يثور الحديث دائما داخل المجتمع الكويتي عن الحاجة الى تشريعات جديدة تخص مسألة الإجهاض المحرم مع اكتشافات لرضع ملقين في الطرقات وأماكن عامة، بسبب تعقيدات تشريعية يخشى معها من شيوع المسألة وإستسهالها، خصوصا في بلد محافظ مثل الكويت التي يتشدد التيار الإسلامي فيها بمسائل كثيرة.

أصبحت مسألة العثور على طفل رضيع ملقى بجانب حاوية للقمامة في العاصمة الكويتية، أو أمام مسجد، أو قرب عمارة مهجورة فيها، أمرا لا يشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام المحلية، ولا للقراء الذين تعودوا هكذا أنباء تحملها إليهم الصحف باستمرار، وسط إنطباعات في الداخل الكويتي بأن المجتمع الكويتي يتعرض لمواقف وقضايا دخيلة بسرعة رهيبة جدا، يفرضها الإيقاع السريع لاستقدام عشرات الآلاف من العمالة الوافدة وعائلاتهم، الذين لا يجد السواد الأعظم منهم في سلوك منهجه ومعتقداته، وإن تعارضت غالبا مع القوانين الكويتية، التي تحظر على هؤلاء القيام بأعمال وسلوكيات عدة.

لكن القضية الأبرز التي باتت تشكل قلقا للسلطات المحلية، هي البحث في صيغ وحلول وتشريعات قد تسهم في حل هذه المعضلة التي تتداخل أبعادها الإنسانية والأمنية والقانونية، فمن جهة فإن الدولة ستكفل هؤلاء اللقطاء إن لم تدل تحريات الأجهزة الأمنية عن الآباء والأمهات المتسببين، إلا أن هذا العامل الإنساني يلقي بظلال كيبرة جدا، وضاغطة على العاملين الأمني والقانوني، فالنظرية الأمنية المرصودة دائما تنبه الى خطر تعاظم المسألة، إذا اطمأن الجناة الى أن (اللقطاء) الذين قاموا برميهم في الأماكن العامة، يمكن أن يحظوا بنعيم ورفاهية الدولة، والجنسية في مرحلة لاحقة، أما أهل القانون فهم يتساءلون عن الوضع القانوني للأحياء من اللقطاء، ومن سيكفل هذا اللقيط بعد أن يتم عامه الثامن عشر في مراكز رعاية الأيتام الحكومية.

الإجهاض القانوني

وفي إطار هذه التعقيدات فإن المفارقات الضاغطة يوما بعد يوم، تشير الى ضرورة إيجاد تشريعات من شأنها إباحة وتسهيل الإجهاض القانوني، وهو الإجهاض الذي يتم في مراكز طبية متخصصة، وتحت نظر أطباء مختصين، وبعد فحص دقيق للحالات الراغبة في الإجهاض القانوني، وذلك للجم الإجهاض غير القانوني الذي يتم في مراكز غير مهيأة طبيا لتنفيذ عمليات الإجهاض، وعلى أيدي أشخاص يزعمون أنهم أطباء، وغالبا ما تفضي هذه المحاولات رغم تكبد أصحابها مطالب وأطماع الجشعين الى حالات الخطر الصحي الشديد، والى الموت في أحيان كثيرة، علما أن المراكز الصحية الكويتية تتشدد حتى في مسألة الإجهاض القانوني، دون لجان طبية تصدر تقارير عن الحالات المستحقة للشمول بالإجهاض القانوني.

أوجه أخرى

وحتى الآن فإن ثمة عوامل عدة تشتبك أضلاعها في مسألة الإجهاض وإباحته، دون إطلاقه، فثمة من يقول إن الحاجة الى الإجهاض ليست دائما ناجمة عن علاقات غير شرعية أو مشبوهة بين الذكور والإناث، بل إن عدة حالات أمكن رصدها تشير الى أن فتيات متزوجات تناولن أدوية لا تصلح للمرأة الحامل لأنها مشوهة للأجنة، دون أن يكنّ على علم بعد بأنهن حوامل، وهذا يعني طبيا أن الإجهاض هو خيار لا بد منه في هذه الحالة، لأن التخلص من جنين مشوه، هو أفضل حتى من الناحية الدينية من إنسان يأتي الى الدنيا حاملا إعاقته، أضف الى تلك الحالات من تعرضن من فتيات الى الإغتصاب الذي لم تصل وقائعه الى الأجهزة الأمنية تحت مبررات إجتماعية كثيرة كالخوف من الفضيحة، أو أن تكون الواقعة قد حصلت في بيت العائلة نفسها، ضمن ما يسمى بسفاح الأقارب، أضف الى ذلك الآراء الطبية المستندة الى المناظير التي تمكن الأطباء من معرفة إعاقة الجنين وهو في أسابيعه الأولى، وهي أسباب كلها تدعو الى الإجهاض، رغم غياب تشريعات كهذه عن حافظة القوانين الكويتية.

لكن في الحالات المرصودة دوما فإن الإجهاض هو مطلب من تورطت بعلاقة غير شرعية مع صديق لها، نجم عنه الحمل المفاجئ، فهذه الفتاة وتحت مبررات إجتماعية عدة فإنها وفي غياب الإجهاض القانوني فإنها إما تلجأ الى الإجهاض غير القانوني، أو إجهاض نفسها عبر وصفات طبية، أو تناول أدوية، وهي وصفات خطرة جدا، لكن هناك من الفتيات من يفضلن أن يصلن الى مرحلة الولادة، وعندها يمكن التخلص من الرضيع عبر إلقائه أمام مسجد، أو عمارة مهجورة، فهي بذلك تضمن أنها لم تتعرض لأي سوء قد ينجم عن مضاعفات الإجهاض، مضافا الى ذلك أنها تمكنت من طمس جريمتها بالكامل، دون أن تترك دليلا واحدا.

في الكويت مثلا لا يشكل الخطر على صحة المرأة الحامل أو جنينها أي أسباب مشروعة للإجهاض، حتى لو كان حملها شرعيا، وبموافقتها وموافقة زوجها، لأن القانون الكويتي لا يبيح حتى الإجهاض القانوني إلا في أضيق الحالات، وبعد المرور بجملة من التعقيدات الدينية والطبية إخلاء لمسؤولية الطبيب أو المركز الطبي عاما أو خاصا كان، إذ تشدد السلطات الكويتية قبضتها على هذا اللون الطبي المباح في دول عربية وغربية كثيرة لمجرد أن المرأة لا ترغب في تمام حملها، فيما تقوم المشافي والمراكز الطبية في دول عربية مجاورة بأخذ فتوى صورية من جانب المشايخ المعتمدين لهذه الغاية، على اعتبار أن الله عز وجل يبث الروح في الجنين بعد أربعين يوما من الحمل، ومعنى ذلك أن الإجهاض دون داع بعد هذه المدة يعد قتلا لروح إنسانية.

تيارات دينية

يقول النشط السياسي والطبيب الكويتي علي الهاجري quot; هذا الموضوع وأعني الإجهاض تتحكم به الحلول والتشريعات القانونية الغائبة، فالإجهاض جائز شرعا وقانونا ودينا لأسباب متعددة... لكن الدولة تصر على مجاملة التيارات الدينية التي تحمل مفاهيم وانطباعات مشوهة عن موضوع الإجهاض برمته... فالإجهاض عند كثير من التيارات الدينية هو دعوة للإباحية وانتشار الرذيلة عبر العلاقات غير الشرعية بين الجنسين، لكن الواقع أن الخطر الذي يترتب على غياب تشريعات وقانون الإجهاض الطبي من شأنه أن يثير الكوارث والمخاوف من انتشار ظاهرة اللقطاء والعياذ بالله التي بدأت تكبر تدريجيا في الدول المنغلقة، وأقصد بها أن تلجأ المرأة سواء الحامل بطريقة شرعية أم لا الى إجهاض حملها بطرق غير صحية ولا مأمونةquot;.

خطورة الإجهاض

وعن طرق الإجهاض غير الصحية تقول الطبيبة وفاء البصيلي: quot; إن الكثير من الحوامل الراغبات بإسقاط حملهن يتبعن وصفات غريبة عجيبة مثل الطلب من أزواجهن ضربهن والإيقاع بهن أرضا، وهذا الأمر من شأنه أن يفتت جدار الرحم ويقود الى كسر في العمود الفقري، أو الى العقم لاحقا، كما أن الإجهاض قد لايكون مؤكدا في كثير من الوصفات التي تتبعها الحوامل الراغبات في الإجهاض فعلى سبيل المثال هناك نبتة عشبية قديمة جدا تنصح بغليها وشربها للمرأة الحامل، وسيتم الإجهاض بعد وقت قصيرquot;.

وتتابع الطبيبة البصيلي القول: quot; الحقيقة أن هذا الأمر لم يثبت علميا لكن الخوف من أن تكون هذه العشبة تدمر جدار الرحم وهو ما يقود الى العقم في مرحلة لاحقة، أو نشوء أمراض نسائية خطرة تتحول الى أمراض مزمنة يصعب التعايش معها... كما أن هنالك الكثير من الأدوية الفعالة المباحة استعمالا لدى الدول الغربية وتعطي نتائج مؤكدة في الإجهاض، لكن غياب الشرح الكافي حول طريقة ومقادير استخدامها من شأنه أن يتدرج بالخطورة الى حد حصول وفاة حين تعطي الجرعات غير الدقيقة نتائج عكسية لوظائف الجسم الأخرى، وهو ما يؤدي الى تعطلهاquot;.

رأي الشرع والدين

الحكم الشرعي لإجهاض الجنين قبل أربعة أشهر يتلخص في أكثر من فتوى صدرت بهذا الخصوص وهي على النحو التالي: quot; يمر الجنين في بطن أمه بأربعة أطوار:

1. النطفة 2. العلقة 3. المضغة 4. نفخ الروح.

وقد اتفق العلماء على تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح إذا لم يكن هناك ضرورة لإسقاطه؛ لأن إسقاطه من غير ضرورة قتل للنفس المحترمة، ونفخ الروح بعد مائة وعشرين يوماً، وأما قبل نفخ الروح فقد اختلف في حكم الإسقاط من غير ضرورة على الأقوال الآتية :

القول الأول : تحريم الإسقاط في جميع الأطوار ، وهو قول أكثر المالكية، وبعض الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقول الظاهرية .

القول الثاني: جواز الإسقاط في النطفة والتحريم في بقية الأطوار، وهذا قول بعض المالكية والمذهب عند الحنابلة .

القول الثالث: جواز الإسقاط قبل نفخ الروح، وهو قول الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة.