يشير الاقتراح الذي قدّمه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي لإلغاء منصب الرئاسة إلى صراعٍ مريرٍ يستعر في أوساط النخبة السياسية في البلاد، بينما يستمر خامنئي وحلفاؤه في محاولة تقويض صلاحيات الرئيس الإيراني الطموح محمود أحمدي نجاد.


الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجادي (يمين) والمرشد الأعلى علي خامنئي

لميس فرحات: سلّطت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; الضوء على الاقتراح الذي قدّمه المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران علي خامنئي لإلغاء منصب الرئاسة، في إشارة إلى صراعٍ مريرٍ يستعر في أوساط النخبة السياسية في البلاد، بينما يستمر خامنئي وحلفاؤه في محاولة تقويض صلاحيات الرئيس الإيراني الطموح محمود أحمدي نجاد.

قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أثناء تجمّع أكاديمي في الأسبوع الماضي إن quot;تغيير الحكم في إيران إلى النظام البرلمانيquot; لن يكون مشكلة، فاعتبر تصريحه بمثابة ضربة جديدة في المعركة التي بدأت في نيسان عندما اجتاز نجاد الخطوط الحمر بانتقاد خامنئي علناً بشأن تعيينات مجلس الوزراء.

ويرى بعض المحللين أن الصراع على السلطة يعود إلى انتخابات 2009 الرئاسية المتنازع عليها، عندما أدت اتهامات التزوير والاحتجاجات الشعبية في الشوارع إلى تعميق الانقسامات وتهديد شعبية الزعيم الأعلى في أوساط الرأي العام والنخبة السياسية الإيرانية.

وعلى الرغم من أن أحمدي نجاد حاز تأييد المرشد الأعلى في كل من انتخابات 2009 و2005، فقد حاول الرئيس الإيراني بناء قاعدة سلطة مستقلة، ما أثار مخاوف العديد من المحافظين من طموح نجاد بدولة إيرانية، لا يتمتع فيها رجال الدين بالسلطة المطلقة.

وقد أدى هجوم خامنئي المبطّن على موقع الرئاسة الإيرانية إلى ردود فعل حادة ومتناقضة، فأيّد علي لاريجاني، رئيس مجلس النواب ومنافس أحمدي نجاد، الاقتراح، داعياً إلى نظام برلماني في إيران. بينما حذّر الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تتسم علاقته بالمشاحنة المستمرة مع المرشد الأعلى، من أن إلغاء موقع الرئاسة quot;سيكون مخالفاً للدستور، وسيضعف سلطة الشعب في الاختيارquot;، وفقًا لصحيفة quot;نيوز افتابquot; الإيرانية.

وقد ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، إذ نشرت إحدى الصحف اليومية المؤيّدة لأحمدي نجاد مقالاً يسخر من تصريحات المرشد الأعلى، لكن سرعان ما تم حذفه من موقع الصحيفة على الانترنت. ونقلت الصحيفة عن مجتبى واحدي، رئيس التحرير السابق لصحيفة quot;افتابquot;، قوله إن quot;النزاع في ايران بات خطراً جداً. لطالما أراد القائد الأعلى مزيداً من السيطرة على موقع الرئاسة، لكنه لم يتوقع أن تقابله مشاكل كهذه مع أحمدي نجادquot;.

واضاف واحدي أن إلغاء موقع الرئاسة من شأنه أن يعزز سلطة آية الله خامنئي، الذي عيّن قائداً أعلى لإيران منذ العام 1989، وذلك عبر سيطرته على مؤسسة واحدة بدلاً من اثنتين. وفي ظل نظام برلماني في ايران، سيقوم الناخبون باختيار رئيس الوزراء من صفوفهم.

وقال بعض المحللين إن الزعيم الأعلى قد لا يرغب في المخاطرة بتأجيج الصراع والمواجهة عبر إلغاء موقع الرئاسة في عهد نجاد، مشيرين إلى احتمال أن يكون خامنئي يهدف من خلال تصريحه إلى توجيه quot;صفعة خطابية بهدف ترويض الرئيسquot;. من جهة أخرى، أشار عدد من المحللين إلى أن إلغاء منصب الرئيس قد يكون محتملاً بحلول عام 2013، حين يقترب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو بعد ذلك بوقت قصير.

وقال كريم سجادبور، محلل سياسي في مؤسسة كارنيغي الدولية للسلام في واشنطن، إن أحد أسباب الرغبة في إلغاء النظام الرئاسي في إيران هو تجنب تكرار الانتخابات الرئاسية، في ظل حال من عدم الاستقرار السياسي، وتفادي الاضطرابات الشعبية التي ترافق هذه العملية.

واضاف: quot;في كلا الحالين، من الواضح أن آية الله خامنئي سيحاول ضمان أن يكون الرئيس المقبل أو رئيس الوزراء تابعاً ضعيفاً يمكن السيطرة عليها بسهولةquot;، مشيراً إلى أن الرؤساء الثلاثة المنتخبين في إيران منذ عام 1989 (رفسنجاني، وخاتمي وأحمدي نجاد) كانت لديهم أجندتهم وطموحاتهم الخاصة، فشكّلوا مصدر إزعاج للمرشد الأعلى، وإن بدرجات متفاوتة.

بهذا المعنى، يمكن أن تعزى التوترات الحالية إلى عام 1989، عندما تم تعديل الدستور في إيران لإنشاء رئاسة قوية كقوة موازية للزعيم الأعلى. وكان آية الله خامنئي رئيس الجمهورية الإيرانية قبل اتخاذ هذه التغييرات، حين تم إلغاء منصب رئيس الوزراء، الذي كان يشغله في ذلك الوقت مير حسين موسوي - زعيم المعارضة، الذي إدعى أن الانتخابات الرئاسية في عام 2009 قد سرقت منه بالاحتيال والتزوير.

وأحد أوجه النزاع بين نجاد وخامنئي هو الفضيحة المصرفية التي تتكشف في إيران، فقد اعتقلت السلطات عشرات من الناس في ما سمّي quot;خطة واسعة النطاق اختلاس 2.6 مليار دولارquot;، واتهم معارضو أحمدي نجاد الأشخاص المقربين منه، مثل رئيس أركانه ومستشاره اسفنديار رحيم مشائي، بتورطه في هذه الفضيحة.

الصراع المستمر أدى إلى انقسام حاد في أوساط النخبة السياسية الإيرانية، ويبدو أنه يقوّض دور المرشد التقليدي كوسيط. وعلى الرغم من أن آية الله خامنئي سحق الإصلاحيين وحركة المعارضة، التي قادت احتجاجات ضخمة في الشوارع في عام 2009، إلا أن تلك الأزمة مزّقت علاقته مع أفراد من المؤسسين القدامى في حرس الجمهورية الإسلامية، لا سيما رفسنجاني.