إرتياح حول صحّة مبارك وترتيبات لاستقبال حاشد في المطار

القاهرة: في ظل موجة الشائعات التي راجت بالداخل والخارج على مدار الأيام القليلة الماضية حول رزمة من الملفات ومستجدات الأوضاع سياسيًا واقتصاديًا في أعقاب العملية الجراحية التي أجراها مؤخرًا الرئيس مبارك في ألمانيا، رأت مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية المعنية بالسياسة الخارجية في تقرير لها اليوم أن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الآونة الأخيرة كشفت عن حقيقة مهمة، وهي أن النظام السياسي بأكمله في مصر يُنظم بصورة دقيقة لكي تكون جميع خطوط السلطة بين يدي الرئيس.

ففي تقريرها الذي عنونته بـ quot;من يحكم مصر خلال استشفاء الرئيس مبارك؟quot; لفتت المجلة في البداية إلى ذلك المقال الذي وصفته بـ quot;الغريبquot; ونشرته صحيفة الشروق اليومية، تحت عنوان من يحكم مصر في ظل غياب مبارك؟ حيث عرضت الصحيفة المصرية في هذا الجانب للموقف الدستوري في ضوء استشفاء الرئيس مبارك في ألمانيا. وأشارت إلى أن البلاد تُحكَم على ما يبدو من قِبل رئيس غائب، ورئيس وزراء تكنوقراط، وعدد قليل من الساسة البارزين، ومجموعة من الرجال في ما وراء الستار.

ثم تمضي بعدها الصحيفة لتقول إنه ومع تقدم الرئيس مبارك في السن، بدأت تقل مشاركته الواضحة في السياسة المصرية، وهي المسألة التي جعلت المصريين يتبادلون الشائعات حول حقيقة الشخص الذي يدير شؤون البلاد في واقع الأمر. وتساءلت المجلة في هذا السياق، بقولها: هل هي الأجهزة الأمنية؟ أم نجله؟ أم أعضاء بارزين في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم؟ وما هو دور السيدة سوزان مبارك، بجهودها الواضحة في الحياة العامة المصرية؟ والأهم من ذلك، من سيخلفه؟ - وهي التساؤلات التي انتقلت نتيجة لذلك من دائرة الشائعات إلى صدارة عناوين الأخبار.

وعلى الرغم من قيام الرئيس مبارك بنقل سلطاته واختصاصاته الرئاسية لرئيس الوزراء أحمد نظيف، إلا أن المجلة عاودت لتشير إلى ما ذكرته صحيفة الشروق المصرية، وتأكيدها في هذا الجانب على أن سلطة نظيف محدودة، وأنه يقوم بالتشاور مع سلطات مسؤولة معروفة وغير معروفة في ما يخص الأمور الهامة (كتلك المتعلقة بالناحية الأمنية). ثم تمضي المجلة لتقول إنه وفي الوقت الذي لم تتضح فيه الصورة بشأن هوية الشخص الذي يتمتع بالسلطة ndash; أو من سيقوم بإدارة الأمور إذا ما دام غياب الرئيس مبارك ndash; كانت الطريقة التي تتم من خلالها ممارسة تلك السلطة مسألة أكثر وضوحًا.

ثم تنتقل المجلة بحديثها لتلقي الضوء على أداء أحزاب المعارضة، فتشدد على عدم وجود ثمة مشاكل في السماح لها بمزاولة نشاطها، طالما أنها ضعيفة ومنقسمة وتبتعد عن الشارع وتلتزم الصالونات التي تنتمي إليها. وتشير إلى أن حركات المعارضة الحقيقية يتم احتوائها ويتم قمعها بقسوة في بعض الأحيان. كما تتم معاملة المتظاهرين والمضربين العشوائيين بخشونة. وتلفت كذلك لما تواجهه جماعة الإخوان من مضايقات منذ فوزها بخمس المقاعد في الانتخابات البرلمانية العام 2005.

ثم تمضي المجلة لتبرز في سياق ذي صلة ذلك التقرير الذي نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي تحت عنوان (المشاركة الإسلامية في بيئة سياسية مغلقة)، والذي أكد أن جماعة الإخوان المصرية اضطرت إلى التراجع النسبي عن السياسة. وعلى الرغم من ذلك، فقد مضى ليقول إن الجماعة لن تتخلى عن المجال السياسي، لكنها من المحتمل أن تركز بشكل أكبر على حالتها التنظيمية، ونشاطات أخرى مثل الأعمال الخيرية والتعليم.

وحول طريقة تعاطيها مع الموقف السياسي الراهن في البلاد، في ظل ما تواجهه من ضغوطات، تواصل المجلة حديثها بالتأكيد على أن الجماعة لن تحوِّل نفسها إلى منظمة ثورية للرد على ذلك: فهي محددة للغاية في سياساتها، وحذرة في اتخاذها لقراراتها، وغليظة في قيادتها، وملتزمة بالعيش على الأضرار التي لحقت بسمعتها نتيجة للمداعبات الماضية خلال عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي مع العنف السياسي. لكن التقرير يقول إن الجهود السياسية السلمية التي تبذلها الجماعة تحظى بقليل من الانجازات التي يمكن إظهارها، ويهيمن عليها بصورة متزايدة قادة يولون اهتمامًا أقل بالسياسة ويظهرون قدرًا أقل من المهارات السياسية.

وعلى الرغم من ذلك، تلفت المجلة لما شهدته الجماعة من تطور، وإن كانت لا تزال تثير بعضًا من الشكوك. وتشير إلى أنّ فريقًا من داخل الجماعة عَمِل جديًّا لخلط المواضيع الدينية التقليدية بالقيم الليبرالية السياسية. وأن نجاحهم على هذا الصعيد يعتبر نجاحًا حقيقيًّا، وإن كان منقوصًا. وهو ما جعل المجلة ترى أن الخسارة الحقيقية لا تتمثل في أن رؤية الجماعة لن تتحقق، وإنما يمكن التماسها في المحافظة على بيئة سياسية محبطة.

وترى المجلة أيضًا أن قادة جماعة الإخوان هم قوة المعارضة الوحيدة في البلاد التي يمكنها وضع رؤية وإستراتيجية والتحدث كذلك عن جمهور عريض من الناخبين. وتردف بقولها :quot; فمن دون مثل هذه المشاركة الإسلامية، سيواجه النظام المصري معارضة مكونة من احتجاجات غير مكتملة ومثقفين منظرين. وهو ما يجعل من أي تغيير إيجابي على الصعيد السياسي أمرًا غير محتمل. وفي واقع الأمر، يعد وجود الجماعة بصورة أكثر احتشامًا أمرًا مفيدًا بالنسبة للنظام ndash; فهي لا تشكل تهديدًا وإنما تعمل بمثابة البعبع لتخويف الليبراليين والحكومات الغربيةquot;.

وفي الختام، تشير المجلة إلى أن شبح الترشح الرئاسي المحتمل لمحمد البرادعي يبرز في واقع الأمر كافة هذه التطورات. فمن ناحية، يستحيل عليه الترشح تقريبًا من الناحية الدستورية، وهي الحقيقة التي يدركها البرادعي نفسه. ومن ناحية أخرى، تعتبر مجموعة الإصلاحات الدستورية التي يدعو إليها البرادعي هي حزمة خطوات التحرر السياسي نفسها والتي تقوم بتطويرها كافة حركات المعارضة، من الإخوان إلى الماركسيين، منذ أكثر من عقدين. كما تؤكد المجلة على أن البرادعي يُشكِّل بصورة أقل الاحتمالات الحقيقية للتغيير وبصورة أكبر الأحلام الخاصة بذلك. ومع هذا، ترى المجلة أن ظاهرة البرادعي ما زالت تحظى بأهمية وينبغي لها أن تثير قلق النظام.