تتفاعل بشكل خطر قضية الاعتقالات، التي تقوم بها القوات العراقية لقياديين بعثيين وضباط سابقين، على خلفية اتهامهم بتشكيل تنظيم quot;إرهابيquot; لإسقاط العملية السياسية، وكذلك مسألة طرد أساتذة جامعيين لشمولهم باجتثاث البعث، حيث أخذت بعداً طائفياً، يهدد إستقرار البلاد، خاصة بعد المشادة الكلامية بين رئيس الوزراء نوري المالكي ونائبه صالح المطلك، الذي أكد استعداده لدخول المعتقل على البقاء في منصبه.


على أثر مشادة كلامية شهدها اجتماع مجلس الوزراء العراقي بين المالكي والمطلك على خلفية تصاعد تلك الاعتقالات وعمليات الطرد، التي شملت محافظات عدة، فقد أكد هذا الأخير أنه مستعد لدخول المعتقل على البقاء في الحكومة ما دام هناك ظلم يقع على الأبرياء.

على الأثر، عقدت الكتلة العراقية بزعامة أياد علاوي اجتماعًا طارئًا في منزل المطلك في بغداد الليلة الماضية بحضور قادتها، بحثت خلاله التطورات السياسية في البلاد، وتصاعد الخلافات بين الكتل. وفي مؤتمر صحافي أعقب الاجتماع، طالبت الكتلة الحكومة بإيقاف quot;الإجراءات التعسفية فورًا بخصوص حملة الاعتقالات الأخيرة وقوائم الإقصاء والعزل للكفاءات العراقية في وزارة التعليم العاليquot;.

ودعا النائب عن الكتلة أحمد المساري القضاء العراقي والأجهزة الأمنية إلى عدم الخضوع إلى تأثيرات القوى السياسية. وعبّر عن الاستغراب لأن هذه الاعتقالات تأتي متزامنة مع الانسحاب الأميركي خلال هذه الفترة quot;الأمر الذي يجعلنا أمام مفترق طرق إما أن ندفع بالعراق نحو الاستقرار والوحدة أو أن نغوص في زحمة المتغيرات الإقليمية، التي تقوده إلى الفوضى والتفتيتquot; على حد قوله.

وأكد على إصرار الكتلة العراقية على الدفاع عن حقوق العراقيين جميعًا انسجامًا مع مشروعها الوطني، موضحًا أنها ستبقي اجتماعاتها في حال انعقاد دائم لبحث ومتابعة تطورات الموقف لتتخذ القرارات المناسبة، بهدف تجاوز أي أزمة تعوق الانسحاب الأميركي.

وطالب المالكي بإيقاف الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في عدد من المحافظات وإطلاق سراح المعتقلين. ودعا القضاء العراقي والأجهزة الأمنية إلى عدم الخضوع إلى تأثيرات القوى السياسية، وأكد تمسك قائمته بالدفاع عن حقوق العراقيين جميعًا انسجامًا مع مشروعها الوطني.

من جانبه أكد المطلك رفضه الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية منذ أيام، وأكد انه على استعداد لدخول المعتقل على البقاء في الحكومة ما دام هناك ظلم يصيب الأبرياء. وأشار خلال المؤتمر الصحافي إلى أن هناك من يسعى إلى خلق الأزمات تلو الأزمات من أجل الإبقاء على القوات الأميركية في العراق. وشدد على وقوفه ضد ما أسماها بعسكرة الشوارع والمدن وإقصاء وترويع أساتذة الجامعات وموظفيها.

جاءت تصريحات المطلك هذه بعد ساعات من مشادة كلامية خاضها مع المالكي خلال جلسة لمجلس الوزراء أمس بسبب موضوع التوازنات في الحكومة وملف اجتثاث أساتذة في جامعة تكريت ومحافظات أُخرى وحملات الاعتقال الأخيرة، ما أدى إلى انسحاب المالكي غاضباً من الجلسة.

وأشار مصدر مطلع إلى أنه بعدما بدأت الجلسة، عرض المالكي قضية الاجتثاث، إلا أنه تفاجأ بهجوم غير عادي من قبل نائبه صالح المطلك، الذي واجهه بالقول quot;إن الوضع بات مزريًا بسبب عمليات الاجتثاث، التي تقوم بها وزارة التعليم العالي والبحث العلميquot;، إلا أن رئيس الوزراء رد على ذلك بالقول quot;إن الأمر مرتبط بهيئة المساءلة والعدالة، وإن قرارات الاجتثاث اتخذت بالمشاورة مع الجهات ذات العلاقةquot;، غير أن هذا الأمر أزعج المطلك، الذي أكد أن أعمال هذه الهيئة كانت قد توقفت بقرار اتخذ من رئاسة الوزراء، مهددًا المالكي بتأجيج الشارع ضده، في حال لم تتوقف عمليات الاجتثاث، ما دفع هذا الأخير إلى ترك الجلسة غاضبًا.

اثر الاعلان عن هذه المشادة، أعلنت وزارة الداخلية عن إحباطها مخططًا يقوده أعضاء من حزب البعث لإسقاط العملية السياسية في العراق. وقال وكيل وزارة الداخلية اللواء حسين كمال إن وزارة الداخلية أحبطت مخططًا خطرًا لإسقاط العملية السياسية، يقوده quot;حزب البعث الصداميquot; في عدد من محافظات البلاد. وأضاف أن عملية نوعية أسفرت عن إلقاء القبض على أكبر شبكة تنتمي إلى حزب البعث الصدامي، منتشرة في محافظات الفرات الأوسط وشمال العاصمة بغداد.

وأوضح أن الشبكة المسؤولة عن تنفيذ المخطط نظمت صفوفها بعد عام 2004 وانتظمت في صفوف الجماعات الإرهابية، وكانت تخطط لعمليات إرهابية وتخريب بعد الانسحاب الأميركي من العراق. وأكد أن معظم الأعمال الإرهابية نفذها البعث الصدامي كانت تتبناها القاعدة لأسباب سياسية، مشيرًا إلى أن التحقيق جار لمعرفة بقايا التنظيم.

وتشهد عدد من المحافظات العراقية حاليًا حملات اعتقال ضد أعضاء في حزب البعث المنحل، والتي بدأت في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار، حيث ألقي القبض على العشرات من ضباط الجيش السابق وأعضاء في الحزب، بعد ورود أسمائهم من وزارة الداخلية في بغداد.

وكان المالكي قال الأحد إن quot;بقايا النظام السابق ما زالوا يمارسون الدور الإرهابي نفسه، فهم شركاء في كل الأعمال الإجرامية، التي تستهدف العراقيين، إلى جانب القاعدة وغيرهاquot;، وذلك إثر إعلان مسؤول أمني عراقي رفيع عن قيام قوات الأمن باعتقال حوالى 350 من قيادات حزب البعث المنحل في حملة واسعة استهدفتهم في خمس محافظات، بتهمة الترويج للحزب، ومحاولة إعادة تنظيم صفوفهم بهدف زعزعة أمن واستقرار البلاد.

وقال المسؤول الأمني إن عدد البعثين، الذين تم اعتقالهم خلال الحملة، التي استهدفتهم منذ ثلاثة أيام، بلغ 350 بعثيًا في ست محافظات. وأوضح أن الحملة نفذت بعد ورود معلومات مؤكدة تفيد بأن هذه القيادات تحاول إعادة تنظيم نفسها، وبدأ قسم منها في اجتماعات بالخفاء من أجل زعزعة الأمن في البلاد.

محافظتا صلاح الدين ونينوى تتضامنان ضد اجتثاث الأساتذة

على الصعيد نفسه، فقد اتفقت محافظتا صلاح الدين ونينوى quot;تقطنهما غالبية سنيةquot; على توحيد مواقفهما ضد قرارات الاجتثاث، التي طالت مئات البعثيين من منتسبي جامعتي تكريت (عاصمة محافظة صلاح الدين) والموصل (عاصمة محافظة نينوى) وحشد نوابهما لدعم هذا الاتفاق.

جاء ذلك خلال زيارة محافظ نينوى أثيل النجيفي إلى محافظة صلاح الدين ولقاء نظيره أحمد عبد الجبوري. وقال النجيفي على هامش اللقاء إن quot;الإجراءات التي اتخذت بحق منتسبي الجامعات تستحق منا موقفاً رافضاً وموحداً، لأننا نشعر بوجود هدف سياسي من وراءهاquot;، مطالباً أعضاء مجلس النواب عامة وممثلي محافظتي صلاح الدين ونينوى خاصة quot;مساندة رفض تلك الإجراءات التي تهدف إلى إعادة التعليم إلى هيمنة الحزب الواحدquot; بحسب مانقلت عنه وكالة quot;السومرية نيوزquot;.

وأضاف النجيفي أنه quot;من غير المنطقي تدمير مؤسسات علمية رصينة بقرارات تفتقر الغطاء القانوني والدستوريquot;. وأشار إلى أن الغاية من اللقاءات بين المحافظات هي التشاور والخروج بالعراق من مأزقه الحالي والمحافظة على وحدتهquot;.

من جانبه، قال محافظ صلاح الدين أحمد عبد الجبوري في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع المشترك، الذي ضم العديد من أعضاء مجلسي المحافظتين، إن quot;زيارة النجيفي تصبّ في وحدة الكلمة وتوحيد الموقف بوجه الإجراءات الجائرة ضد أساتذة الجامعات والمؤسسات الاقتصادية والتربوية الأخرىquot;.

وأكد أن quot;العراق بحاجة إلى توحيد الصفوف في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي قائلاً إن quot;علينا أن نطرد الاحتلال من أرضنا، وعلى الحكومة أن تكرّس جهدها في هذا الاتجاه من دون اجتثاث والانتقام وتصفية الحساباتquot;.

وأضاف إن إخراج المئات من الموظفين والأساتذة من مواقع عملهم سيساعد الجماعات المسلحة، لاسيما تنظيم القاعدة، quot;على أعمال لا نريد عودتهاquot;، لافتاً إلى أن quot;العراقيين يحتاجون جوًا من الاطمئنان وعدم الإقصاء، بسبب الصراعات بين الكتل السياسيةquot;.

وشدد الجبوري على أن quot;تنظيم القاعدة ربما يجد فرصاً جديدة لمصلحته، إذا استمرت الحكومة في سياسة إنتاج الأعداء، بدلاً من لملمة جراح الوطن، وإشاعة روح التسامح والمضي قدماً بخطى واضحة على طريق المصالحة الوطنيةquot;.

وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قررت في مطلع الشهر الحالي تنفيذ إجراءات هيئة المساءلة والعدالة ضد 140 أستاذاً أو موظفاً من جامعة تكريت، وفصلهم عن العمل، فيما اضطر رئيس الجامعة لإعلان استقالته من منصبه اعتراضاً على تلك الإجراءات.

واتهم وزير التعليم العالي علي الأديب quot;القيادي في حزب الدعوة الإسلامية الشيعيquot; خلال الأسبوع الماضي سلفه عبد ذياب العجيلي quot;القيادي في تحالف الوسط، وهو سنيquot; بأنه كان يدير الوزارة quot;بإرشادات من قبل حزب البعث، مشيرًا إلى أن المائة والأربعين شخصًا الذين تم إبعادهم من جامعة تكريت كانوا مشمولين بقانون المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث.

يذكر أن الدستور العراقي منع عودة حزب البعث إلى الحياة السياسية بعد سقوط النظام السابق عام 2003، وتشكلت على إثرها هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث، لكنها لم تفرض عقوبات قضائية على أعضائه سوى الإبعاد من الوظيفة. ومنعت الهيئة التي تشكلت كبديل عن هيئة اجتثاث البعث مئات المرشحين من المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من اذار (مارس) عام 2010 نظرًا إلى ارتباطهم بحزب البعث.

وكانت الحكومة العراقية أقرّت في مطلع حزيران (يونيو) الماضي مشروع قانون يحظر نشاط حزب البعث، ويفرض عقوبات بالسجن تصل الى عشر سنوات، على من ينتمي الى هذا الحزب المنحل او الى الكيانات والأحزاب والانشطة العنصرية والتكفيرية.