بيروت: بدأت الماكينات الحزبية في لبنان تحضّر للإنتخابات البلدية على عجل بسبب قصر المهلة الفاصلة عن موعد انطلاقها في الثاني من أيار/ مايو المقبل. وكما في الإنتخابات النيابية الماضية كذلك في الإنتخابات البلدية الآتية، تنحصر المنافسات عمليًّا في المدن والبلدات التي تسكنها أغلبية مسيحية، ولا سيما في بعبدا وزحلة ودير القمر وجزين وجبيل وجونية والحازمية والحدث والشياح وجديدة المتن وغيرها، وذلك بسبب تشابك الإختلافات الحزبية والعائلية لدى المسيحيين اللبنانيين في مقابل تماسك داخل كل من الطوائف الإسلامية، حيث يكفل التحالف المعلن بين quot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; عدم حصول معارك انتخابية في المناطق الشيعية، كما يكفل تحالف الحزب التقدمي الإشتراكي بقيادة النائب وليد جنبلاط والحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال إرسلان عدم حصول معركة في المناطق الدرزية. أما في البيئة السنية فإن اتساع قاعدة quot;تيار المستقبلquot; كفيل هو أيضا جعل المنافسات غير ذات معنى في معظم المناطق.

إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود هامش للتحالفات كي تفعل فعلها، ولا سيما في المناطق المختلطة طائفيًا وحزبيًا، ولا سيما في بيروت حيث يتمتع quot;المستقبلquot; بأرجحية كبيرة نظرًا إلى الثقل السني الكبير في العاصمة التي يتألف مجلسها البلدي الحالي من ٢٤ عضوًا، هم ١٢ مسلمًا و ١٢ مسيحيًا، أي وفق المناصفة التي يتمسك بها quot;المستقبلquot; من غير أن تكون مذكورة في القوانين، فاتفاق الطائف حصر المناصفة في مجلسي النواب والوزراء، ويتوزع هؤلاء الأعضاء طائفيًا على النحو الآتي: 8 سُنة، 4 أرثوذكس، 3 أرمن، 3 شيعة، 2 موارنة، 1 درزي، 1 كاثوليك، 1 أقليات، 1 بروتستانت.

ويسير سعد الحريري بخيار المناصفة تماشيًا مع التوجه الذي كرسه والده الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي رعى جهودا أدت في دورتي 1998 و 2004 الى المجيء بمجلس بلدي متوازن على رغم الانقسام السياسي الحاد الذي كان سائدا البلاد في تلك الحقبة.

وقد استقبل الرئيس سعد الحريري حلفاءه من النواب المسيحيين في بيروت ويبحث معهم في توزيع المجلس البلدي في ظل معضلة تتمثل في مساومة أو محاولة مساومة جرت مع النائب الجنرال ميشال عون الذي زاره الحريري في منزله في الرابية وعرض عليه المشاركة في بلدية العاصمة، لكن عون اشترط لاحقًا الحصول على ستة مقاعد، وهذا شرط يعتبر تحقيقه مستحيلاً بالنظر إلى الحريري مضطر إلى أعطاء حلفائه المسيحيين الحزبيين ما يوازي حصة عون، وباحتساب حصة حلفائه المسيحيين من quot;تيار المستقبلquot; وتكتل quot;لبنان أولاquot; أيضًا تتبين استحالة إعطاء عون أكثر من مقعدين، ليحظى بمراقبين لأعمال البلدية وليس بحق quot;فيتوquot; مع حلفائه الشيعة والأرمن في البلدية على غرار ما هو الوضع في الحكومة التوافقية التي ثبت لجميع الأفرقاء في لبنان فشلها في تحقيق إنجازات.

وكان quot;تيار المستقبلquot; قد رفض تقسيم بيروت ثلاث دوائر باعتبارها عنوانا لوحدة لبنان ودعمه في هذا التوجه حلفاؤه في 14 آذار/ مارس للحفاظ على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس البلدي لبيروت وعدم التحول الى quot;المثالثةquot; أي بين السنة والشيعة والمسيحيين،، بينما أصرquot; التيار العونيquot; على تقسيمها ثلاث دوائر أو اعتماد النسبية فيها ليأتي التمثيل السياسي فيها متوازنا وغير خاضع لمشيئة فريق واحد، أيquot; تيار المستقبلquot;، صاحب القوة الشعبية القادرة على ايصال لائحة كاملة وفق النظام الأكثري. وبعد انتهاء معركة الاصلاحات إلى إبقاء القديم على قدمه، انتقل الخلاف من التقسيمات والنسبية الى الصراع على فرض الممثلين لتحالف قوى ٨ آذار/ مارس على اللائحة التي سيشكلهاquot; المستقبلquot; مع حلفائه، وليكون الصراع على المقاعد المسيحية أولا وأخيرا. ويسعى سياسيون كثر إلى ترتيب على قاعدة التوافق على لائحة ائتلافية تخوض الانتخابات في 9 أيار/ مايو المقبل.

ويقول متابعون لمسار الإنتخابات البلدية في بيروت إن على الجنرال عون قراءة الخريطة الانتخابية جيدًا والموافقة على الدخول في ائتلاف بلدي بحصة واقعية، علمًا أن خصومه في البيئة المسيحية يرفضون التعاون معه، خلافًا لإرادة الحريري الذي يضغط باتجاه التوافق. ويرجح هؤلاء المتابعون ألا تصل المفاوضات بين الحريري وعون الى جدار مسدود، فيراجع الجنرال حساباته البلدية لئلا يضع نفسه خارج الاجماع على الإتيان بمجلس توافقي لجملة اعتبارات منها انه يعرف سلفًا ان معظم حلفائه لا يجارونه في موقفه في حال أراد خوض معركة إنتخابية لأنها ستكون خاسرة سلفًا، وهذا ما تبلغه أخيرًا من قيادة حزب الطاشناق الذي أبلغ الحريري قراره دعم الائتلاف، كما ان رئيس مجلس النواب نبيه بري وquot;حزب اللهquot; ليسا في وارد دخول
معركة في بيروت تعيد الانقسام السياسي المذهبي الحاد الى الواجهة، فهذه ليس وقتها.