعسكر الديني الصهيوني
ومع نشر الأنباء عن حقيقة الاتهامات الموجهة والمنسوبة للرابي ألون، تبدلت العاصفة التي ألمت بالمعسكر الصهيوني الديني في إسرائيل إلى ما وصفه أحد الربانيين بأنه quot;أزمة وشرخ في المعسكر وفي العقيدة عن التلاميذ اليهود الذين يدرسون في المعاهد الدينية.
ونقل موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني عن الرابي أريئيل بار إيلي قوله إن الانكسار والشرخ الذي أصاب المعسكر الديني الصهيوني في إسرائيل بعد الكشف عن القضية، والذهول الذي أصاب الجميع يشابه تماما الانكسار الذي أصاب هذا المعسكر بعد تنفيذ شارون خطة الانفصال. وقال بار إيلي : إن المعسكر الصهيوني الديني اعتقد في تلك الفترة quot; أن الرب لن يسمح لشارون بهدم وإخلاء مستوطنات غوش قطيف في القطاع، لكن كل الأوراق تهاوت أمام أعينناquot;.
في المقابل قال رئيس حزب الاتحاد القومي، عضو الكنيست يعقوف كاتس إن هذا النشر وهذه الفضيحة تشكل لجمهوره زلزالا كالذي وقع في هايتي.. فهذا مخيف ومروع، أن يقوم تلاميذ تتلمذوا على يد حكماء الربانيين، من أمثال الراب شبيرا والراب اريئيل غيسر بنشر بيانات تحذيرات كالتي نشروها باسم منتدى تكناه. علينا أن ندعو عشرات آلاف تلاميذ الراب ألون بألا ينهاروا أمام هذه المأساةquot;.
ولعل ما يزيد وطأة الأمر على جمهور المتدينين الصهيونيين، هو أنهم ومنذ قيام إسرائيل، اعتبروا أنفسهم، كما اعتبرتهم باقي تيارات الحركة الصهيونية، بأنهم يشكلون مثالا لليهودي العصري، المتمسك بالدين، لكنه ايضا متمسك بمبادئ الصهيونية ويعمل على تطبيقها دون انتظار للمسيح المنتظر، وذلك خلافا لتيارات اليهودية الأورثذوكسية، التي لا تعتبر نفسها صهيونية بل إن قسما منها مثل ناطوري كارتا يجاهرون بمعارضتهم للصهيونية.
إلى ذلك فإن تيار الصهيونية الدينية هو التيار الرئيسي والأساسي اليوم الذي يحمل quot;لواء الاستيطانquot;، فهو عراب حركة غوش إيمونيم الاستيطانية، ومن صلبه خرجت كثير من الحركات الصهيونية الدينية المتطرفة مثل جماعات quot;أمناء الهيكلquot; بقياد غرشون سلمون، كما أن مئير كهانا، وموشيه ليفنغير، وحتى قاتل رابين يغئال عمير ينتمون لهذا التيار. واعتاد اليمين الإسرائيلي العلماني ( ممثلا بالليكود) على مدار عقود طرح أفراد هذا التيار بأنهم هم خيرة quot;الأبناءquot; المقابلين لأبناء الكيبوتسات، بل هم خير منهم لتمسكهم بتعاليم التوراة والحشمة وعدم ارتكاب الفحشاء. كما أن نتنياهو اعتبرهم أنهم طلائعيو الاستيطان اليهودي في quot;أرض إسرائيلquot;، الذين يواصلون مسيرة طلائعيو حركة العمل التاريخية في استيطان كل شبر.
حاجز الصمت الحديدي
ولعل أبرز ما في الكشف عن فضيحة الرابي مردخاي ألون، هو قيام منتدى من الربانيين يعلن أن رابي كبيرا بحجم ودلالات الون ارتكب أعمالاً مشينة بحق تلاميذه في المعهد الديني، واستغل سطوته لإرضاء نزواته الشهوانية والشيطانية، وهو ما شكل وللمرة الأولى كسرًا لحاجز الصمت الذي يلف ما يحدث في المعاهد الدينية التابعة للتيار الديني الصهيوني، حيث لا يتجرأ أحد من التلاميذ أو أسرهم من تقديم شكاوى ضد أي من البانيين، خوفا مما قد يجره ذلك على التلميذ ( مثل طرده من المعهد الديني) أو على أسرته والذي قد يصل حد فرض مقاطعة اجتماعية ودينية عليها عدا عن التشهير بها ورفض مصاهرتها.
وبحسب مدير المجلس القومي لسلامة الطفل، د. يتسحاق كدمان ( وهو ينتمي بدوره لتيار الصهيونية الدينية) فإن المعطيات المتوفرة للمجلس القومي لسلامة الطفل، تشير إلى وجود حاجز صمت قوي يصعب كسره في كل ما يتعلق بالاعتداءات الجنسية على التلاميذ والأطفال في قطاعين رئيسين في المجتمع اليهودي في إسرائيل وهما قطاعي quot;المتدينين الصهيونيينquot;. وذلك بسب الضغط الاجتماعي الهائل، وفي قطاع المتدينين الأورثوذوكس، وذلك بسبب سطوة رجال الدين والبنية الاجتماعية على هذا المجتمع والذي يحرم على أبنائه quot;كشف المستورquot; أمام العلمانيين وخاصة مؤسسات الدولة ومؤسسات الرفاه الاجتماعي.
وكشف د. كدمان أن المجلس القومي لسلامة الطفل يواجه صعوبات كبيرة في اختراق المجتمع اليهودي الأورثوذكسي (لحريديم) خصوصًا أن ذوي الأطفال أنفسهم يرفضون حتى عند اكتشاف الأطباء خلال كشوفات طبية روتينية أن أحد الأطفال، ولدًا أو بنتًا تعرض لاعتداء جنسي، تقديم شكوى للجهات المسؤولة وذلك لأن الربانيين يحظرون على أفراد هذه الشرائح الاجتماعية تقديم شكاوى لمؤسسات الدولة.
وكشف كدمان خلال مؤتمر عام عقده المجلس الأسبوع الماضي في القدس، النقاب عن أن المجلس يعرف عن حالات كثيرة قام بها ربانيون يهود بالاعتداء على التلاميذ في المعاهد الدينية، علما بأن هؤلاء التلاميذ (الأطفال) كانوا معجبين بهؤلاء الربانيين الذين اعتدوا عليهم جنسيا ولم يدركوا حقيقة ما تعرضوا له. ولفت كدمان في هذا السياق إلى أن المجلس القومي لسمة الطفل أطلق على مدينة بني براك (اكبر تجمع سكاني للحريديم اليهود) لقب عاصمة quot;البوديفيليا في إسرائيلquot; وذلك بفعل كثرة جرائم الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
تهاون في معاملة المشاهير المدانين بجرائم جنسية
تنضم هذه الفضيحة الجنسية، بفعل هوية بطلها إلى سلسلة من الفضائح الجنسية التي ارتكبها كبار المسؤولين في إسرائيل في الأعوام الأخيرة والتي أودت بحياة أبطالها السياسية وزجت ببعضهم في السجن. وأبرز هذه الفضائح في العقد الأخير هي فضيحة رئيس الدولة السابق موشيه كتساف، الذي اضطر إلى الاستقالة من منصبه، وبدأت محاكته في الأشهر الماضية،بعد أن اتهمته إحدى العاملات في ديوان الرئاسة بأنه اعتاد على التنكيل بها جنسيا والاعتداء عليها معتمدا على منصبه وسطوته. وسبقتها فضيحة وزير الأمن السابق، يتسحاق مردخاي ، الذي أدين في عام 2001 بارتكاب أعمال مشينة بحق ثلاثة نساء وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة 18 شهرا، فيما رفضت المحكمة العسكرية خفض رتبته العسكرية وظل يحمل رتبة جنرال، لكن زوجته الشابة كوخي مردخاي تطلقت منه. والحالة الثالثة كانت حالة نائب رئيس الحكومة السابق خلال حكم أولمرت، حاييم رامون الذين أدين عام 2007 بالقيام بأعمال مشينة عندما قبل جندية في ديوان رئاسة الوزراء رغمًا عنها وحكم عليه فقط بالعمل لمصلحة الجمهور ثم عاد وزيرًا بلا حقيبة على أن اعتزل الحياة السياسية في تموز 2007.
آلاف الاعتداءات الجنسية على الأطفال والتلاميذ في إسرائيل سنويًا
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى وقوع آلاف الاعتداءات الجنسية على الأطفال والتلاميذ في إسرائيل سنويا. فوفقًا لمعطيات مركز الأبحاث التابع للكنيست، ففيالعام 2009 عالجت الشرطة 2،240 ملفًا تم فتحها بشأن اعتداءات جنسية على قاصرين، أما في العام 2009 فقد تم التحقيق مع 2،425 طفلاً وقاصرًا تعرضوا للتنكيل الجنسي، علمًا بأن عاملي الشؤون الاجتماعية في إسرائيل كانوا قدرفعوا في العام نفسه تقارير عن 5،931 توجهًا من أهالي وقاصرين شكوا عن تعرضهم أو تعرض أبنائهم لاعتداءات جنسية، وهي إحصائيات لا تشمل حالات سفاح القربى أو تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي من قبل أحد الوالدين، أو الأقارب.
وفي هذا السياق أعلن د. يتسحاق كدمان أمام لجنة الرفاه الاجتماعي التابعة للكنيست في جلسة خاصة عقدت في السادس من الشهر الماضي أن أحد المشاكل في استنفاذ التحقيق تكمن في النقص في المحققين المؤهلين لأخذ الإفادات من القاصرين والأطفال، كما أنه في حال تأخر رجال الشرطة والجهات المختصة عن الشروع في التحقيق مع تلقي الشكاوى فإن المحقق الخاص يكتشف أن الضحية يرفض الحديث عما تعرضت له.
التعليقات