يبدو أن المساندة الخليجية للبحرين تعكس الإرتياب من الدور الإيرانيّ.

سارع مجلس التعاون الخليجي في إجتماعه على مستوى وزراء الخارجية أمس في العاصمة السعودية الرياض، الى الوقوف بقوة الى جانب مملكة البحرين، التي كانت عرضة لمحاولة إنقلابية مدعومة خارجيا، لولا يقظة جهاز الإستخبارات البحريني، وقوة تبادل المعلومات والمعطيات الأمنية حول الخطوط التي يسلكها الإرهاب في المنطقة الخليجية، إذ أكد المجلس الخليجي أنه يساند المنامة بلا تحفظ في تعقب حركة الإرهاب، ومطاردة فلوله، بل وذهب الى نقطة أبعد مدى وهو يطلب من بريطانيا بإسم الدول الخليجية عدم توفير الملاذ الآمن لكل إرهابي فار من وجه العدالة، والتعاون من أجل تسليم هؤلاء الإرهابيين، ومحاكمتهم، في إشارة ضمنية بالغة الدلالات نحو تأكيدات البحرين أن بعض المتهمين بالمحاولة الإنقلابية يتواجدون خارج البحرين، وتحديدا في المملكة المتحدة.

وتأتي قضية محاولة الإنقلاب في البحرين، لتشكل حلقة أخرى من حلقات المخاوف الخليجية الواسعة من الدور الخطير الذي تلعبه إيران، وأجهزة إستخباراتها المتعددة، التي لوحظ صلاتها مع أكثر من خلية وشبكة إرهابية كانت أجهزة الأمن الخليجية تضبطها، وهي على وشك تنفيذ مخططات دموية واسعة تستهدف إثارة الفوضى والبلبة في العواصم الخليجية المختلفة، وتنفيذ تفجيرات وإغتيالات، وكلها كانت معدة بالتزامن مع أي ضربة عسكرية توجه الى إيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل، وهو الأمر الذي توقفت العواصم الخليجية أمامه مطولا، خصوصا وأن إعترافات أعضاء تلك الخلايا والشبكات كانت تشير صراحة الى إرتباطهم بضباط إيرانيين كانوا يدربونهم، ويمدونهم بأجهزة التجسس بعد تدريبهم عليها، إلا أن المسار الأمني للقضية كان يتقاطع دوما مع المسار السياسي في حلقات القرار الخليجيا العليا، وسط إنحياز لتغليب المصلحة السياسية في تعويم شبهة الإتهام، والطلب من الجهات الأمنية إبقاء العين مفتوحة للتعاطي مع كل التقديرات والإحتمالات.

يأتي ذلك في وقت ذكرت فيه مصادر أمنية مطلعة للصحف الكويتية أن تنسيقا أمنيا خليجيا يجري حاليا لتشكيل فريق أمني (لوجستي) من أجل تبادل المعلومات بشأن خلايا إرهابية نائمة.
وكشفت المصادر لـ'الجريدة' أن quot;أجهزة الأمن الخليجية في حال استنفار لجمع مزيد من المعلومات عن المجموعات الإرهابية التي تسعى إلى زعزعة الأمن في الخليج مستفيدة من عدم استقرار المحيط الإقليميquot;، لافتة إلى أن أجهزة الأمن بدأت عقد اجتماعات أمنية لوفود سرية بين بعضها البعض من أجل التحقق من المعلومات.

وأوضحت أن quot;مسؤولين أمنيين كويتيين وسعوديين وبحرينيين بدأوا إجراء تحريات بشأن ما إذا كانت الشبكة التي أعلنت عنها المنامة أخيراً لديها عناصر أخرى في المنطقةquot;، مؤكدة أن quot;جميع الأجهزة أبدت تعاونها ورحبت بتسخير كل الإمكانات التي تمتلكهاquot;
ولفتت إلى أن طريقة تبادل المعلومات ستكون ضمن آلية معينة لضمان سرية تنقل المعلومات بين الدول الأعضاء، وذلك بناء على تعليمات عليا بسرية الخطوات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية.
وكان العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قد وجه خطاباً إلى مواطنيه ليل الأحد الماضي، تطرق فيه إلى الإعلان الأخير عن توقيف شبكة تضم قيادات من عدة تيارات شيعية كانت تخطط لقلب نظام الحكم.
فقال إن هناك في البلاد من quot;يتنكر للمبادئ القرآنية، ويضع نفسه في موضع من يحمل لواء الاختلاف والفتنة بارتكاب أعمال العنف والشغب والإرهابquot;.
وقال الملك البحريني إن السلطات كانت تراقب منذ فترة عمل الشبكة، لكنها لم توقف أفرادها إلا مؤخراً، على أمل أن quot;يعودوا إلى رشدهم ويتجهوا لصالح الأعمال، متعهدا بإجراء إصلاحات دينية تتعلق بمن يحق لهم تولي شؤون الإمامة والخطابة في المساجد، إلى جانب وضع برامج للتقريب بين المذاهب الإسلامية، في انعكاس يظهر إدراك المنامة للحساسيات التي أثارتها القضية بين السنة والشيعة.

يشار الى أن البحرين اتهمت أكثر من عشرين زعيما شيعيا معارضا جرى اعتقالهم في حملة واسعة بالتآمر للإطاحة بالأسرة الحاكمة من خلال التحريض على احتجاجات عنيفة و أعمال تخريب، حيث نقلت وسائل الإعلام في البحرين عن ممثلي الادعاء قولهم إنهم سيوجهون اتهامات إلى 23 رجلا بينهم اثنين خارج البلاد وناشطون في حقوق الإنسان، إذ نجحت قوات الأمن في تفكيك شبكة سرية وإحباط خططها الإرهابية لتقويض الأمن القومي وزعزعة استقرار البلاد وبث الشقاق في الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الوطني ونشر العنف ومهاجمة الأبرياء وتدمير الملكيات العامة والخاصة.

وعرض التلفزيون البحريني الرسمي صور وأسماء 21 شخصا من هذه الشبكة، معتقلين لدى السلطات البحرينية، واثنين متواجدان خارج المملكة. وهم قياديون وأعضاء في حركات وأحزاب معارضة، غالبيتها شيعية، وهي حركة الحريات والديمقراطية (حق) وأحرار البحرين الإسلامية وتيار الوفاء الإسلامي وتيار الممانعة ومركز البحرين لحقوق الإنسان المنحل.

وأفاد التلفزيون بأن الشبكة قامت بالتحريض على ممارسة الأعمال الإرهابية والحض على التخريب والإتلاف في مناطق مختلفة بمملكة البحرين قولاً وفعلا، وذلك ضمن مشروع إرهابي وتخريبي منظم ومخطط عبر عدة محاور تتكامل فيما بينها.

كما أفادت وكالة أنباء البحرين الرسمية بأن عمل الشبكة شمل أيضا توفير الدعم المالي من مصادر في الداخل والخارج تحت غطاءات متنوعة من تبرعات رجال أعمال وتجار أو الأموال المتحصلة من الخمس (زكاة)، والقيام بتشكيل مجموعات تخريبية في مناطق مختلفة بالمملكة ومحاولة الاتصال بجهات وأحزاب خارجية للحصول على الدعم لمساندة الشبكة في تنفيذ أهدافها.

وأعلنت السلطات أن قيادة هذه الشبكة تتألف من ثمانية أشخاص بينهم القيادي في (حق) عبد الجليل السنكيس الموقوف منذ 14 أغسطس وحسن مشيمع الأمين العام للحركة وسعيد الشهابي وهو قيادي مخضرم في حركة أحرار البحرين وسعيد ميرزا أحمد النوري وينتمي إلى تيار الوفاء الإسلامي ومحمد حبيب منصور الصفاف (تيار الممانعة) وعبد الغني خنجر المتحدث باسم اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب.

ومنذ بداية العام الحالي فقد ضبطت أكثر من خلية إرهابية كان مسرح عملها المعد يتجاوز المناطق التي ضبطوا بها بكثير، إذ أن الصحف الخليجية كانت تضخ تفاصيل دقيقة ومثيرة للإعترافات يوما تلو الآخر، إلا أنه عند مستوى معين كانت التصريحات الرسمية تخرج لتنفي أي صلة للشبكات بإيران، التي كانت هي تسارع أيضا للنفي بكلمات أعدتها الدبلوماسية الإيرانية مسبقا للتعاطي مع شبكات أخرى أمكن التعامل معها في المستويات الأمنية الخليجية، إذ تبدو البصمات الإستخبارية الإيرانية ماثلة للعيان في جميع الشبكات الإرهابية، إلا أن التقديرات الخليجية للموقف تشير بإستمرار الى يقينها غير المعلن بأن إيران لا تكتفي بشبكة أو إثنتين، و هو ما يدفع القرار الخليجي نحو اللعب على الطريقة الإيرانية ذاتها، وهي المصافحة والتعاون سياسيا، وزرع الخلايا الإرهابية أمنيا وإستخباريا، إلا أن التعديل الخليجي الوحيد على اللعبة ينصرف بعد مد اليد للرغبة الإيرانية بالتعاون والمصافحة، الى تفكيك خلاياها، وإحباط مخططاتها، بعيدا عن مسار التصعيد السياسي.