فشل أوباما في سياسته في الشرق الأوسط، وحاجته إلى تل أبيب كحليف إستراتيجي لمواجهة الخطر الإيراني، وخشيته من الدور الذي يمكن أن يلعبه اللوبي الإسرائيلي في الشؤون الأميركيّة الداخليّة، أدّى إلى تقديمه الأزمة النوويّة الإيرانيّة، على الأزمة الإستيطانيّة في القدس، ما أعطى عباس جرأة للتمسّك بموقفه الذي يشترط وقفاً كاملاً للإستيطان مقابل إستئناف مفاوضات السلام .

عواصم: خلصت الأوساط الغربيّة إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، استمدّ من الأزمة الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة جرأة جعلته يتمسّك بموقفه، الذي يشترط وقفاً كاملاً للأنشطة الإستيطانية قبل استئناف مفاوضات السلام. وقالت صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إن محمود عباس عاد بتلك التصريحات إلى شرط مسبق كان قد أسقطه قبل أسبوع، لإعطاء فرصة لمبادرة أميركية تقضي بإجراء مباحثات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وكانت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، قد نقلت عن عباس قوله خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دي سيلفا، في رام الله، مطالبته الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ التزاماتها الدولية، وفي مقدمتها وقف الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية.

ورأت الصحيفة أن لغة المسؤولين الأميركيين الصريحة والرسائل الغاضبة بشأن بناء مستوطنات جديدة في أجزاء من مدينة القدس، ثبت أنها لم تكن سوى quot;مكسب آنيquot; لعباس.ويقول رجل الأعمال والمعلق السياسي الفلسطيني، سام بحور، إن القيادة الفلسطينية ربما تشعر بأنها في موقف أخلاق عال في هذه اللحظة.غير أن الصحيفة ترى أنه من دون إضفاء زخم على المفاوضات، فإن رئيس السلطة الفلسطينية يقف فوق أرض غير مستقرة.وقد عكست الصدامات التي وقعت حول القدس، بعدما نادت حركة حماس باعتباره quot;يوم الغضبquot;، حالة الإحباط الفلسطيني من العجز عن وقف التوسع الإسرائيلي في quot;القدس الشرقيةquot;.

من جهته قال أستاذ علوم الاتصال في جامعة بيرزيت، نشأت أقطش إن السلطة الفلسطينية تحاول أن تُبقي الوضع هادئاً قدر المستطاع على أمل أن تحظى بدعم المجتمع الدولي. غير أنه يستدرك قائلاً إن على السلطة التي تجد نفسها تحت وطأة ضغط شعبي هائل أن تتخذ خطوات بهذا الشأن.ويضيف: quot;إنه وضع معقّد حيث إنك تريد تحسين الظروف الاقتصادية والتعبير عن الغضب في الوقت ذاتهquot;.ويمضي متسائلاً: quot;كيف لك أن تحصل على دعم دولي إذا عبّرت عن غضبك؟ وكيف لك أن تلوذ بالصمت؟quot;.

إلى ذلك، إعتبر الكاتب البريطاني، روبرت كورنويل، إنه ليس باستطاعة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كبح جماح إسرائيل في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، موضحاً أنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً في ظل وجود اللوبي الإسرائيلي على الأرض الأميركية، وحاجة واشنطن لتل أبيب باعتبارها حليفاً إستراتيجياً ضد الخطر النووي الإيراني.وأوضح كورنويل في مقال نشرته له صحيفة quot;ذي إندبندنت البريطانيةquot; أن ما وصفه quot;بالوقاحةquot; الإسرائيلية المتمثلة في الإعلان عن بناء ألف وستمائة من الوحدات السكنية في القدس الشرقية بالتزامن مع الجهود الرامية لاستئناف مباحثات السلام مع الفلسطينيين.

وتأتي الخطوة الإسرائيلية بعد وقت قصير جدًّا من الاتفاق على استئناف المباحثات غير المباشرة برعاية أميركية، ما يضع فاعلية الجهود والدور الأميركي على المحك، كما تأتي في لحظة توحّد فيها موقف تل أبيب وبعض العواصم العربية المعتدلة، إزاء الخطر النووي الإيراني المحتمل، لتذهب كل تلك الجهود سدى.ومضى الكاتب قائلاً إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيواصل بناء وتوسيع المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية رغم أنف الولايات المتحدة، وذلك لأنه على ثقة بأنه ليس بمقدور الرئيس الأميركي كبح جماح تل أبيب أو تقييد خطواتها، لما كانت الحليف الإستراتيجي المهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى خشية أوباما من الدور الذي يمكن أن يلعبه اللوبي الإسرائيلي في الشؤون الأميركية.

وقال كورنويل إن أميركا تعتمد على إسرائيل بوصفها شريكاً قوياً للتصدي للخطر النووي والنفوذ الإيراني في المنطقة، وبالتالي رعاية المصالح الأميركية في المنطقة، وإن القلق الأميركي إزاء الخطر الإيراني ينسي أوباما قلقه إزاء الفلسطينيين.وأشار إلى أن نتنياهو ضرب عرض الحائط بتصريحات أوباما في زيارته التاريخيّة للقاهرة، والمتمثلة في كون حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال لا تطاق، وفي دعوته إلى تجميد كامل للمستوطنات لمعرفة مدى جدّية الإسرائيليين في السلام.وبينما وجدت النداءات الأميركية أذناً إسرائيلية صماء، يقول المدافعون عن موقف أوباما المتردد إزاء الخطوات الإسرائيلية على الأرض، إنه منشغل بإيجاد حلول للأزمات التي تشهدها بلاده.
واختتم الكاتب بالقول إن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة ممثلاً في لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، سيعقد مؤتمره الأسبوع القادم بحضور نتنياهو وكلينتون، وأما بناء وتوسيع المستوطنات في القدس الشرقية فسيستمر رغم أي معارضة أميركيّة .