كانت 2010 سنة رحيل الكبار في الجزائر، حيث خطف الموت أسماء بارزة في سماء السياسة والتاريخ والأدب والفن والفكر والإعلام والرياضة أيضا، فودع الجزائريون في غضون أشهر بوزن الأخضر بن طوبال، الطاهر وطار، محمد أركون، عبد الرحمان الجيلالي، علي تونسي، غنية شريف، مدني شوقي، عثمان سناجقي وغيرهم، فيما ظلّت خيبة الأمل والتذبذب عنواني الحياة الجزائرية ما اضطر الشارع المحلي إلى استعمال لغة التصعيد للاحتجاج على تردي الوضع المعيشي العام.


ضربات عسكرية وفرت استقرارا أمنيا

سيبقى الجزائريون يتذكرون السنة الراحلة بكثير من الحزن والألم، لفقدانهم كوكبة من الفرسان والجهابذة، طبعها موت شيخ الرواية الجزائرية quot;الطاهر وطارquot; (1936 ndash; 2010) في 12 أغسطس/ آب الماضي، بعد معاناة مزمنة مع مرض قاومه بشجاعة على مدار أشهر طويلة، وطرّزه بـquot;قصيد في التذللquot; آخر عمل في مساره الحافل.

كما رحل المفكر الجزائري الكبير quot;محمد أركونquot; (اسمه الحقيقي محمد عرقون) (1928 ndash; 2010) هذا الفتى الأمازيغي الموصوف بـquot;المواطن العالميquot;، الذي تعرّض إلى سيل من الانتقادات بعد ارتضائه توظيف المتجرد لأدوات حديثة في استقراء ونقد التاريخ والفكر الإسلامي.

وشهدت السنة المنقضية أيضا رحيل وجوه سياسية وعسكرية، يتقدمهم الجنرال quot;العربي بلخيرquot; الموصوف بـquot;صانع الرؤساءquot;، وquot;مصطفى بلوصيفquot; الجنرال المتقاعد، فضلا عن الوجه الثوري المخضرم quot;الأخضر بن طوبالquot; العضو في مجموعة الـ22 التاريخية التي فجرت الثورة الجزائرية (1954 ndash; 1962) الذي رحل ورحّل معه أسرارا كثيرة لم يتسن لمواطنيه الاطلاع عليها.

وغادرنا في 2010 كل من العالمين الاجتماعيين quot;عبد الله شريطquot; وquot;عبد القادر جغلولquot;، وكذلك quot;أحمد الأمينquot; الخبير في الثقافة الشعبية، كما افتقدت الساحة الفنية أسماء عريقة مثل: عبد القادر قسوم، العربي زكال، توفيق ميميش، الجيلالي عمارنة، وكلثوم.

كما تكبّد الإعلام الجزائري خسارة كبرى إثر رحيل عدد من رواد القلم والميكروفين على غرار: شوقي مدني، عثمان سناجقي، غنية شريف وكتيبة حسين، كما افتقدت الساحة الرياضية واحد من كبار المدربين quot;عبد القادر بهمانquot;، إضافة إلى quot;قاسم بليمامquot; الرئيس الاسبق لنادي مولودية وهران، ناهيك عن quot;مصطفى عنانquot; أحد نجوم نادي شبيبة القبائل في سبعينيات القرن الماضي.

وانتهى العام برحيل العلاّمة الجزائري الفذ quot;عبد الرحمان الجيلاليquot; الذي عُدّ موسوعة ثقافية حية، حيث برع الرجل على مدار أعوامه الـ103، في مختلف ضروب المعرفة وأثرى المكتبات بعشرات المؤلفات النفيسة، ما جعله نموذجا استثنائيا وقامة نادرة.

وغيّب الموت في الثاني يوليو/تموز الماضي quot;مصطفى بوتفليقةquot; شقيق الرئيس quot;عبد العزيز بوتفليقةquot;، علما أنّ الأخير فقد قبل عام والدته quot;منصورية غزلاويquot;.

اغتيال فجّر تساؤلات

امتدت يد الموت في 2010 لتخطف مسؤولا بارزا بوزن الرقم الأول في جهاز الأمن، ويتعلق الأمر بالعقيد quot;علي تونسيquot; المدير العام للشرطة الجزائرية الذي اغتاله أحد أقرب مساعديه في صبيحة 25 فيبراير/شباط الماضي، في منعرج فجّر هزة قوية في البلاد، وخلّف كما هائلا من التساؤلات في الشارع المحلي بشأن quot;جريمةquot; قال وزير الداخلية السابق quot;نور الدين يزيد زرهونيquot; أنّها حصلت بسبب quot;خلاف شخصيquot;.

وفيما لايزال التحقيق مستمرا مع الجانيquot;شعيب ولطاشquot;، يترقب الجميع المحاكمة وما ستحمله من إجابات بشأن سيناريو لم تشهده الجزائر حتى في أكثر سنوات الاقتتال الداخلي دموية وسخونة، إذا ما استثنينا اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق quot;محمد بوضيافquot; أثناء إلقائه خطابا بمنطقة عنابة الشرقية في 28 يونيو/حزيران 1992.
تذبذب وتفكك

كما في سنوات سابقة، لم يشذ عام 2010 عن قاعدة تنامي مسارب العنف والهجرة السرية والانتحار، بجانب اتساع نطاق الحركة الإنجيلية، وطغيان الانفجارات الاجتماعية.

وبلغة الأرقام، أحصت مراجع محلية ما لا يقلّ عن 480 احتجاجا خلال السنة، وهو معطى له دلالته على أكثر من صعيد، واللافت أنّ التعاطي الخاص للسلطات مع تمرد مواطنيها أسهم في انتشار هذه القلاقل التي كانت حصيلتها أيضا إيقاف ثمانمائة شخص ذنبهم أنهم ثاروا على التوزيع غير العادل للسكنات ولعنة الغلاء التي مست كل شيئ، وتسببت في انتشار أمراض الضغط الدموي وكذا الآفات.

وأحصت دوائر ما لا يقلّ عن 50 ألف حالة عنف ضدّ أطفال، وثمانية آلاف حادث عنف ضدّ النساء، في وقت استمر الآلاف من الشباب اليائس في ركوب زوارق الموت بحثا عن جنة الإلدورادو، بينما أبرز استطلاع حديث للرأي أنّ 33 بالمائة من الشباب الذين وُلدوا سنة 1990، وصاروا شبابا في جزائر 2010، يحلمون بالهجرة.

السنة الأكثر أمنا في الجزائر

حافظت 2010 على رتابتها السياسية، خصوصا مع استقالة المعارضة وغياب أي مبادرات، عدا ما جرى إطلاقه من quot;بالونات اختبارquot; بشأن مرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، خصوصا في خضم الدبيب الذي يعيشه الحزب الحاكم، والتسويق الذي يتم بشكل محتشم لصالح هذا الطرف أو ذاك.

بالمقابل، اعتبرت السنة الماضية الأكثر أمنا في الجزائر منذ عام 1992، حيث تناقصت أعداد الاعتداءات الإرهابية بشكل محسوس، كما شهد العام تحييد مئات المتمردين.

وفيما اختتمت السنة بمحاصرة quot;قيادة أركانquot; ما يسمى (قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي)، لم تسجّل أي عملية انتحارية على مدار الـ12 شهرا، وتناقص عدد قتلى العنف إلى بضع عشرات مقارنة مع مقتل المئات خلال أعوام سابقة.

ويعزو خبراء الشأن الأمني هذا الاستقرار، بنجاح القوى الأمنية في حرب الاستعلامات ما أدى إلى تفكيك شبكات الدعم والإسناد وتوجيه ضربات موجعة إلى المتشدد quot;عبد المالك دروكدالquot; وأتباعه، بالتزامن مع مناشدات متشددين سابقين للمسلحين بالاستسلام، ومصرع الغلاة على منوال بن تيتراوي عمر المكنى يحيى أبو خيثمة أمير كتيبة الفتح، وبلعيد أحمد، المكنى أبو سليمان أمير منطقة الوسط، دليسي عيسى المكنّى أبو هشام أمير سرية ''الشام'' وغيرهم.

بيد أنّ ظاهرة الاختطاف والمطالبة بدفع فديات تفاقمت لا سيما في منطقة القبائل، بجانب ما تعانيه الجزائر في الصحراء الكبرى جراء إقدام القاعدة على اختطاف سياح أوروبيين والابتزاز، ما حتّم حراكا جهويا من أجل التنسيق الأمني مع دول الساحل، وإقناع المجموعة الدولية بحتمية تجريم الفدية.

2011: موعد الإقلاع؟

مع حلول العام الجديد، يتطلع الجزائريون إلى إقلاع حقيقي لبلادهم، بما يمنح مساحة للأمل تنهي الخيبة والإخفاقات.

ويُتوقع أن يكون عام 2011، عاما لتنظيم استفتاء العفو الشامل في الجزائر، وهو استحقاق رجحه quot;مصطفى فاروق قسنطينيquot; مسؤول الهيئة الحقوقية الأولى في البلاد، كما يُرتقب أن يتزايد الحراك السياسي على أهبة الانتخابات التشريعية والبلدية التي ستنظم في السداسي الأول للعام 2012.

ثقافيا، ستكون المراهنة على quot;عرسquot; الثقافة الإسلامية الـ25 الذي ستحتضنه مدينة تلمسان الجزائرية (700 كلم غرب العاصمة)، ويعوّل متابعون على هذه الاحتفالية لإنعاش سياق ثقافي موسوم بالراكد، حتى وإن كان يُخشى أن تتكرر مطبات quot;سنة الجزائر بفرنسا 2003quot;، quot;الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007quot;، وquot;المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني 2009quot;.