حققت قوات المجلس الانتقالي الليبي مكاسب كبيرة في المعارك التي تخوضها للسيطرة على سرت، أحد آخر معقلين للقوات الموالية للعقيد معمّر القذافي، وذلك بعد سيطرة الثوار على مبان رئيسة في وسط المدينة.


الثوار حققوا تقدماًلكن بثمن باهظ

تقترب قوات النظام الليبي الجديد من إعلان سيطرتها على مسقط رأس القذافي في مدينة سرت مع إحراز مكاسب الأحد في هذه المدينة الساحلية، وفي بني وليد المعقل الرئيس الآخر لقوات الزعيم المطارد.

فقد تمكنت قوات المجلس الوطني الانتقالي من السيطرة على المستشفى والجامعة في سرت، إضافة إلى مركز واغادوغو للمؤتمرات في المدينة، التي تسكنها قبيلة القذافي، وهو المركز الحصين الذي تم تشييده لاستضافة القمم الأفريقية والعربية، ومثّل هدفًا أساسيًا لقوات المجلس منذ أن شنّت هجومها في منتصف ايلول/سبتمبر على المدينة.

ودخل مراسلو رويترز الى البنايات الرئيسة التي سيطر عليها المقاتلون المناهضون للقذافي، وتأكدوا من السيطرة عليها، وتجري اشتباكات عنيفة حاليًا حول البنايات الثلاث، ولم يتضح إن كانت بقيت تحت سيطرة مقاتلي المجلس الوطني بعد الهجوم.

وبحسب رويترز، تسلط سرعة الانسحاب للثوار الضوء على هشاشة التقدم الذي تحرزه القوات الحكومية، وثقل المهمة التي ما زالت تنتظرها، على الرغم من التقديرات المتفائلة لقادتهم لسير القتال.

كيلو متر من بني وليد

وفي بني وليد، اعلن قائد ميداني للمجلس سيطرة قواته على مطار المدينة الواقعة على بعد 170 كيلومترًا جنوب شرق طرابلس، حيث باتت قواته على بعد كيلومتر واحد من المعقل الرئيس الآخر المتبقي لقوات القذافي.

وقال محمد الفياض القائد العسكري الميداني للمجلس الوطني الانتقالي quot;سيطرنا على مركز واغادوغو بنسبة مئة بالمئة. الطريق الآن مفتوح للسيطرة على المدينة (سرت) بأسرها. نحن قريبون من وسطهاquot;، مشيرًا الى التنسيق بين مقاتلي المجلس.

واكد مراسل لفرانس برس في الموقع سيطرة مقاتلي المجلس على قصر المؤتمرات هذا، الذي يعدّ علامة بارزة في المدينة.

وقال الفياض quot;نستعد للسيطرة على وسط سرت ..في غضون ساعاتquot;.

وتابع quot;لم يعد الأمر رهنًا سوى بالتنسيق بين الجبهة الغربية (للمقاتلين من مصراتة) والجبهة الشرقية (للمقاتلين من بنغازي). المسألة مسألة وقت حتى ننسق في ما بينناquot;.

وقد انتشر مقاتلو المجلس في مركز المؤتمرات المترامي، حيث أنزلوا صور القذافي والأعلام الخضراء للنظام، الذي حكم البلاد طيلة 42 عامًا.

كما تقدم مقاتلو المجلس الوطني كيلومترًا إضافيًا باتجاه الشمال بمحاذاة الشوارع المتجهة إلى قلب المدينة، والتي كانت آثار المعارك بادية على جدرانها.

تأتي السيطرة على مركز مؤتمرات سرت بعد سيطرة قوات المجلس في وقت سابق من الأحد على جامعة سرت والأبنية الملحقة بها.

ووصف أحد القادة العسكريين للمجلس، ويدعى ناصر زمود، القتال للسيطرة على الجامعة بأنه quot;كان عنيفًا، وكان هناك الكثير من القناصةquot;.

وتابع quot;حررنا المنطقة من كلاب القذافيquot;، بينما انتشرت المئات من المقاتلين داخل الحرم الجامعي وفي quot;الجامعة الجديدةquot; الملحقة بها، والتي تضم عشرات الأبنية قيد الإنشاء، استهدف منها القناصة الموالون للقذافي مقاتلي المجلس خلال الايام الأخيرة، وكبدوهم خسائر بالغة.

كما قال مجلس ثوار مصراتة إن قوات المجلس تسيطر الآن على مستشفى ابن سينا، غير أنه لم يتسن تأكيد ذلك بشكل مستقل.

وقال بيان للمجلس quot;يسيطر ثوار مصراتة على مستشفى ابن سيناquot;، ويقومون بإخلاء المستشفى من المرضى، بغضّ النظر عن انتماءاتهم quot;خوفًا من القصف العشوائي من جانب الديكتاتور المخلوعquot;.

كما قال مقاتلو المجلس في قصر القذافي على مسافة نصف كيلومتر من مستشفى ابن سينا لفرانس برس إن المستشفى بات تحت سيطرتهم.

وقد دمّرت غارات حلف الأطلسي نصف القصر، حسب ما قال مقاتلو المجلس، وشوهدت مجموعة من الرجال يهشّمون لافتات للقذافي، بينما كان آخرون خارجه يطلقون صواريخ غراد على المدينة، وغيرهم يأخذون قسطًا من الراحة في الظل.

وفي بني وليد، قال قائد في المجلس لفرانس برس، إن قوات المجلس سيطرت على مطار المدينة، وتخوض الآن مواجهات عنيفة على بعد كيلومتر واحد من وسطها.

وأضاف القائد موسى يونس أن كتائب معمّر القذافي تقصف بالمدفعية الثقيلة قوات المجلس الانتقالي.

وقال يونس متحدثًا لفرانس برس عبر الهاتف إن اشتباكات عنيفة جرت الأحد بين قواته وكتائب القذافي على بعد كيلومتر من وسط بني وليد، بينما نزح كثير من السكان من مناطق القتال.

مكاسب بتكلفة باهظة

غير أن مكاسب قوات المجلس في معركة سرت جاءت بتكلفة باهظة. فقد فاجأت شدة المقاومة التي أبدتها قوات القذافي في سرت وبني وليد النظام الجديد، حتى إن رئيس المجلس مصطفى عبدالجليل اعترف بأن القتال كان quot;شرسًا جدًاquot;.

ويعتقد أن نجل القذافي المعتصم مختبئ في مدينة سرت، بينما يختبئ نجله الآخر سيف الإسلام في بني وليد المحاصرة من كل الاتجاهات، وربما يكون القذافي نفسه فيها.

وقال مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، إن قواته وصلت إلى وسط سرت، ويقومون بتمشيط المدينة بحثًا عن القناصة.

وأضاف إن البلدة الوحيدة، التي ما زالت قوات القذافي تسيطر عليها، وهي بلدة بني وليد، تخضع لحصار من كل الجهات تقريبًا.

وأعرب عن أمله بأن يتم quot;تحريرquot; البلدتين بنهاية الأسبوع الجاري.

وأدى استمرار المعركة للسيطرة على سرت وعدد محدود من المعاقل الأخرى، التي ما زال يسيطر عليها الموالون للقذافي، إلى تشتت اهتمام المجلس الوطني الانتقالي في جهوده الرامية إلى تشكيل حكومة فعالة واستئناف إنتاج النفط.

قتلى وجرحى

ولم ترد تقارير على الفور عن الخسائر بين المقاتلين جراء القتال الأحد، بينما تحدثت مصادر طبية السبت عن 23 قتيلاً من قوات المجلس، ونحو 330 جريحًا منذ أن شنّ مقاتلو النظام الجديد ما وصفوه بالهجوم الأخير على معقل القذافي.

وما زال آلاف المدنيين محاصرين في سرت، ويقول قادة المجلس الليبي إنهم يراعون خلال تقدمهم إمكانية إجلاء بعض من لم يتمكنوا من النزوح وتجنب سقوط ضحايا بنيران صديقة.

وقال أحد السكان، ويدعى ناصر حميد، فر من المدينة برفقة زوجته وثلاثة أطفال وابنة شقيقه، إن الأسرة تمكنت من التسلل خارج المدينة تحت جنح الليل قبل فجر الاحد.

وقال حميد لفرانس برس quot;دمّرت شقتنا بنيران الرشاشات، وانتظرنا طويلاً لأن الموالين للقذافي قالوا إننا إذا غادرنا لن يسمح لنا بالعودةquot;.

وقالت زوجته سليمة علي عمر إن قوات النظام القديم تخوض معركة خاسرة.

واضافت quot;يقول المتطوعون (للقتال الى جانب القذافي) إنهم ضاقوا ذرعًا، ولا يريدون مواصلة القتال، بل يرمون بنادقهم في عربات القمامةquot;.

وعلى الجبهة الغربية، سيطر مقاتلو المجلس علىمعظم أنحاء مجمع يضم 700 وحدة سكنية، غير أنهم تعرّضوا لنيران القناصة مع تقدمهم الأحد حسب ما قال مراسل آخر لفرانس برس.

وقال القائد الميداني للمجلس أحمد براسالي من موقع على الجبهة quot;نحن بانتظار تعزيزات، وسنتقدم بعدهاquot;.

وتابع لفرانس برس quot;تعرّضنا لهجوم هذا الصباح من جانب عشرة من الموالين للقذافي أطلقوا قذائف صاروخية ونيران أسلحتهم الرشاشة. قتلناهم جميعًاquot;.

ويعتبر المجلس المكاسب داخل سرت أساسية، إذ ينتظر إعلان السيطرة على المدينة، حتى يعلن quot;تحرير ليبياquot;، ومن ثم يضع جدولاً زمنيًا لإجراء انتخابات في البلاد.

ويسيطر المجلس علىمعظم أنحاء ليبيا منذ أن سيطرت قواته على العاصمة طرابلس في 23 اب/اغسطس، ما أجبر القذافي ودائرته المقرّبة على الفرار.