يعقد في مكتبة الإسكندرية المصريّة وعلى امتداد ثلاثة أيام، أول مؤتمر قبطي خارج الكنيسة المصرية. ويقول منظمو المؤتمر إنه يهدف إلى إثراء الدراسات القبطية في مصر والعالم، وإبراز دور علماء القبطيات، ونتائج الحفريات الجارية في المناطق الأثرية للحضارة القبطية.
القاهرة: خلال انعقاد المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام في مكتبة الإسكندرية، ويشارك فيه 132 باحثاً من 23 دولة، قال الدكتور نور الدين إن المؤتمر يعبر عن حرص مصرعلى الحفاظ على تراثها والاهتمام به، بالاضافة الى إبراز اهتمامات الانسان المصري القبطي في زمنه، الأمر الذي يتجلى في ذاكرة الأمة ويعتبر من شواهد فخرها.
وتطرق نور الدين إلى دور المجلس الأعلى للآثار المصرية في دعم الدراسات القبطية، والحفاظ على التراث القبطي وحماية الآثار على امتداد الأراضي المصرية، وهو ما يظهر في أعمال الترميم الجارية في الآثار القبطية منذ ثلاثة عقود، سواء كان ذلك في الأديرة أو الكنائس أو المتاحف، ومن أهمها ترميم الكنيسة المعلقة، وكنيسة مار جرجس وأبو سيفين، بالإضافة إلى تطوير المتحف القبطي.
الأنبا مارتيروس، الأسقف العام وممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كان من بين الحضور البارزين في المؤتمر، وأعرب من جانبه عن سعادته لتنظيم المؤتمر، من أجل البحث في جذور مصر، ودعم الدراسات الحديثة والبحث العلمي المتقدم حول الحضارة القبطية، التي انتشرت من مدينة الإسكندرية على يد القديس مرقس، مشيرا إلى أنه يأتي تعبيرا عن قوة وعمق الحضارة المصرية التي تحتضن الحضارتين الإسلامية والمسيحية وتدمجهم في مجتمع واحد.
وأكد أن الحقبة القبطية مليئة بالمفردات العظيمة من تاريخ وفن وآثار وأدب، تشهد له الاكتشافات الأثرية والموروثات القبطية، مشيرًا إلى وجود العديد من الكنوز الحضارية، التي لا يزال البحث العلمي في المجالات الأركيولوجية يكشف عنها، والتي سيتم التطرق إليها والتعمق فيها من خلال المؤتمر.
دعم الدراسات القبطية
في سياق متصل، أكد الدكتور خالد عزب مدير مركز الخطوط بالإنابة، أن المؤتمر يأتي في إطار اتفاقية التعاون بين جمعية الآثار القبطية في الكنيسة البطرسية في حي العباسية في العاصمة المصرية، ومركز الخطوط في مكتبة الإسكندرية، مشيرًا إلى أن المكتبة تدعم الدراسات القبطية بشكل كبير، وتضم مجموعة ثرية من المخطوطات القبطية النادرة، والتي أهداها البابا شنودة الثالث للمكتبة خلال إلقائه محاضرة عامة بها.
وأضاف د.عزب أن هذا المؤتمر يعتبر بداية للاهتمام وعمق الاتجاه نحو الدراسات القبطية، حيث سيتم تنفيذ مخطط واسع في المكتبة لتعميق الدراسة في هذا المجال. وأعلن عن فتح باب تلقي الاقتراحات في هذا المجال ليتم بناء خطة لتنفيذ الدراسات القبطية، ويشارك فيها الجميع.
الى ذلك تحدث أستاذ علم القبطيات ونائب رئيس جمعية الآثار القبطية د.بيتر جروسمان عن أهمية انعقاد المؤتمر في مكتبة الإسكندرية، مؤكدًا دور مدينة الإسكندرية الرائد في إثراء الحقبة القبطية مع دخول المسيحية إلى أرض مصر، وأضاف quot;:إن هذا الدور يتجلى في التراث الذي خلفه القديس مرقس الذي بنى أول كنيسة في الاسكندرية، وأصبح أول بطريرك للكنيسة المصريةquot;. وأكد جروسمان أهمية التراث القبطي ودور الحياة القبطية في الحضارة المصرية، والذي سيتم إبرازه من خلال المؤتمر.
الدكتور لؤي سعيد |
من جانبه قال الدكتور لؤي سعيد مدير مشروعات مركز الخطوط والمنسق العام لمؤتمر الدراسات القبطية، إن المؤتمر يعتبر أول وأكبر تجمع دولي للقبطيات يعقد في مصر خارج نطاق الكنائس والأديرة، كما أنه يضم كوكبة متميزة من أفضل الباحثين الذين يشاركون في دراسات مختلفة في مجال الدراسات القبطية كالفنون والآثار والعمارة واللغة والترميم وغيرها، وأوضح سعيد أن التراث القبطي لا يخص فئة أو عقيدة معينة، لكنه تراث جميع المصريين، كما أن انعقاد المؤتمر على ساحل المتوسط يكسبه صفة متميزة، بالإضافة إلى انعقاده بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وجمعية الآثار القبطية.
وأعرب الدكتور سعيد عن أمله في أن يتوصل المؤتمر إلى صيغة مقبولة لإنشاء مجلس أمناء أو هيئة عليا للدراسات القبطية، لتقوم على التنسيق بين الهيئات المعنية بالدراسات القبطية، وإقامة الفعاليات والأنشطة الخاصة بالدراسات القبطية، وتدعيم إنشاء أقسام للدراسات القبطية في الجامعات والمعاهد المصرية.
فترة غاية في الأهمية
بُعيد الكلمات الافتتاحية، ألقى الدكتور جاك فاندر فليت الأستاذ في قسم الآثار المصرية في جامعة ليدن في هولندا، المحاضرة العامة الأولى بالمؤتمر، تحت عنوان quot;علم القبطيات وأهميته بالنسبة إلى مصر والعالمquot;، وأكد أن الحقبة القبطية هي فترة غاية في الأهمية في التاريخ والحضارة المصرية، كما أنها لعبت دورًا كبيرًا في تاريخ الإنسانية ومنطقة البحر المتوسط، التي تعتبر مهداً للحضارات، ما يكسب الدراسات القبطية بشكل عام، والمؤتمر بصفة خاصة، أهمية كبرى.
وأشار فليت إلى أن العصر القبطي يمثل المرحلة المتوسطية في تاريخ مصر، والذي شهد تحول الاتجاه نحو أوروبا، وهو ما يظهر في كثير من الدراسات التي تبين العلاقة بين الدراسات الانجيلية والفلسفة الهلنستية، وأضاف أن العصر الذهبي القبطي من القرن الثاني عشر حتى القرن الرابع عشر، قد شهد انفتاحا كبيرا للاتجاهات الفكرية للعالم المتوسطي الشرقي، كما أن روح الربط بين العالم المصري والعالم المتوسطي تظهر في التراث القبطي، وتتجلى في العديد من مظاهر الفنون القبطية في الأديرة الموجودة في مصر خاصة بمنطقة سوهاج.
وأوضح أن اللغة القبطية تعد من أهم مظاهر الربط بين الروح المصرية والروح المتوسطية، حيث إنه تم تطويرها لتعبر عن المتوسطي، ويكون لها طراز أدبي خاص بها، كما أنها تضم الكثير من الحروف الإغريقية والكلمات التي تم استعارتها من اليونانية. وقال إن هذا الاندماج ساعد على خلق حضارة قبطية لها شكل معين، ساهمت في تشكيل الثقافة المصرية، كما أنها امتدت وأثرت في الثقافات المحيطة، خاصة في البلدان الإفريقية.
وأضاف أن علم المصريات القبطية هو علم متنوع، وهو جزء من الدراسات الثقافية المختلفة، وله أثر واضح على دراسة الفنون والمعمار والتاريخ الاجتماعي والدراسات الإقليمية والجيولوجيا والدراسات اللغوية، وبذلك فإن الدراسات القبطية ترتبط بالكثير من العلوم الأخرى، وتجمع بين الدارسين من خلفيات مختلفة.
وأكد فليت أن الدراسات القبطية لها أهمية بالغة بالنسبة إلى مصر والعالم، لأنها موجودة في التاريخ المصري وانفتحت على حضارات البحر المتوسط والعالم، مشيراً إلى أهمية أعمال الاستكشاف والترميم الحديثة للآثار القبطية، التي تساعد على التوعية بأهمية مصر القبطية كجزء من التاريخ البشري.
أول موقع إلكتروني
في الختام، قام الدكتور عبد الحليم نور الدين بتدشين موقع quot;تاريخ وآثار وحضارة مصر القديمةquot; https://www.bibalex.org/egyptology/، وهو الموقع الالكتروني الأول من نوعه في مصر، الذي يهتم بتاريخ وحضارة مصر القديمة، مشيراً إلى أن الموقع يضم حتى الآن أكثر من ألف موضوع في هذا المجال، ومن المقرر أن تصل موضوعاته إلى 2500 موضوع.
وأوضح أن الموقع الذي قامت بإنشائه مكتبة الإسكندرية، بمساعدة الباحث مهاب درويش، يعتبر موسوعة علمية أثرية تضم كل ما يخص الحضارة المصرية القديمة من تاريخ وآثار ومظاهر الحضارة من وفي مصر القديمة، وتهدف إلى مساعدة الباحثين في البحث في الموضوعات المختلفة في هذا المجال، وتوفير منهج البحث العلمي والدراسة التفصيلية لهذا الموضوع.
ويضم الموقع الإلكتروني 15 موضوعاً أساسياً، يندرج تحتها عدد من العناصر الفرعية، ومنها أساسيات علم المصريات، والمواقع الأثرية، والشخصيات، والديانة، والعمارة والفنون، والعلوم والآداب، والموروث، ومتاحف الآثار، وأبرز علماء المصريات، والمجتمع المصري القديم، والحكم والإدارة، والصناعة والزراعة، والبيئة والأرض، والعسكرية المصرية، وموضوعات أخرى متنوعة.
تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر quot;الحياة في مصر خلال العصر القبطي.. المدن والقرى، رجال القانون والدين، الأساقفةquot;، الذي ينظمه مركز دراسات الخطوط والكتابات في مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وجمعية الآثار القبطية، هو الأول من نوعه في مصر الذي يقام خارج الكنيسة المصرية، حيث كانت المؤتمرات الخاصة بالقبطيات تتم داخل الكنائس والأديرة.
التعليقات