شدّد المؤرّخ التونسيّ الدكتور عدنان منصر على أنّ الديانة اليهودية معترف بها في تونس وأنها قديمة الحضور، واعتبر منصر وهو أستاذ محاضر في الجامعة التونسية في معرض تعليقه على الجدل الذي رافق زيارة الآلاف من اليهود إلى معبد جزيرة quot;جربةquot; أنّ هناك أقلية دينية تونسية يهودية تشرف على المؤسسات الدينية اليهودية ومن بينها كنيس quot;الغريبةquot; وهي التي تنظم عملية الحج سنويًا، مؤكدًا أنّ المشكل يكمن في quot;قدوم يهود من إسرائيل للقيام بهذه الطقوس على أرض دولة لا تقيم علاقات دبلوماسية بإسرائيل، فالخلط بين الجانب الديني والجانب السياسي هو الذي يعطي للموضوع حساسيته لدى معظم التونسيينquot;.
تونس: قال الدكتور عدنان منصر في حوار مع quot;إيلافquot; من تونس أنه يلمس quot;توجهًا مرضيًا لدى بعض القطاعات بتحديد كل شيء بالنظر إلى إسرائيل، واعتبرها quot; ردة فعل غريزية لا تليق بالأكاديميين ولا بالمثقفينquot;. كما تطرّق منصر، الذي ألف عدة كتب من بينها quot; المقاومة المسلحة في تونسquot; وquot; إستراتيجية الهيمنة : الحماية الفرنسية ومؤسسات الدولة التونسيةquot;، إلى مسألة حضورالأكاديميين العرب في المؤتمرات التي يحضرها إسرائيليون وقال إن ذلك الحضور quot;لم يعد باهتًا ولا سلبيًاquot; ، وشدّد على أنّ الصهيونية ليست سبب مآسينا وإنما أحد تمظهراتهاquot;.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً
تحوّلت مناسبة إحياء اليهود لمقدساتهم في جزيرة quot;جربةquot; في كلّ عام، إلى مناسبة للمزايدات الإعلامية والسياسيّة، وتداخل المفاهيم واستعمالها في غير محلها من قبيل (تسامح / تطبيع) و(يهود/ إسرائيليون)..إلخ
لماذا برأيكم تطرح مسألة التطبيع مع الإسرائيليين في هذه المناسبة اليوم، ولم تطرح منذ سنوات بعيدة ؟ وماهي الحدود بين التسامح الديني والتطبيع ؟
أعتقد أن الخلط بين التسامح والتطبيع نابع في أصله من الخلط بين اليهودية والصهيونية، أي بين النظر للمسألة من زاوية دينية طقوسية وبين النظر إليها من زاوية سياسية وإيديولوجية. بالنسبة لتونس يعاد طرح مسألة التطبيع سنويا تقريبا مع موسم حج اليهود إلى كنيس الغريبة في جزيرة جربة التونسية وفي مناسبات سياسية غير دورية مثل مؤتمر أممي أو دولي يعقد بتونس. من ناحية أولى يمكن النظر إلى المسألة كتعبير عن حالة تحفز شعبي لكل ما من شأنه أن يؤول كاتجاه رسمي نحو التطبيع، ولكن لا أعتقد أنها زاوية النظر الوحيدة الممكنة للموضوع.
هناك على سبيل المثال توظيف للمسألة لإحراج الأوساط الرسمية، وهو أمر لا ينبغي النظر إليه فقط من منطلق التجاذب السياسي الداخلي بين الحكومة وبعض تيارات المعارضة بل أيضًا من منطلق إيمان تلك التيارات بأهمية مواجهة كل سير نحو التطبيع. يجب أن يفهم الجميع أن الديانة اليهودية معترف بها في تونس وأنها قديمة الحضور، وأن هناك أقلية دينية تونسية يهودية تشرف على المؤسسات الدينية اليهودية ومن بينها كنيس الغريبة وهي التي تنظم عملية الحج المذكورة.
المشكل يكمن في قدوم يهود من إسرائيل للقيام بهذه الطقوس على أرض دولة لا تقيم علاقات ديبلوماسية بإسرائيل. هنا يصبح الخلط بين الجانب الديني والجانب السياسي مبررا إلى حد ما وهو الذي يعطي للموضوع حساسيته لدى معظم التونسيين. غير أن للموضوع بعدًا اقتصاديًا واضحًا أيضًا وهو أمر يجب وضعه في الإعتبار، فالسلطات تعتبر هذه المناسبة السنوية مصدرًا مهمًّا للعملة الصعبة السياحية، وربما أرادت إبراز الدلائل على أنها quot;غير متطرفةquot; في النظر لموضوع quot;الحريات الدينيةquot; والأقليات، وتحسين صورتها لدى الدول الأجنبية.
ولا ينفي كل ذلك أن الموضوع يبقى شديد الحساسية في وسط تونسي كان تاريخيًا، وباستمرار، معاديًا للصهيونية التي تجسم اسرائيل كيانها الرسمي، ومتعايشًا مع أقلياته الدينية والعرقية بما فيها الأقلية اليهودية. وينبغي في نظري، ما دمنا نتحدث عن الحريات الدينية أن نسأل: هل تسمح إسرائيل للتونسيين بالحج إلى المسجد الأقصى وهو بالنسبة إلى المسلمين ذو أهمية دينية بالغة، وبالأعداد والدعاية نفسهما؟ لا أعتقد أن الإجابة ستكون بنعم، وهنا فإن القاعدة المعمول بها بين الدول هي التعامل بالمثل.
سلاح مقاومة التطبيع بدأ يفقد ألقه وجدواه - بحسب عدد من المتابعين - خصوصًا مع توقيع اتفاقيات السلام بين دول عربيّة وإسرائيل من جهة، ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة وانهيار الحدود والفواصل بين الدول.
كيف تقيّم تجربة أكثر من خمسة عقود من مقاومة التطبيع في العالمين العربي والإسلامي؟
أصبحت مهمة مقاومة التطبيع مهمة شعبية وقومية وإسلامية منذ ثمانينات القرن الماضي، أي منذ عقد اتفاقية كامب ديفيد، وما تلاها من اتفاقيات وتفاهمات رسمية بين الدول العربية وإسرائيل، بطريقة مباشرة وغير مباشرة. لا أعتقد أن هذا التحول قد أضر بموضوع مواجهة الصهيونية وإسرائيل بل إنه يحمل الموضوع من الأفق الرسمي المكبل ومحدود الفاعلية إلى الأفق الشعبي وهو أفق أكثر عمقًا وتحررًا وقابلية للإستمرار.
هل ننتظر من الحكومات أن تواجه اليوم إسرائيل؟
لا أعتقد ذلك، وحتى إن تم فإنه يبقى احتمالاً عديم الفاعلية، ولولا أحداث فلسطين ولبنان التي عطلت عجلة التطبيع الرسمي لكان لإسرائيل سفراء في كل العواصم العربية منذ مدة طويلة. ما يحصل هو تحول مقاومة التطبيع ومعاداة quot;الصهيونيةquot; إلى هم شعبي، وهو ما يعطي في نظري لهذا التوجه قدرة على الإستمرار زمنيًا أكثر مما يعطيه موقف رسمي ما مهما كانت حدته. الشعوب لا تبيع ولا تشتري، أما الحكومات فإنها تفعل ذلك بصفة مستمرة، بل لعله سلوك مترسخ في طبيعة وجودها.
وهنا فإنني أعتقد أن العمل على ترسيخ هذا التوجه مسؤولية حتمية على كل المهتمين باستمرار هذا النفس زمنيًا وامتداه مجاليًا، وهو كفيل إن حصل، بأن يشكل ضغطا على الأوساط الرسمية وبموازنة الضغوط الأجنبية وربما عكسها تمامًا على المدى المتوسط. قد يكون عالم اليوم أقل حدودًا بين الدول، لكن هناك حدودًا لا تؤثر فيها العولمة وهي الحدود بين القيم التي تصنع وجود الإنسان وتعطيه صفته ككائن متعلق بالعدالة والكرامة، وهذه القيم لا تؤتمن عليها الحكومات مهما كانت وطنيتها.
موضوع ما يسمى quot;التطبيع الأكاديميّ والعلميّquot; يثير جدلاً كبيرًا، مقارنة بالجوانب الأخرى للتطبيع، خصوصًا مع وجود خطط إسرائيلية متكاملة لاختراق صفوف الأكاديميين العرب من جهة، وتمسّك العرب بالمقابل بمقولة quot;الكراسي الشاغرةquot;.
ما رأيكم في هذا السّجال، وهل من الضروريّ معاملة الأكاديميّين والباحثين كرجال سياسة؟من مؤلفاته
الأكاديميون ليسوا رجال سياسة وإن كانت السياسة هي أحد الأبعاد التي ينبغي أن يأخذوها بالإعتبار في نظرتهم للأشياء. من الجانب الإسرائيلي، لا شك أن هناك رغبة أكيدة في اختراق كل صفوف الممانعة لدى الشعوب العربية والإسلامية، وهو أمر طبيعي من منطلق كيان يشعر باستمرار أن وجوده مهدد على المستوى البعيد. مع ذلك ليست هذه هي الزاوية الوحيدة للنظر للموضوع. تكون إسرائيل سعيدة أكثر بغياب الأكاديميين العرب من المؤتمرات العلمية فهذا يعطي أكاديمييها حرية أكبر في الامتداد داخل الأوساط العلمية الدولية.
عندما ننظر في خارطة المؤتمرات العلمية الدولية منذ عشرين أو ثلاثين عاما، نلاحظ شيئين أساسيين: حضور متزايد للعرب من جهة أولى، ونمو في التعاطف الدولي مع قضاياهم وأولها قضية فلسطين. صحيح أن هناك عملاً طويلاً ينبغي مواصلة القيام به ولكن لنعترف أولا أن الملاحظتين مترابطتان، بل إن الثانية نتيجة للأولى، وهو أمر لا ينكره أي متابع لهذه المناسبات العلمية. هذا التعاطف لا يظهر فقط في المؤتمرات التي تتناول مسائل ذات صلة مباشرة بالموضوع بل في الحوارات الجانبية لمؤتمرات بعيدة في مواضيعها تماما علن المسائل السياسية.
يحتاج العرب إلى إبلاغ وجهة نظرهم تجاه كل المواضيع، وهو أمر لا يتسنى تحقيقه بالغياب، مهما كانت النوايا طيبة، وقضية فلسطين وحقوق شعبها هي إحدى هذه القضايا ولكنها ليست القضية الوحيدة. ما يقلقني شخصيًا هو هذا التوجه المرضي لدى بعض القطاعات بتحديد كل شيء بالنظر إلى إسرائيل، فإذا ذهبت يمينًا ارتمينا شمالاً، واذا اتجهت شمالاً ألقينا بأنفسنا يمينًا. هذه ردة فعل غريزية لا تليق بالأكاديميين ولا بالمثقفين وهم نخبة مجتمعاتنا الذين تناط بهم مهمة ليست أقل أهمية، وهي دفع الجمهور في اتجاه التعامل العقلاني مع قضاياه وتخليصه من الميل المفرط للتعميم والتبسيط.
من زاوية نظري كمؤرخ، أعتقد أن وجود إسرائيل يصبح مضمون الدوام إذا ما نجح في تشكيكنا في وجودنا كأمة ممتدة في التاريخ وإذا ما أصبح همنا الوحيد هو التموقع فقط بالنسبة إلى إسرائيل. عمر هذا الكيان لا يتجاوز العقود الستة، وهي فترة لا تصنع حضارة ولا تعد بالتواصل،خصوصًا إذا كان هذا الوجود مصطنعًا وفي بيئة ستبقى معادية على الدوام.
كعرب وكمسلمين لدينا مهمات أخرى حساسة وذا أهمية بالغة، وهي نشر التعليم وترسيخ الفكر النقدي ومقاومة الجهل والتخلف ودفع الحكومات إلى احترام حقوق شعوبها ونقل هذه الشعوب من وضعية الرعية إلى وضعية المواطنة، عندها يتم ذلك يحصل رشد سياسي عام وتصبح الحكومات معبرة عن الإتجاه الغالب لدى شعوب المواطنين تجاه اسرائيل وغيرها. ينبغي في نظري معالجة هذا الموضوع بصفة متكاملة وليس جزئية، على المستوى البعيد وليس فقط القريب.
يُعاب على بعض المُنتقدين لسياسة quot;الكراسي الشاغرةquot; أنّ حضورهم في ندوات أو مؤتمرات أو مُلتقيات إلى جانب إسرائيليين ، عادة ما يكون حضورًا باهتًا وسلبيًا كونهم لا يُدينون إسرائيل وسياساتها، ولا يُحرجون مُمثليها في تلك الملتقيات ، وأنهم لم quot;يقتدواquot; برئيس وزراء تركيا أردوغان وحادثته الشهيرة في quot;دافوسquot;.
ما تعليقكم ؟
هذه النظرة هي أكبر تعبير عن الخلط في النظر إلى المسألة. عندما نتحدث عن مؤتمرات أكاديمية ينبغي أن تكون نظرتنا أكثر شمولية. فعلى سبيل المثال، ما علاقة مؤتمر حول الغطاء النباتي أو طبقة الأوزون أو كيمياء المعادن أو هجرة الدلافين بإسرائيل؟ هذا أمر مثير للإستغراب على أقل تقدير.
هناك مؤتمرات تقترب من الشأن السياسي أو يتاح فيها التعرض إلى أمور سياسية، هنا فإن التعبير عن المواقف العربية يصبح أمرا مطلوبا، دون أن يعني ذلك تحول الأكاديميين إلى quot;أردوغاناتquot;، ففي الأمر خلط لا ينبع إلا من نظرة شعبوية وديماغوجية مرضية ومن عدم إدراك للكيفية التي تنظم بها هذه المؤتمرات وطريقة سيرها. يأخذ كثير من المنتقدين الأمور بمظاهرها وعذرهم الوحيد هو تحمسهم للقضايا العربية بطريقة تجعلهم غير معنيين بالفهم، لذلك فهم يتخذون موقفًا ثم يبحثون عن المبررات، وفي بحثهم عن المبررات لا يستطيعون بناء خطاب متماسك، ذلك أن همهم الوحيد يصبح المعارضة للمعارضة.
الغريب هو أن قسمًا من هؤلاء يعتبرون أنفسهم أوصياء على الأكاديميين، فيتفضلون عليهم بالنصائح والتوجيهات. كان من الأجدر بهم قبل التوجه بها أن يتخلوا عن منطق الوصاية، فهو منطق خاطئ أصلاً، فليسوا أكثر وطنية وإن حاولوا أن يوحوا بذلك، وليسوا أكثر علمًا وتجربة ممن ينتقدونهم. قد تنطلي الشعبوية والديماغوجيا على قسم من الناس، وقد لا يملك المنتقدون من البضاعة إلا ذلك للأسف، وقد تكون انتقاداتهم في حالات أخرى من الرغبة في تصفية حسابات سياسية رخيصة، لكن اعتقادهم أنه بإمكانهم أن يرهبوا الأكاديميين بذلك هو اعتقاد سخيف.
حضور الأكاديميين العرب في المؤتمرات التي يحضرها اسرائيليون ليس باهتًا، وليس بمثل هذه السلبية، وهناك اعتراف متزايد بالإضافات التي يقدمونها وبالمواقع التي ما فتئوا يحتلونها على المستوى العلمي الدولي، وهو اتجاه مرشح للتصاعد. الصورة ليست بمثل هذه السلبية مطلقًا. نقطة أخرى أود الإشارة إليها، وهي مسألة الحريات الأكاديمية. إذا كانت هذه الحريات غير مضمونة فلا شيء مضمون على الإطلاق. الغريب أنه في وقت فهمت فيه الحكومات، حتى أكثرها ديكتاتورية، أن هذه الحريات أمر يجب التعامل معه، يصعد أوصياء جدد في كل مرة يعلمون الأكاديميين ما يجب عليهم فعله.
رأيي الخاص أن على الأكاديميين أن يواصلوا القيام بما يعتقدون أنه واجبهم، وألا يلقوا أذنًا إلى الإتهامات التي يناقض أصحابها أنفسهم، خصوصًا إذا كان هؤلاء من غير المؤهلين إطلاقًا لتقديم النصائح فضلاًعن أن يكون لاتهاماتهم أي صدى يفخرون به. لينفق هؤلاء وقتهم في أشياء أكثر قيمة، وليفهموا أولاً أن الوقت سلاح، وأن الديماغوجيا العقيمة لا تثمر إلا ترسيخًا للجهل.
كل هذا يحيلنا إلى البعد العربيّ في مسار الصراع في فلسطين، فمنذ أكثر من نصف قرن والعرب حكامًا وشعوبًا يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى، وعلى الرغم من ذلك فإنّتدخلهم وفق آليات ومناهج وطرائق متعدّدة، لم يمنع تفوّق الإسرائيليين ولا خسارة المزيد من الأراضي على حساب الاستيطان، ولم يتمكنوا بالمقابل من كسب الدعم الغربيّ والدوليّ لما ينادون به.
برأيكم أين هو الخلل بالضبط، هل هو في تدخّل العرب في حدّ ذاته أم في طريقة هذا التدخّل؟ أم في سقف المطالب والتي تبدو لبعض quot;البراغماتيينquot; مستحيلة وغير قابلة للتحقيق مع اختلال موازين القوى على الأرض؟
منذ أكثر من نصف قرن أيضًا تتعامل الحكومات العربية مع قضية فلسطين بأقصى درجات الإنتهازية وتسخرها لخدمة أجندات لا علاقة لها بفلسطين وبحقوق شعبها، منذ أكثر من نصف قرن أيضا وهي تقمع شعوبها باسم فلسطين، وترمي بهم في أحضان السيطرة الأجنبية باسم عقلانية التعامل مع قضية فلسطين. أما الشعوب فهي تعتقد في غالبها أيضا، ومنذ أزيد من نصف قرن، أن قضية فلسطين تبرر تأجيل معاركها من أجل المعرفة والحريات والمواطنة والتعددية.
الخلل في هذه النظرة للأشياء، وهي مسؤولية مشتركة بين الحكومات والشعوب على حد سواء. هناك مقومات صمود نفتقد إليها، وسنظل كذلك طالما كانت نظرتنا تجزيئية للموضوع. نشوء اسرائيل كان نتيجة مخاض تاريخي طويل في أوروبا وكذلك محصلة عمل منظم وواع، من قبل القادة الاسرائيليين، بنجاعة الفكر العقلاني الذي جعل اللائكيين منهم يقودون المتدينيين نحو تحقيق هدف قومي تم الإعداد لنشره في صفوف اليهود بجميع أنحاء العالم بوساطة هياكل شفافة وعن طريق جهد جماعي لا يلغي التعدد في الآراء ويحتكم إلى الكفاءة ويزن نفسه بميزان النتائج الموضوعية.
لا يمكن هزم هذا المشروع بالإنتهازية السياسية من جانب حكومات لا تهتم سوى لأمن أنظمتها واستمرار استبدادها، ولا بالخطابات الديماغوجية العقيمة المتصاعدة كحشرجات جسد متحلل، لا ترقى للأسماع وان ارتقت فإنها لا تستقر فيها طويلاً، فهي كنار القش تنطفئ بسرعة دون أن تضيء أو تدفئ.
هناك عمل يستطيع إنجازه كل واحد منا، وهو اتقان عمله والقيام بواجباته كما تتطلبه منه، المعلم في فصله، والعامل في مصنعه، والمهندس على آلته، والعالم في مخبره...، فالصهيونية ليست سبب مآسينا وإنما أحد تمظهراتها، فمأساتنا أكثر عمقًا.
المسار طويل، لأن كل بناء يستغرق وقتًا، ونحن نبدأ مجددًا من شبه الصفر، فوحده العمل طويل المدى كفيل بتحقيق نتئج دائمة المفعول. بالموازاة مع ذلك ينبغي نشر فكرة ارتباط الحقول والحقوق ببعضها البعض، فالدفاع عن قيم الحرية وترسيخ ثقافة المواطنة ليس أمرًا مستقلاً عن الكفاح الطويل المدى من أجل فلسطين وغير فلسطين، ومن أجلنا نحن جميعًا. بالموازاة مع ذلك أيضًا لا أعتقد أن اختلال موازين القوى يبرر الرضوخ لإرادة الطرف الأقوى بتحالفاته الدولية وبترسانة الأسلحة المتوفرة لديه، هناك حد أدنى من الممانعة لا يجب النزول تحته، في انتظار تغير التوازنات، وهي ستتغير حتمًا، فذلك حكم التاريخ.
التعليقات