من هو نِك كليغ؟

90دقيقة من أمسية الخميس الماضي قلبت الموازين السياسية في بريطانيا رأسا على عقب.


لندن:
وقف زعيما الحزبين الرئيسيين، غوردون براون عن العمال وديفيد كامرون عن المحافظين، مع نِك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار الأصغر حجما وشأنا، في مناظرة تلفزيونية على الطريقة الأميركية هي الأولى من نوعها في البلاد. وإذا بهذا الأخير يخطف الضوء بأكمله من زعيمي الحزبين اللذين ظلا يتناوبان الحكم في السواد الأعظم من القرن العشرين.

وللتو ساد شعور بأن laquo;عنصرا جديداraquo; أضيف الى المعادلة السياسية في بريطانيا. وتأكد هذا الشعور صباح السبت عندما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة laquo;يوغافraquo; وصحيفة laquo;الصنraquo; أنه في حال إجريت الانتخابات في ذلك اليوم لحصل المحافظون على نسبة 33 في المائة من أصوات الناخبين، يليهم الديمقراطيون الأحرار بنسبة 30 في المائة ثم العمال في ذيل القائمة بنسبة 28 في المائة. وكان هذا مؤشرا الى أن حزب الديمقراطيين الأحرار صار يحتل المرتبة الثانية وسط الأحزاب الرئيسية للمرة الأولى منذ تأسيسه في العام 1988.

جاءت تلك المناظرة التلفزيونية لتثبت، إذن، أنها ليست سابقة تاريخية في الساحة البريطانية باعتبارها أول لقاء متلفز بين زعماء الأحزاب وحسب، وإنما لأنها قلبت الترتيب التقليدي رأسا على عقب. ولم يقتصر الأمر على أن الديمقراطي تجاوز العمال في استطلاع السبت مرتفعا 8 نقاطا مئوية دفعة واحدة. بل أظهر آخر استطلاعات laquo;يوغافraquo; وlaquo;الصنraquo; اليوم الاثنين أنه تجاوز المحافظين أنفسهم بنقطة مئوية ليصبح هو في المقدمة والعملاقين التقليديين من خلفه. وأوضح هذا الاستطلاع أنه حصل على 33 في المائة (قافزا 13 نقطة من رصيده الذي كان يتمتع به يوم المناظرة نفسه)، بينما حصل المحافظون على المرتبة الثانية برصيد 32 في المائة والعمال في الثالثة بواقع 26 في المائة.

هذا تطور مدهش بالنظر الى أن مسرح الحرب الحقيقية خلال الحملة الانتخابية ضم فقط العمال والمحافظين. وظلت استطلاعات الرأي تضع هؤلاء الأخيرين في المقدمة بفارق يضيق مرة ويتسع أخرى (بين 37 في المائة للمحافظين و28 في المائة للعمال). فتخرج العناوين الرئيسة حاملة أن العمال يضيقون المسافة بينهم وبين المحافظين أو أن الأخيرين يوسعونه. وكان الحزب الديمقراطي الحر ثابتا في مكانه بنسبة 20 في المائة، وهي الشريحة التي ظل يتمتع بها - أضف قليلا أو خذ كثيرا - منذ الانتخابات الماضية.

وكما أوردت laquo;ايلافraquo; في تناولها لذلك التطور المثير فإن أهم مضامينه هي، أولا، أن بريطانيا مقبلة فعلا على برلمان معلق للمرة الثالثة منذ مطالع القرن العشرين. وثانيا، أن الحزب الديمقراطي الحر ضمن بهذا الوضع تشكيله حكومة ائتلافية مع من يختاره. وبهذا المعنى يصبح الحزبان laquo;الكبيرانraquo; تحت رحمته ورهن إرادته بالكامل. وبعبارة أخرى فقد صار يتمتع بالقدرة على إقصاء المحافظين أنفسهم عن الحكم وذلك عبر التآلف مع العمال. كما صار قادرا على إقصاء العمال في حال اختار الديمقراطيون الأحرار التآلف مع المحافظين.

ولهذا راح ديفيد كامرون يحذر الناخبين اليوم بأعلى صوت ممكن من أن أي صوت للحزب الديمقراطي الحر هو في الواقع صوت لحزب العمال. وهذا صحيح بالنظر الى أن laquo;الأحرارraquo; أنفسهم أقرب آيدلوجيا الى العمال، رغم أن هؤلاء الأخيرين يعتبرون الأحرار أنفسهم laquo;محافظون بقناع يساريraquo;. ولكن، من غرائب السياسة البريطانية أن يأتي خلاص شخص مثل غوردون براون كان يتهيأ لأخذ مقعده في صفوف المعارضة على يد آخر مثل نِك كليغ لم يكن له في العير أو النفير.. وأن يصرخ ديفيد كامرون laquo;النجدةraquo;! بعدما راح يتهيأ للبحث في أي ألوان تناسب ديكوره الجديد في 10 داونينغ ستريت.