القاهرة: قام متطوعون يوم أمس بإزالة آثار مذبحة وقعتأخيرًا في الحديقة الجافة لفندق المهاري في مدينة سيرت الليبية، حيث جمَّعوا العشرات من الجثث لأناس تم إعدامهم على ما يبدو قبل أيام عدة، لكنهم تركوا وراءهم أدلة أخرى كالحبال البلاستيكية، التي كانت تكبّل بها أيدي الضحايا، وأغلفة القذائف، التي كانت مبعثرة هناك وهي ملطخة بالدماء.

ونقلت صحية نيويورك تايمز الأميركية اليوم عن هؤلاء المتطوعين قولهم إن من بين الضحايا اثنين على الأقل من مسؤولي نظام القذافي، ومقاتلين مواليين محليين، وربما أشخاص مدنيين. ولفت المتطوعون كذلك إلى أنهم يعتقدون أن من قتلوهم هم مقاتلون متمردون سابقون ينتمون إلى وحدات محاربة القذافي، التي استخدمت الفندق كقاعدة لها خلال الأسابيع الأخيرة.

ويبدو أن تلك المذبحة واحدة من أسوأ المذابح التي حدثت طوال فترة الصراع التي امتدت على مدار ثمانية أشهر، لكن اللافت هو أنه، وبعد أيام من وقوعها، لم يأت أحد من الحكومة الجديدة للتحقيق.

ومضت الصحيفة تقول إن مسؤوليات كثيرة تقع ربما على عاتق القادة الانتقاليين، الذين أعلنوا أن البلاد تم تحريرها، في ما يتعلق بإدارة شؤونها. لكن طوال فترة الصراع، أظهروا أيضاً أنفسهم غير راغبين أو غير قادرين على التحقيق في اتهامات الأعمال الوحشية التي ارتكبها مقاتلوهم، رغم تكرار التعهد بعدم التسامح إزاء الانتهاكات.

وأكدت الصحيفة أن أوضح صور فقدان السيطرة من جانب القادة في المجلس الوطني الانتقالي ظهرت حين ألقى الأفراد المناهضون لنظام القذافي بالقبض عليه. حيث أظهرت مقاطع الفيديو كيف كانوا يتعاملون معه بخشونة وهو ينزف، وتبدو على وجهه علامات الحزن والألم، وهو على دراية بكل ما يحدث له، بعدما تم العثور عليه مباشرةً.

وأعلن مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، يوم أمس الاثنين، عن تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة العقيد معمّر القذافي. واعترف في الكلمة التي ألقاها في هذا الصدد بأن ضغوطاً من جانب قوى أجنبية وجماعات حقوقية - بعضها كان داعماً لحركة الثوار - كانت وراء القرار الذي تم اتخاذه للتحقيق في الظروف التي جعلت القذافي يموت متأثراً بجروحه، وهو مصاب بطلق ناري في رأسه.

لكن لم يتضح من تعليقاته مدى أو نطاق الصلاحيات التي ستعمل من خلالها تلك اللجنة في التحقيقات التي ستقوم بها، وما إن كان سيتم تحميل أحد الأشخاص مسؤولية ما حدث في نهاية المطاف أم لا. كما أشار عبد الجليل إلى أن الثوار ربما لم يكونوا من قتلوه، ملمحاً لأن الرصاصات المميتة ربما أتت من جانب أنصار القذافي أنفسهم.

وبينما فشل قادة البلاد الانتقاليون في إنشاء سلسلة قيادة بين الميليشيات المسلحة، رغم تكرار المحاولات لتكوين جيش وطني، اتُهِم بعض من المقاتلين المناهضين للقذافي بقيامهم باعتقالات تعسفية وعمليات تعذيب، وتورط آخرون كذلك في عمليات قتل. ويكفي أن حادثة مقتل اللواء عبد الفتاح يونس لم يتم التوصل إلى مرتكبيها حتى الآن، رغم تعهد قادة المجلس الوطني الانتقالي بالتحقيق وضبط الجناة أياً كانوا.

وبعرضه لنظريته الجديدة بخصوص مقتل القذافي، قال عبد الجليل يوم أمس إن أنصاره ربما أقدموا على تلك الخطوة (بقتله) خشية أن يورطهم في فظائع وجرائم وحشية، إذا ما قدر له الحياة وتم إخضاعه للمحاكمة. وعلَّقت الصحيفة من جهتها على تلك النظرية بقولها إنها محاولة على ما يبدو لصرف النظر عن أسئلة دولية حادة يمكن أن تطرح بشأن طريقة تعامل الحكومة مع اللحظات الأخيرة في حياة القذافي.

وتابعت نيويورك تايمز بقولها إن وفاة القذافي أنهت الصراع في تلك المرحلة، لكن الانتهاكات من جانب الثوار مازالت مستمرة، فقد شوهدوا يوم أمس الاثنين وهم يسرقون مولدات كهربائية وسيارات ودراجات في مدينة سيرت.

وفي إحدى المقابر القريبة من الفندق، اعتنى أحد الأطباء المحليين بضحايا المذبحة، حيث قام بتصوير الجثث، وأخذ سِنة من كل واحد منهم، بغية تجميع أدلة لأسرهم ومن أجل إقامة محاكمة جنائية، لعل وعسى أن تقام. وأمر الطبيب أحد مساعديه بأن يسكب مياهًا ويرش طاردًا للحشرات على الجثث المتحللة التي تنتظر أن يتم دفنها.

وقال طبيب آخر بعد معاينته للجثث quot;أي نوع من الديمقراطية التي تكلف كل هذه الدماء؟quot;، وتابع هذا الطبيب، الذي رفض الكشف عن هويته خشية الانتقام منه، بقوله إنه إذا لم يتم التحقيق في جرائم القتل هذه، فإن التقاعس سيؤدي إلى تكون مشاعر استياء خطرة، وتوقع في السياق عينه كذلك أن بلاده لن تنعم بالسلام على مدار سنوات.