إثر إعلان ايران موافقتها على نقل كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب الى تركيا ومبادلته بوقود نووي لمفاعل ابحاث في طهران، قدمت الولايات المتحدة مشروع قرار يفرض في حال موافقة مجلس الأمن عليه قيودا شديدة على منشآت ايران النووية ومشترياتها من السلاح وتحركات الحرس الثوري الايراني وارصدته. في وقت تجري مداولات تحت قبة كابتول هيل للتوفيق بين مشروعين يهدفان الى تعديل وتوسيع قانون العقوبات الصادر ضد ايران في عام 1996.


تسعى الولايات المتحدة الى تشديد العقوبات ضد ايران في اطار المحاولات التي تبذلها لمنع طهران من امتلاك سلاح نووي. وقدمت الولايات المتحدة مشروع قرار يفرض في حال موافقة مجلس الأمن عليه قيودا شديدة على منشآت ايران النووية ومشترياتها من السلاح وتحركات الحرس الثوري الايراني وأرصدته. ويجدد مشروع القرار دعوة ايران الى وقف انشطة تخصيب اليورانيوم والالتزام بضوابط الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمصادقة على البروتوكول الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي وتنفيذه.

في هذه الاثناء يقترب الكونغرس من إعداد مشروع قانون يقضي بتوسيع العقوبات على ايران، بما في ذلك شركات الطاقة التي لديها مصالح كبيرة فيها. وفي محاولة للالتفاف على العقوبات المقبلة اصدرت ايران في 17 ايار/مايو بيانا مشتركا مع تركيا والبرازيل تعلن فيه موافقتها على نقل كمية من اليورانيوم منخفض التخصيب الى تركيا ومبادلته بوقود نووي لمفاعل ابحاث في طهران. ولكن مراقبين لاحظوا ان البيان لم يفعل حتى الآن سوى تكثيف المساعي الاميركية لفرض عقوبات دولية ضد طهران.

جاء التحرك الاميركي بإعداد مشروع القرار بعد يوم على الاتفاق الذي وقعه الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا معلنا موافقة ايران على ايداع 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب في تركيا خلال شهر. وبالمقابل ستتلقى ايران 120 كيلوغراما من الوقود النووي لاستخدامه في مفاعل طهران البحثي في غضون عام. وستُبلغ ايران وكالة الطاقة الذرية رسميا بهذا الاتفاق في 24 ايار/مايو. ويُعد اعلان 17 ايار/مايو تنويعا على اتفاق تم التوصل اليه مبدئيا بين ايران ومجموعة المفاوضين الخمسة زائد واحد في جنيف في اوائل تشرين الأول/اكتوبر الماضي.

استقبلت واشنطن اعلان طهران الثلاثي بارتياب لكونه بنظر الادارة والكونغرس على السواء محاولة أخيرة من جانب ايران لتفادي العقوبات. وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون بعد يوم على الاتفاق انها لم تكن مصادفة ان توافق ايران على هذا الاعلان في وقت تتهيأ الولايات المتحدة للتحرك في مجلس الأمن الدولي. وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس ان نقل اليورانيوم منخفض التخصيب الى الخارج كما وافقت ايران في تشرين الأول/اكتوبر، خطوة ايجابية ولكنه اردف ذلك بالاشارة الى اعلان ايران في الوقت نفسه بأنها ستواصل التخصيب بنسبة 20 في المئة quot;في انتهاك مباشر لقرارات مجلس الأمن الدوليquot;.

في غضون ذلك دخل الكونغرس المراحل الأخيرة من تحركه لتوسيع عقوباته هو ضد ايران. وتجري مداولات تحت قبة كابتول هيل للتوفيق بين مشروعين يهدفان الى تعديل وتوسيع قانون العقوبات الصادر ضد ايران في عام 1996. ومن شأن هذا ان يخول الرئيس فرض عقوبات على الشركات التي تستثمر أكثر من 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الايراني على امتداد 12 شهرا.

تشمل قائمة العقوبات بموجب هذا القانون حظر عقود الشراء مع متعهدي الحكومة الاميركية ومنع المساعدات التي يقدمها بنك الاستيراد والتصدير وحجب التراخيص الخاصة بتصدير التكنولوجيا وعقوبات أخرى تنص عليها القوانين الاميركية. ويتضمن قانون 1996 نصا يجيز رفع هذه العقوبات إذا رأى الرئيس ان ذلك يخدم المصلحة الوطنية. وفي عام 1998 الغت ادارة كلنتون العقوبات المفروضة على شركات توتال الفرنسية وغازبروم الروسية وبتروناس الماليزية بشأن الاستثمارات التي تصل الى 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الايراني مستندة الى هذه الصلاحية الرئاسية. ويشير معهد الدراسات الاستراتيجية في واشنطن الى ان عقوبات لم تُفرض ذات يوم بموجب هذا القانون.

المشروعان المطروحان حاليا في الكونغرس سيعززان الحظر المفروض على التجارة مع ايران في حال التوفيق بينهما بنص واحد، ويضيفان عقوبات جديدة منها تجميد الأرصدة على الجهات التي تتعامل مع الحرس الثوري الايراني والتي تدعم نشاطات ايران النووية والارهابية. ويتضمن نص مجلس الشيوخ بندا ينص على وقف تعامل الحكومة الاميركية والحكومات المحلية مع الشركات التي تستثمر في ايران، على غرار القانون الذي اصدره مجلس النواب في تشرين الأول/اكتوبر عام 2009. ويُبقي المشروعان على صيغة معدلة من صلاحية الرئيس في رفع العقوبات لمصلحة الأمن القومي.

في غضون ذلك حقق تهديد الولايات المتحدة الذي يستهدف المشتقات النفطية بعض النتائج. فقد اعلنت رويال دتش الهولندية وفيتول السويسرية ولوك اويل الروسية وايني الايطالية وريلاينس الهندية انها ستتوقف عن امداد ايران بالبنزين المكرر. وقالت توتال الفرنسية انها ستحذو حذو هذه الشركات ما ان تكتسب العقوبات قوة القانون. كما اكد دويتشة بنك ومصرف ايتش اس بي سي انسحابهما من ايران. ولكن ادارة اوباما تختلف مع البند الذي يدعو الى تقديم تقارير منتظمة عن الشركات التي تتعامل مع ايران وتريد تعديله. وتسعى الادارة الى اضافة بند في النص النهائي يجيز للرئيس اعتبار دول معينة دولا quot;متعاونةquot; ويبعد شركاتها عن القائمة السوداء. ويرى محللون ان هذا الموقف ايماءة موجهة اساسا الى الصين، اكبر شركاء ايران التجاريين، والتي ابدت تأييدها لمشروع القرار الذي سيُقدم الى الأمم المتحدة. كما ان بلدانا عديدة على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة تقيم شراكات تجارية كبيرة مع ايران. فبعد الصين يأتي الاتحاد الاوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا والامارات العربية وجنوب افريقيا وروسيا والهند والبرازيل. ولكن طلب الادارة لاقى مقاومة من اعضاء نافذين في الكونغرس يريدون تحركا اشد حزما تجاه ايران.
ماذا بعد العقوبات؟
رغم اتفاق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ما زال يتعين على الولايات المتحدة ان تقنع الأعضاء غير الدائمين بتأييد مشروع القرار الجديد حول ايران. ومن هذه الدول في الدورة الحالية النمسا والبوسنة واليابان وغابون ولبنان والمكسيك ونيجيريا واوغندا فضلا عن تركيا والبرازيل، اللتين وقعتا اعلان 17 ايار/مايو المشترك مع ايران.
ولكن حتى اشد المؤيدين حماسة للعقوبات لا يعتقدون ان عقوبات الأمم المتحدة والكونغرس كافية بحد ذاتها لحمل ايران على اجراء مفاوضات جدية حول برنامجها النووي، حتى إذا أُسندت مثل هذه العقوبات بمبادرات تفرض عقوبات اضافية من جانب الاتحاد الاوروبي ودول اخرى.

يلفت محللون في هذا الشأن الى ان وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس وجه في كانون الثاني/يناير مذكرة مصنفة الى مستشار الأمن القومي جيمس جونز يحذر فيها من غياب السياسة الاميركية طويلة الأمد في التعامل مع ايران، بما في ذلك غياب التحرك البديل في حال فشل الدبلوماسية والعقوبات.

ان حديث الادارة نفسها عن احتمالات فشل الدبلوماسية وتحذيراتها من التهديد النووي الايراني وتعهداتها بمنع ايران من بناء قدرات تسلحية نووية، رفعت مستوى التوقعات والآمال التي تراهن على ان السياسة الاميركية لن تقبل باكتساب ايران مثل هذه القدرات ولن تسكت عنها في اي حال من الأحوال.

قال اوباما في 9 شباط/فبراير ان الولايات المتحدة ابدت مرونة فائقة للتواصل مع ايران ولكنها تواصل السير على نهج يؤدي الى تطوير اسلحة نووية. وقال اوباما في بيان بمناسبة عيد نوروز، أو السنة الفارسية الجديدة، في 20 آذار/مارس، ان ايران قابلت يده الممدودة بقبضة مشدودة. وفي 22 آذار/مارس اعلن ان الولايات المتحدة مصممة على منع ايران من امتلاك اسلحة نووية.

ويرى محللون ان الرد على التحدي الايراني ربما اخذ يكتسب ملامح موقف رادع يجمع بين الدبلوماسية والعقوبات والتعاون الدفاعي الاقليمي والتهديد باستخدام القوة العسكرية. وان من شأن هذا ابتداء ان يمنع ايران من بناء قدرة نووية تسلحية، ثم يثنيها بمرور الزمن عن التفكير في استخدام السلاح النووي. ولكن الكونغرس سيبقى ينظر بعين الشك الى أي سياسة تترك الباب مفتوحا للتعايش مع سلاح نووي ايراني. كما ستجد اسرائيل من الصعب عليها ان تقبل بموقف رادع طويل الأمد. ولكن الردع قد يكون الخطوة التالية في سياسة الولايات المتحدة تجاه ايران إذا فشلت العقوبات والضغوط في اقناع طهران بوقف تخصيب اليورانيوم والالتزام بمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقرارات الأمم المتحدة.