بعد سقوط الزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي، دخلت ليبيا مرحلة جديدة تتطلب بناء الأسس الرسمية التي ستقوم عليها ليبيا الحرة والديمقراطية.
بدأت الجهود الليبية لبناء جيش قوي وموحد يضمن الأمن والاستقرار في البلاد. لكن هذه المحاولات لا تزال خجولة، فبناء الجيش عملية طويلة وصعبة تحتاج إلى جهد والتزام ودعم تقني واستراتيجي.

في هذا السياق، اشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن الجيش الوطني الليبي لا يزال هشاً، وفي مراحله الأولى التي تقتصر على التدريبات في القواعد الجوية المهجورة. كما أن الجنود لم يعبروا حتى الآن عن انضباطهم الكامل، إذ أن الفوضى تسود التدريبات، فالبعض منهم يجيب على الهواتف النقالة اثناء التدريب، أو يدخنون السجائر في وقت التمارين الرياضية، بالإضافة إلى النزاعات التي تنشب بين الأفراد لأتفه الأسباب.

ونقلت الصحيفة عن الجنرال عبد المجيد فقيه، وهو مدرس في الأكاديمية العسكرية انشق عن القذافي خلال الثورة ويشرف اليوم على التدريب العسكري، قوله: quot;ليس لدينا جيش منضبط. هذه البداية فقط، والخطوة الأولى للبناءquot;.

لم يكن لليبيا يوماً جيشاً وطنياً، على الرغم من أن الجيش هو حجر الزاوية في بناء الدولة الحديثة، فالجيش الليبي لطالما كان ضعيفاً ومنقسماً بشكل متعمد ليكون أداة في يد الحاكم ولتجنب حدوث انقلابات.

لكن الحكومة الانتقالية التي تحاول بناء الجيش الليبي الجديد تعاني من انقسامات في صفوفها، الامر الذي يجعل من هذه العملية الضرورية مهمة صعبة للغاية. فوحده الجيش القوي سيكون قادراً على فرض احترامه على الشعب الليبي وسيقنع أو يجبر الميليشيات المتنافسة والمدججة بالسلاح في أنحاء البلاد على إلقاء السلاح والانضمام إلى الجيش تحت قيادة موحدة.

يحاول الجيش الليبي فرض هيبته من خلال تنظيم مسيرات في أنحاء البلاد، سواء بالمظلات أو الطلعات الجوية أو العروض العسكرية الآلية، لكن حتى ضباط القوات العسكرية الجديدة يقولون انهم يواجهون تحديات في تأمين الدعم الوطني والاحترام الشعبي للجيش، وذلك لصعوبة كسر العادات القديمة من المحسوبية والولاءات.

وتقول الصحيفة إن الجيش الجديد يتطلب دعماً تقنياً ولوجستياً، فالجنود بحاجة إلى ثكنات وزي رسمي وآليات عسكرية، وأحذية وأجهزة مختلفة. وبدلاً من وجود قيادة مركزية موحدة، يتم تشكيل الجيش من قبل لجان مختلفة في مدن مختلفة، وفقاً لنموذج الميليشيات المتنوعة التي خاضت الحرب ضد القذافي. وربما الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن الميليشيات في جميع أنحاء البلاد ترفض اتباع الأوامر.

في أول مهمة له قبل أكثر من أسبوع، أرسل الجيش 100 جندي لقرية المايا غرب العاصمة، للفصل بين ميليشيات متقاتلة ولاستعادة السيطرة على قاعدة قديمة للجيش بعد أن تحولت إلى كومة من الدمار الخراب بسبب القصف.
ويعتبر نجاحه في التفاوض على تسوية مؤقتة بين الميليشيات بعد أربعة أيام من المعارك التي خلفت ما لا يقل عن 13 قتيلاً، نموذجاً لبناء جيش جديد يمكن أن يكون بمثابة قوة للتوحيد.


لكن إحدى الميليشيات في بلدة الزاوية، لم تحافظ على وعدها بالتخلي عن السلاح، وأقامت حواجز على الطريق الرئيسي على بعد ميلين الى الغرب من قاعدة الجيش كدليل على الرفض. ووقف افراد الميليشيا بسلاحهم فوق شاحنات صغيرة، وسط إصرار على أنهم لن يرحلوا ويتركوا السلاح.
ونقلت الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن النقيب حكيم شرم اجوري، قائد الجيش المحلي في قرية المايا، قوله: quot;اننا لا نستطيع ان نقول لهم أن يسلموا بنادقهم، فناك عدد كبير من الليبيين الذين يرفضون تسليم أسلحتهمquot;، مشيراً إلى أن هذا الإصرار سيعرقل بناء الدولة الليبية ويهدد الاستقرار فيها.

ويقول قادة الجيش والقوات الخاصة أن عملية بناء الجيش لا تقتصر على التدريب فقط، بل تهدف إلى حماية المباني الحكومية ومطاردة مجموعات صغيرة من أنصار القذافي الذين لم يستسلموا حتى الآن.

وقالوا انهم يعتزمون بناء الجيش بشكل منهجي: أولاً، يتم تشكيل لجان في المدن في مختلف أنحاء البلاد لإجراء مقابلات مع مقاتلي ميليشيا وتحديد من منهم سينضم إلى الجيش، أو الشرطة، ومن سيعتبر غير مؤهل لحمل السلاح. كما سيتم تعيين مهام خاصة للأشخاص الذين يتمتعون بمهارات وقدرات تكنولوجية مثل استخدام الكمبيوتر.

كما يسعى قادة الجيش إلى تدريب أفراد الميليشيات الذين لا يمتلكون خبرات عسكرية، إضافة إلى إعادة تدريب الأفراد القدامى.
وقال الجنرال فقيه: quot;هناك حاجة إلى الكثير من التغييرات، ففي السابق عمد الجيش إلى تدريب الإرهابيين، وهذا لن يحدث بعد الآن. يجب أن نغير الأساليب التي يتعامل بها الجيش مع الشعب، واسلوب التواصل بين الضباط والجنودquot;.