إقرأ ايضا... الرواية الحقيقيّة لاغتيال المبحوح

الخطوة التي دفعت بريطانيا إلى طرد أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين بعد أن توفرت لديها أدلة عن تورط إسرائيل بعملية اغتيال المبحوح، بإمارة دبي نهاية شهر كانون الثاني /يناير الماضي، تلقي الضوء من جديد على الطرق والأساليب التي انتهجها الفريق ضاحي خلفانفي إجراء التحقيقات الخاصة بالقضية.

القاهرة: يثير عدم إدلاء القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان بأي تعليقات أو تصريحات على طرد بريطانيا دبلوماسيا إسرائيليا لديها، حيرة الكثيرين، كون هذا التحرك من لندن هو أول تأكيد لأقوال خلفان ان الموساد هو المسؤول عن اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس محمود المبحوح.

وبحسب تقارير متعددة فإن هذا الصمت من قائد شرطة دبي الصارم جاء ليُشكِّل تحولاًً بالنسبة إلى الفريق تميم الذي استحوذ على الأضواء بعد أن تحولت إليه خلال الكشف عن تفاصيل جريمة الاغتيال. وقد حقق خلفان شهرة من خلال المؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها لمدة 15 دقيقة على مدار أسابيع احتلت فيها القضية صدارة النشرات الإخبارية.

وأشارت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية في تقرير لها اليوم الخميس إلى الشهرة التي يحظى بها تميم في دولة الإمارات العربية المتحدة، على اعتبار أنه واحد من قلائل المسؤولين الحكوميين الذين يمكنهم التحدث بحرية. ويقول الإماراتيون إنه حصل على النفوذ الذي يتيح له قول ما يشاء من خلال المستوى الجيد الذي يقدمه في وظيفته، التي يشغلها منذ عام 1980. ثم تساءلت الصحيفة عبر فرضيتين عن سر التزامه الصمت بعد التأكيد البريطاني الأخير على حقيقة تورط إسرائيل في الواقعة، بقولها: هل أصبح مشاكساً أكثر من اللازم، لذا تم إسكاته من قِبل العائلات الحاكمة في دولة الإمارات؟ أم أن ذلك جزء من الخطة؟

وفي كلتا الحالتين، إن التطور الأخير الذي شهدته القضية من جانب بريطانيا، جاء ليعزز هدفي خلفان الواضحين في هذا الشأن، وهما بحسب الصحيفة الأميركية: مواصلة التحقيقات وإبقاء الضغط على إسرائيل. ثم تمضي الصحيفة لتسرد تاريخ الفريق خلفان المُشَرِّف في تعامله مع عدد من القضايا الكبرى، بدءاً من تمكنه من إلقاء القبض على أعضاء من عصابة الفهود الوردية، بعد سرقتهم مجوهرات تقدر قيمتها بـ 4 ملايين دولار من أحد مراكز التسوق. وبزوغ نجمه من جديد في قضيتي مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم عام 2008، والزعيم الشيشاني سليم يامادييف عام 2009.

خلفان نجح في كسب سمعة، لتمكنه من الحفاظ على أمن دبي لمدة ثلاثين عاماً، حتى مع تحولها إلى مدينة عالمية.

وتقول الشيخة السويدي، وهي ربة منزل من أبو ظبي: quot;إنْ حدث أي شيء في دبي، يكون بمقدوره الكشف عنهquot;. وتلفت الصحيفة الأميركية كذلك إلى أن العشرات من الإماراتيين والعرب الذين قابلتهم، يعرفون جميعهم الفريق تميم (وينادونه بـ quot;ضاحي خلفانquot;)، ويتحدثون عنه بكل فخر. وبعيداً عما يتمتع به من قدرات في حل القضايا الحساسة، تواصل الصحيفة حديثها عن خلفان، لتقول إنه نجح في كسب سمعة، لتمكنه من الحفاظ على أمن دبي لمدة ثلاثين عاماً، حتى مع تحولها إلى مدينة عالمية جذابة تستضيف نحو 200 جنسية وسبعة ملايين زائر كل عام.

عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات في العين، يرى أن quot;الجميع يرجع له الفضل في كون دبي واحدة من أكثر المدن أماناً، بالنظر إلى مدى انفتاحها على العالمquot;.

ولكن عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات في العين، يرى أن quot;الجميع يرجع له الفضل في كون دبي واحدة من أكثر المدن أماناً، بالنظر إلى مدى انفتاحها على العالمquot;. بيد أن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تشير كذلك إلى أن الفريق تميم تمكن من الاحتفاظ بوتيرة التغير الذي شهدته دبي بسرعة مذهلة. فقد قدم للدولة مختبرا خاصا بالطب الشرعي على أحدث طراز، وغطى الإمارة بنظام مراقبة بوساطة كاميرات الفيديو، التي يتراوح عددها ما بين 1500 إلى 6000 كاميرا.

كما تلقى الضباط في الإمارات تدريبات من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره من الوكالات البارزة. بالإضافة إلى اتخاذه تدابير أخرى، من بينها - طبقاً لمحللين أمنيين - الكشف عن أولئك المخبرين الذين يتوافدون للبلاد من جنسيات مختلفة من أجل التجسس على مجتمعاتهم، والاستفادة كذلك من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، والعمل في الوقت ذاته على ترحيل اللصوص الصغار، لكن بعد أن يتم إخضاع أعينهم لمسح ضوئي، لإدراج تلك التفاصيل بقاعدة بيانات بيولوجية، ومن ثم تخصيص قائمة سوداء لهم لمنعهم من العودة مرة أخرى.

ويشيد الكثير من الأجانب المقيمين في دبي بنجاحات الفريق تميم، إذ نقل عن مصرفي انتقل للعيش في الإمارات قادماً من لندن منذ عامين، قوله: quot;دبي أكثر أمناً من مدن في بريطانيا وأميركا. لا أشعر هنا بالخوف من أي شيء، بدءاً من التجول في وقت متأخر من الليل وثقتي في أن الممتلكات المفقودة ستعادquot;. ولعل الشعور بالأمان هو ما ساهم في تعزيز قدرة دبي على جذب السياح والمستثمرين. وبحسب تقارير صحافية فإن نجاح الفريق تميم في إنجاز مهام عمله، أكسبه مكانة في الدائرة الداخلية لحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

ويقول الأستاذ الجامعي عبد الخالق عبد الله، قوله: quot;يحظى تميم بالثقة التامة من جانب الشيخ محمد. فهو واحد من أطول من ظلوا بالخدمة كمساعدين إلى جانب الشيخ، ويقف معه في المجموعة الأساسية من الأشخاص الذين صنعوا دبيquot;. وتقول صحيفة كريستيان ساينس مونيتور: quot;على غرار مواقفه الحازمة مع مشكلات سابقة في الإمارة، تعامل الفريق تميم بشدة مماثلة مع تزايد حدة التحقيقات في قضية المبحوحquot;. فهي أكبر جريمة قتل تشهدها الإمارة على الإطلاق، ونُظِر إليها على أنها هجوم جريء على انفتاح الإمارة. فضلاً عن وقوعها في توقيت مُجهد بالنسبة إلى الفريق تميم، لتزامنها مع الأزمة المالية التي عصفت أخيرا ً بدبي. حيث أدى تراجع التوظيف، وتقلص الأجور، إلى تزايد معدلات الجريمة. بالإضافة إلى وفاة والدته، التي كان يعتاد زيارتها كل صباح قبل توجهه للعمل، مطلع شباط/ فبراير الماضي.

ثم تلفت الصحيفة إلى مواظبة الفريق تميم على تقديم الأدلة في القضية، ودورها بعد ذلك في تعهده بمنع الإسرائيليين من دخول دبي بجوازات سفر ثانية. ودعوته لإلقاء القبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. ومنحه الجواسيس المنتشرين في الخليج مهلة أسبوع للمغادرة، وإلا فسيتعرضون للملاحقة بصورة قوية. وكذلك تحديه الموساد الإسرائيلي بأن يقوم بتسليم الجواسيس العاملين لديه، لإخضاعهم لاختبار الحمض النووي، وتعهده الاستقالة إذا لم تطابق الهويات. كما كان يقوم في الكواليس بتقاسم أدلة إضافية مع الانتربول، وحثه على إصدار أوامر لاعتقال السبعة وعشرين شخصاً المشتبه فيهم، وانضمامه إلى فريق عمل دولي يباشر التحقيقات.

وتبرز الصحيفة الأميركية تصورها للأسباب التي ربما وقفت وراء التزام الفريق تميم الصمت في الآونة الأخيرة في ما يتعلق بتطورات القضية. فتقول إنه ربما يقوم الآن بمزاولة مهام عمله مع الانتربول ودول أخرى في الوقت الذي أخذت فيه التحقيقات مسارها الطبيعي خارج دبي. وربما توقف عن تصريحاته القوية لتأمين الحصول على تعهد من إسرائيل بعدم تكرار ذلك (نظراً لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل). وربما طُلِبَ منه أيضاً تهدئة المسألة. لكن معظم المحللين، وبالتأكيد أنصاره، لا يعتقدون أنه لابد وأن يشعر بالحرج.

فتنقل في هذا السياق عن جيم كرين، الخبير الإعلامي ومؤلف كتاب quot;دبي مدينة الذهب وحلم الرأسماليةquot;، قوله: quot;لقد تمكنت شرطة دبي من الكشف عن عمليات استخباراتية حكومية. ولا أعتقد أن أحداً سوف يُقدم على فعل ذلك في دبي بعد الآن إلا إذا كانوا غير مكترثين في واقع الأمر بأن يتم إلقاء القبض عليهمquot;. وتنقل أيضاً عن مواطن سعودي يقيم في دبي منذ ثلاثة أعوام، بعد أن طلب عدم نشر اسمه، قوله:quot; حتى وإن لم يتمكن من تحقيق وعيده بإلقاء القبض على نتنياهو، فذلك لن يسيء إليه. لأنه جعل إسرائيل تبدو سيئة بالفعل. كما أنه محترف، ويقوم بذلك منذ وقت طويلquot;.