عراقيون يتظاهرون ضد البعث

يرى عراقيون التقتهم quot;إيلافquot; أن المعلومات التي قادت الى اعتقال البعثيين يشوبها quot;تضخيم وتضليلquot; متعمَّد لأغراض سياسية في لحظة يسودها عدم الثقة بين الأطراف، ومحاولة كل طرف التحكم في المنظومة السياسية، واثبات الوجود في مرحلة ما بعد الانسحاب.


بغداد: يتجادل أغلب العراقيين اليوم حول حملة الاعتقالات الواسعة ضد بعثيين سابقين، بين مؤيد ورافض، لاسيما وإنها تأتي متزامنة مع موجة نزوع بعض المحافظات إلى المزيد من الاستقلالية عبر تشكيل أقاليمها الخاصة، كما تحدث متزامنة مع الانسحاب الأميركي في العراق.

ومع ان الاعتقالات جاءت على خلفية معلومات تفيد كشف الجهات المعنية عن التخطيط لـquot;انقلابquot; من أجل السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد مطلع العام القادم، الا ان بعض العراقيين ممن التقتهم quot;إيلافquot; يرون في المعلومات quot; تضخيماً وتضليلاًquot; متعمّداً لأغراض سياسية في لحظة يسودها عدم الثقة بين الأطراف السياسية، ومحاولة كل طرف التحكم في المنظومة السياسية، واثبات الوجود في مرحلة ما بعد الانسحاب.

وفي هذا الصدد يقول ثامر عبد الله، الأستاذ في جامعة بابل (100 كم جنوب بغداد)، ان من الممكن ان يكون للبعثيين أنشطة إعلامية أو حزبية محدودة وعلى نطاق ضيق، أما ان تصل قدراتهم إلى حد القيام بانقلاب فهذا أمر يثير استغراب الشارع العراقي.

ويتابع: quot;حتى في الجامعات، لم يعد لنفوذ حزب البعث أي تأثير، كما ان نفوذه العلني في اغلب محافظات العراق انحسر إلى حد كبير بل ان اغلب البعثيين - ممن اعرف -تخلوا عن التنظيم وانخرطوا في الحياة العامة أو هاجروا إلى الخارجquot;.

ويضيف : quot;اغلب البعثيين المعروفين في محافظات الوسط والجنوب، يعيشون شبه محاصرين، واغلبهم في بيوتهم، وتنقلاتهم معروفة للجميع، كما ان حضورهم واضح للعيان كأشخاص تخلوا عن العمل السياسيquot;.

ومنع الدستور العراقي الجديد عودة حزب البعث إلى الحياة السياسية بعد سقوط النظام السابق عام 2003، ولتحقيق ذلك تشكلت هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث، التي مازالت إلى الآن مثار جدل كبير بين الأطراف السياسية.

ويقول علاء الجبوري من الحلة، وهو عضو فرقة سابق في حزب البعث وفصل من وظيفته لعدة سنوات حتى عاد اليها قبل اشهر، انه ترك العمل السياسي والتجأ إلى التجارة.
ويضيف : quot;اغلب البعثيين في بابل، اما هاجروا إلى خارج العراق أو اغتيلوا أو انعزلوا في بيوتهم ووظائفهم اذا لم يكونوا قد فصلوا منها.quot;

ويبدى الباحث الاجتماعي محسن فاضل الذي ترشح لانتخابات مجلس المحافظات في الدورة السابقة، لكنه لم ينجح في الترشح، ان نخبا مثقفة وسياسية تبدي قلقا من تداعيات الاعتقالات وخشيتها من أن تقود إلى أضرار للسلم الأهلي على حد تعبيره.

لكن ياسر سيد حسين المنتمي إلى التيار الصدري في محافظة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) يرى ان الاعتقالات ضرورية لدواع أمنية.

ويذهب سيد حسين في آرائه الى عكس ما يتصوره البعض، والتهم ليست باطلة، كما انها لن تقود البلاد إلى دوامة جديدة من العنف طالما أبدى الشركاء السياسيون مسؤولية وطنية تجاه البلاد.

وفي اغلب محافظات الوسط والجنوب لم تؤد الاعتقالات إلى مظاهرات منددة، حيث ابدى أكثر المواطنين قلقهم من ترافق ذلك مع موعد الانسحاب الأميركي، لكن محافظة الرمادي (110 كم غربي بغداد) و الموصل (465 شمالي بغداد) وصلاح الدين ( 160 كم شمال غرب بغداد )، شهدت احتجاجات على حملة اعتقالات لضباط سابقين بالجيش وأعضاء سابقين بحزب البعث المحظور الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل صدام حسين.

ويُرجِع الصحافي والباحث السياسي عباس الطائي من بابل خطوات بعض المحافظات لتشكيل أقاليم إلى حملة الاعتقالات في صفوف البعثيين التي أغضبت الأقلية السنية بوجه خاص.

واعتقلت السلطات الأمنية العشرات من ضباط الجيش السابقين الذين كانوا ينتمون لحزب البعث بسبب ما أعلنته السلطات من وجود مؤامرة محددة ضد الحكومة. لكن الطائي يرى فيها إجراءً وقائيا قبل انسحاب القوات الأميركية.

وبعيدا عن النخب السياسية و الثقافية، فان المواطن العراقي البسيط يقرأ الموضوع برمته ببساطة : صراع سياسي بين الأحزاب، وتغطية على عجز الحكومة والكتل السياسية كلها في تحقيق تقدم واضح في مجال الخدمات والأمن.
ويتحدث ليث جريان (40 عاما) وهو صاحب متجر، ان الاعتقالات ستذكي الصراع الطائفي والتوتر الأمني.

وفي الوقت الذي تظاهر الآلاف في مدن بمحافظة صلاح الدين منها سامراء و الشرقاط وتكريت ( شمالي بغداد) منددين بالاعتقالات، فان العوائل التي اعتقل أفرادها في بغداد والوسط والجنوب التزمت الصمت، ونأت بنفسها عن التصريح بالبيانات.

ويقول سمير الشيخلي الذي اعتُقِل أخوه في شمال بابل، انه تلقى تحذيرات من ان رفع صوته للاحتجاج سيؤدي إلى عواقب وخيمة. وفي ذات الوقت فان الشيخلي كلّف محاميا للدفاع عن اخيه المعتقل.

وبحسب السلطات فان العشرات من أعضاء سابقين بحزب البعث وضباط كبار سابقين بالجيش في محافظات صلاح الدين و ديالي وكركوك والبصرة والناصرية وبابل، كانوا عناصر فعالة في مخطط يقوده حزب البعث يسعى للانقضاض على السلطة بعد الانسحاب الأميركي.

ويرى أمين الجميلي من المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) ان إصدار مذكرات اعتقال لنحو 350 عضوا سابقا بحزب البعث فقط، لا يقود إلى الاستنتاج من ان مخطط الانقلاب كان جديا.

ويضيف: هذا العدد صغير جدا قياسا إلى الميلشيات المسلحة السرية للأحزاب الحاكمة، إضافة إلى القوة الأمنية الهائلة للداخلية العراقية، يضاف إلى ذلك القوة الضاربة للجيش العراقي في الداخل.

ويشكك المدرس سعيد البياتي والذي يصف نفسه بـquot;المستقل quot; في قدرة البعثيين على استعادة السلطة عندما تنسحب القوات الاميركية. ويتابع : اذا كان القضاء العراقي مستقلا فانه سيكشف الحقيقة الكاملة. لكن البياتي يرى ان القضاء ليس بمعزل عن تأثيرات السياسة.

وفي ذات السياق يرى الصحافي هاشم صالح ان هناك تضليل كبير في الاعلام ترافق مع حملة الاعتقالات. ويأمل صالح في تطبق معايير حقوق الانسان والالتزام بالإجراءات القانونية في المحاكمة.

وكان حزب البعث العربي الاشتراكي قد حُظر في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

ويقرأ الضابط العراقي المتقاعد حسين ساجت من النجف حملة الاعتقالات كما يلي : اجراء وقائي من حدوث أعمال عنف يمكن ان تتصاعد بعد الانسحاب الأميركي من العراق.

وكانت واشنطن قررت سحب قواتها الباقية من العراق وعددها نحو أربعين ألف جندي بحلول نهاية عام 2011.

المحامي اسماعيل الزبيدي من بابل ومن مناصري quot; دولة القانون quot; يرى ان الاعتقالات، وان جاءت وفق معلومات استخبارية مضللة فأنها ضرورية امنيا في وقت تنسحب فيه القوات الأميركية. لكنه يؤكد ان مؤامرة الانقلاب هي حقيقية، بحسب مصادره الخاصة.

ويقول حبيب السعبري ممثل لحزب الدعوة (بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي) في الهاشمية، ان الاعتقالات ضرورية لتحقيق الاستقرار التام بعد الانسحاب.

لكن علي عبد الحسين وهو من جمهور كتلة quot;العراقية quot; في المحاويل ( 70 كلم جنوبي بغداد) فيدعو إلى التدقيق في المعلومات والإفراج عن الأبرياء ممن لم تثبت بحقهم أي إدانة.

جدير بالذكر ان هيئة اجتثاث البعث راجعت قوانين الاجتثاث عام 2007 بشكل يتيح عودة نحو مليون ونصف المليون عراقي من أعضاء حزب البعث المحظور لوظائفهم.

ويعتقد حسين ان معلومات استخبارية غير دقيقة قادت إلى الاعتقالات، وتابع : quot;على الأغلب فان هذه المعلومات يشوبها خلط للأوراق وتعزيز التمسك بالسلطة من قبل الأطراف الحاكمةquot;.

واعتقلت القوات الأمنية خلال الفترة القليلة الماضية 615 من أعضاء حزب البعث المنحل بتهمة quot;إعادة تنظيم الحزب والتخطيط لقلب نظام الحكم وإثارة الفوضى في البلادquot;.

ويستنكر الدكتور في التاريخ فواد حسن التهويل الإعلامي لما حدث ويعتبره نتاج الصراع الدائر بين الأطراف السياسية. ويتابع : أي عملية سياسية أو إجراء امني أو مشروع ما، وان كان غير سياسي، فهو مثار خلافات دائما، بسبب الصراع.

ويبرر حسن ذلك إلى غياب الوعي السياسي، وquot; أمية التحليل السياسي quot; لدى السياسيين العراقيين وتغليب المصلحة الحزبية والطائفية على المصلحة الوطنية.

ويعتقد حسن ان الغرض من الاعتقالات واضح جدا، وهو أطلاق إشارة التحذير لكل من يحاول الإخلال بالأمن و لمن يطمع في أجندة خفية، في مرحلة ما بعد الانسحاب. و يتابع : الاعتقالات شملت المحافظات ذات الأغلبية الشيعية إضافة إلى السنية.

ويضيف أيضا: quot;لا ننسى الأجندة الانتخابية للأحزاب، فالمعارضون للاعتقالات يحالون طمأنة وسطهم الانتخابي لاسيما في المناطق السنية، في حين تحاول الإطراف الحاكمة بسط نفوذها أكثر لاسيما في المناطق الشيعية وتحاول ان تطمئن مناصريها أنها صاحبة القرار في العراقquot;.