الشأن العراقي حاضر بشكل موسع في الصحف الأجنبيَّة والعربيَّة التي رأت أنَّ الهجمات المتكرّرة تأتى إنتقامًا لمقتل زعماء القاعدة.

لندن: تقول الصحف ان سلسلة التفجيرات التي استهدفت مناطق شيعية في بغداد السبت وادت الى مقتل العشرات، بدت ردا انتقاميا على مقتل قادة القاعدة في العراق في عمليات قامت بها قوات عراقية واميركية اضعفت التنظيم في هذا البلد. كما تشير الى مقتل ثمانية في تفجيرات وقعت في المناطق السنية غربي البلاد، بعد اقل من اسبوع من مقتل اكبر زعيمين لتنظيم القاعدة في العراق.

وتقول ان تلك الهجمات، وهي الاعنف منذ عدة اسابيع، وتسبب في اصابة 120 شخصا غير القتلى، ربما كانت مؤشرا على عودة العنف الى العراق بعد الانتخابات العامة التي جرت في مارس/آذار الماضي، والتي لم تفرز طرفا منتصرا واضحا، الامر الذي خلق فراغا سياسيا ترك للمتمردين لاستغلاله.

في تطور لابد أن يزيد أجواء المأزق السياسي القائم توتراً، دمرت سلسلة من التفجيرات في بغداد مسجدين، سوقاً، محلاً تجارياً ومقرآً حزبياً، وذلك جاء رداً فيما يبدو على الحملة العسكرية المركزة التي شنتها القوات العراقية المسلحة بمساعدة أميركية ضد قادة القاعدة في العراق أخيرا.

ويمكن القول إن هذه الهجمات التي قتلت ما لا يقل عن 58 شخصاً اضافة الى إصابة العشرات بجراح مختلفة في بغداد وأماكن اخرى من العراق، كانت الأسوأ في موجة متقطعة من التفجيرات بدأت بعد الانتخابات البرلمانية في السابع من مارس الماضي. لكن حتى الآن لم تتضح نتيجة هذه الانتخابات تماماً بسبب عودة المسؤولين لفرز الأصوات يدوياً في بغداد وربما غيرها أيضا في بعض مناطق البلاد.

ومن الملاحظ أن التفجيرات الثلاثة الأكثر دموية يوم الجمعة هي تلك التي وقعت على نحو متعاقب بسرعة قرب مقر حركة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مدينة الصدر، التي هي ضاحية فقيرة لبغداد تحمل اسم عائلته. وكان مرشحو حركة الصدر قد أبلوا بلاء حسناً في الانتخابات الأخيرة مما يتيح لهم القيام بدور مهم بعملية تشكيل الحكومة الجديدة التي يقولون إن رئيس الحكومة الراهن نوري المالكي يجب ألا يكون رئيساً لها.

بلقيس الكفجي، عضوة البرلمان العراقي عن كتلة الصدر، تضع الهجمات الأخيرة في اطار عدد من الأحداث تقول إنها أسهمت بالفوضى القائمة الآن منها: نتائج الانتخابات التي لم تتبلور نهائياً بعد، الجدل المحيط بسجن سري تم الكشف عنه قبل حوالي اسبوع في بغداد ويضم سجناء سنة من شمال العراق، وادعاءات الحكومة التي زعمت فيها أنها نجحت في تفكيك قيادة القاعدة في العراق.

ولاشك أن تعليقات بلقيس هذه تبين مدى التحديات السياسية والأمنية التي لايزال العراق يواجهها، وتظهر بين فترة واخرى على شكل أحداث عنف دموي، وفي هذا السياق تقول: من الواضح أن أجهزة الأمن في ورطة أمام ما يجري من عنف، لكن على الرغم من ذلك لم يعلن أحد من قادة هذه الأجهزة استقالته حتى الآن. وأستطيع التأكيد ان هناك شخصيات مؤثرة في الحكومة تحاول بما لديها من أجندات خارجية تقويض الأمن في العراق.

ومن الملاحظ أن الهجمات الأخيرة جاءت بعد خمسة أيام من غارة عراقية ndash; أميركية تم خلالها قتل اثنين من كبار قادة القاعدة في العراق، واعتبرت السلطات العراقية والأميركيون أيضاً عملية القتل تلك ضربة مدمرة للقاعدة، لكن السلطات حذرت في نفس الوقت من ان رد القاعدة سيكون مؤكداً فيما بعد. وهذا ما حدث بالفعل، فقد نشرت سبع انفجارات على الأقل الموت والدمار في أحياء بغداد وكان أغلب ضحاياها من المدنيين.

صحيح أن الهجمات استهدفت على نحو خاص أحياء الشيعة، لكن سبعة أشخاص أيضا قُتلوا، وأصيب 11 آخرون عندما دمرت تفجيرات اخرى مجموعة منازل في قرية صغيرة بمحافظة الأنبار الواقعة الى الغرب من بغداد. على أي حال، إذا كانت القاعدة وغيرها من جماعات المتطرفين السنة هم المسؤولون عن معظم أعمال العنف في العراق، إلا أن هذا لا يعني أن البلاد لا تواجه تهديدات أيضاً من إرهابيين وميليشيات أخرى تحظى عادة بتأييد ايران.

لذا، ما لم تعلن مجموعة ما عن مسؤوليتها، من الصعب تحديد مصدر ودوافع الهجمات الأخيرة. لكن اذا كان الدافع هنا هو إضعاف موقف حكومة المالكي وقوات الأمن، يمكن القول عندئذ إن تلك الهجمات حققت هذا الهدف على ما يبدو. فكل المزاعم السابقة التي أعلن رئيس الحكومة فيها ان قوى الأمن أحكمت قبضتها على العناصر الإرهابية، وان العراق في طريقه الى الاستقرار، تبددت في لحظة مع انفجار أول قنبلة مفخخة في بغداد يوم الجمعة الماضية.