مدينة طرابلس في ليبيا |
يعيش أبناء مدينة طرابلس أجواء الحرية الحديثة التي خيمت على بلدهم بعد رحيل القذافي، حيث انتشرت مظاهرها في الشوارع وبدت على التجار ملامح السعادة. إلا أن البعض يعتبر أن الحرية لا تتمثل في التصرف فقط بل في الاحترام أيضاً.
لندن:لم تعد طرابلس عاصمة دولة بوليسية ولكن ما اصبحته في ظرف اسابيع قليلة يبعث على التفاؤل والقلق في آن واحد. فتجار المخدرات يروّجون بضاعتهم علناً وسط المدينة في ساحة الشهداء التي كانت تُسمى الساحة الخضراء في زمن العقيد معمر القذافي، وسائقو السيارات يمرّون متحدين اشارة المرور الحمراء في حين تتسبب التظاهرات السياسية بتعطيل حركة السير. وما زال افراد الميليشيات غير النظامية التي حلت محل الشرطة القذافية في العديد من الأحياء، لا يبدون انضباطا يُذكر في استخدام أسلحتهم التي تنطلق نيرانها بطريق الخطأ أو يطلقها أصحابها في الهواء بلا سبب ظاهر.
طرابلس مدينة صاخبة ذات مليونين تقريبا، ميناؤها مزدحم وتطرزها آثار رومانية واسوار قديمة بناها العثمانيون وغيرهم من الفاتحين والغزاة. ولكن ما يحدث هذه الأيام في المدينة، رغم ما شهدته من تغيرات جذرية على مر القرون، لم يكن أحد يتصوره قبل أسابيع قليلة عندما حاول القذافي ان يتطفل على حياة الليبيين بكل تفاصيلها.
كانت نوافذ السيارات المظللة ممنوعة ولكن اصحاب السيارات في كل مكان يستخدمون البلاستيك المظلل بالاخضر على نوافذ سياراتهم لاتقاء ضوء الشمس الحارقة وتعبيرا عن حريتهم المكتسبة حديثا ايضا. وكان باعة الخضار والفواكه ممنوعين من بيع بضاعتهم في غالبية الشوارع، والآن تتجمع عرباتهم وبسطاتهم لبيع الموز والبرتقال تحت الجسور والطرق المعلقة وعلى جوانب الساحات والدوارات طلبا للرزق، ولكنهم يسهمون في تفاقم الاختناقات المرورية.
وكانت اللغة الانكليزية ممنوعة على اليافطات العامة. والآن انتشرت اليافطات الإنكليزية في كل مكان رغم أن قلة من الليبيين يفهمون ما تقول. ولكنها تعبير آخر عن الحرية واستعداد البلد للانفتاح على العالم. وتقول إحدى اللوحات الاعلانية التي علقتها بلدية المدينة، إن لطرابلس نبضا جديدا مصورة مقاتليَن يتعانقان. وهناك الكثير من الشعارات المكتوبة على الجدران خطها اصحابها بالانكليزية، اكثرها انتشارا شعار يقول quot;ليبيا حرةquot;، وبعضها حتى يقول quot;شكرا ناتوquot;. كما تنتشر العديد من الرسوم الكاريكاتيرية التي تسخر من الدكتاتور بتصويره في زي مهرج أو وضع رأسه على جسم حيوان.
ويقول غالبية سكان طرابلس إنهم لم يكونوا ذات يوم اكثر سعادة، ولكن ما زالت هناك اسباب للتوجس. وتنقل صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; عن ساره ابو الهر التي تدرس القانون في جامعة طرابلس quot;ان الناس لا يفهمون معنى الحرية وهم يعتقدون أن الحرية هي أن تفعل ما يحلو لك ولكن الحرية يجب ان تعني ان الجميع يحترمون حاجات الآخرينquot;. واضافت ان الحرية تعني عدم التجاوز.
واشارت ساره ابو الهر إلى ان العديد من زميلاتها الطالبات رمين الحجاب بصورة مفاجئة.
وقال الممرض عثمان عبد الخالق من مستشفى طرابلس المركزي ان ليبيا بلد جديد والليبيين سعداء لأنهم يستطيعون التكلم بحرية. ولكنه لاحظ جانبا سلبيا في الحرية الجديدة، مشيراً إلى أن السائقين الليبيين كانوا دائما معروفين بقيادة سياراتهم بسرعة، والانتقال من ممر الى آخر بصورة خطيرة ولكن هذه الممارسات الطائشة بلغت ذروة جديدة مؤكدا ان 15 شخصا على الأقل يدخلون المستشفى يومياً جراء إصابات تعرضوا لها في حوادث سير. وأضاف عبد الخالق وهو مغترب سوداني يعيش في ليبيا منذ 32 عاما أن شخصين يدخلان غرفة الطوارئ كل يوم لاصابتهما بطلقات نارية. وبدأت الحكومة الجديدة بناء جيش وطني وتنظيم قوات الشرطة الوطنية والمحلية. وكان لدى طرابلس نحو 4000 شرطي مرور ولكنّ كثيرين تركوا العمل والقيادة السابقة سُرحت.
وكانت الرشوة المصدر الرئيس لدخل شرطي المرور ولكن هذه العادة القديمة تغيرت الآن. وقال شرطي المرور مبروك علي، إن وقت ملاحقة المخالفين لم يحن بعد ويتعين نزع أسلحة الميليشيات اولا.
ولا يبدو أن غياب الشرطة النظامية أدى الى موجة جرائم تتعدى انتشار الرذيلة. ويشكو الليبيون من سرقة السيارات ولكنهم يقولون إنهم يشعرون بالأمان في الشارع. ويؤكد التجار أنهم لا يخشون تعرضهم لعمليات سطو. ونقلت صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; عن صادق كحيل الذي يملك محل مصوغات أن لدى الليبيين نظرة دينية وأن من قاتلوا من أجل بلدهم لا ينقلبون ويبدأون بسرقة المخازن.
وأضاف أن هناك مشاكل quot;ولكن كل شيء ممكن الآن بعدما تخلصنا من ذلك المتسلط المعتوهquot;.
ولكنّ تجارة أخرى ازدهرت في الأحياء الفقيرة حيث تُباع علنا الحشيشة والبوخة وهي مشروب كحولي محلي يُصنع من التين. وكان بيع المخدرات والكحول وما زال ممنوعا ولكن الزبائن يدخلون هذه الاحياء بلا خوف والباعة لا يكلفون أنفسهم اخفاء نشاطهم. وقال بائع تحدث لصحيفة quot;نيويورك تايمزquot; مقدما نفسه باسم ابراهيم، إن ليبيا quot;مختلفة الآن مئة في المئةquot;، عارضاً صناديق من الويسكي والفودكا والنبيذ الأحمر التونسي وقطعا من الحشيش على زبون في المرآب الذي يمارس منه تجارته الممنوعة. وقال ابراهيم ان quot;كل شيء جيد ونحن أحرارquot;.
التعليقات