رغم الأجواء الشتوية الباردة التي تشهدها الجزائر خلال هذه الأيام، إلا أن المشهد السياسي بات حارًا وساخنًا، في ظل التصريحات النارية بين مختلف القيادات السياسية الفاعلة. فهناك من يستبعد وصول الإسلاميين إلى الحكم في البلاد، ومن يسعى إلى النضال من أجل منعهم من ذلك، وآخرون يرفضون ذهنية التخويف والتضخيم.


خليدة تومي جاب الله غلام الله ولويزة حنون

بودهان ياسين من الجزائر: بداية المعركة كانت عبر تصريح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الذي quot;استبعد وصول الإسلاميين إلى الحكم في الجزائرquot;، مرورًا بحديث نائب برلماني نقل عن وزيرة الثقافة خليدة تومي ذات التوجه العلماني، قولها إنها quot;ستناضل من أجل عدم وصول الإسلاميين إلى الحكمquot;، وصولاً إلى تصريح زعيمة حزب العمال التروتسكي لويزة حنون التي أكدت أنه quot;لا يمكن للإسلاميين الوصول إلى الحكم من دون إعطاء ضوء أخضر من فرنسا وأميركاquot;.

هذا النقاش الساخن بدأ بعد استبعاد وزير الشؤون والدينية والأوقاف أبوعبد الله غلام الله وصول الإسلاميين في الجزائر إلى الحكم خلال الانتخابات التشريعية والبلدية المرتقبة في السنة المقبلة، وقد أكد الوزير حينها أنه quot;على الإسلاميين الانتظار كثيرًا من أجل تحقيق هذا المسعى، وتكرار تجربتي الجارتين تونس والمغربquot;.

وحسب غلام الله، فإن السبب في ذلك يعود إلى أن quot;التشكيلات السياسية ذات التوجّه الإسلامي في الجزائر غير قادرة على تحقيق الغالبية حتى بطريقة نسبيةquot;، وأضاف الوزير أن quot;الحركة الإسلامية في تونس والمغرب أكثر انفتاحًا منها في الجزائر، وذلك تعليقًا على تجربة الجبهة الاسمية للإنقاذ المحلة، التي فازت بالغالبية في الانتخابات النيابية عام 1992quot;.

هذه التصريحات من قبل شخصية رسمية مهمة، فتحت المجال أمام نقاش سياسي واسع بين مختلف الأطياف السياسية، خاصة في ظل آثار الربيع العربي، والتي شكلت معها خارطة سياسية جديدة لدول الجوار، بعد وصول التيار الإسلامي إلى اعتلاء سدة الحكم في كل من تونس والمغرب، وتكرار التجربة نفسها في دولة شقيقة هي مصر.

في هذا السياق، وصفت زعيمة حزب العمال التروتسكي لويزة حنون أن quot;صعود التيار الإسلامي بعد مخاض أحداث أكتوبر، لم يكن مسارًا عاديًا للديمقراطيةquot;، بل ما قامت به هذه الحركات، حسب حنون، هو quot;ركوب الموجة بمساعدة من طرف النظامquot;.

وأضافت أن quot;اعتلاء الإسلاميين الحكم بعد الثورات ليس حتميًا، وليس خيارًا شعبيًا حتىquot;، معتبرة أن quot;الأوضاع في تونس بعد فوز حركة النهضة مفتوحة على كل الاحتمالات، في حين تبقى الأوضاع مرهونة وغير واضحة المعالم بالنسبة إلى مصرquot;، واتهمت الإسلاميين في الدول العربية، ومن بينها الجزائر ومصر وتونس، بولائهم للغرب، وأن quot;انتصارهم جاء بعد تقديمهم ضمانات للخارج قبل الداخلquot;.

خليدة تومي
عبد الله جاب الله
لويزة حنون
أبوعبد الله غلام الله
فاتح ربيعي

ووجّهت حنون انتقادات حادة لرئيس حزب العدالة والحرية عبد الله جاب الله، وهو حزب قدم أوراق اعتماده على مستوى وزارة الداخلية، وينتظر الحصول على ترخيص بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد، بعد زيارته الأخيرة إلى سفارتي فرنسا وأميركا، واتهمته بالسعي والبحث عن دور في ظل المتغيرات الجديدة التي يعيشها العالم العربي، خاصة بعد تصريح جاب الله، الذي قال إنه مستعد لتولي الحكم في الجزائر.

خلال حلولها ضيفة على أسير القناة الإذاعية الثالثة، استغربت حنون مثل هذا التصريح، وquot;حزبه لم يحصل بعد على اعتمادquot;، منتقدة بذلك تجربة الإسلام السياسي في الجزائر، ومؤكدة في الوقت نفسه أن quot;الجزائريين تعلموا جيدًا مما حدث خلال التسعينيات، وما زلوا يتجرعون آثار المأساة الوطنية حتى الساعة، فلماذا يبحث البعض اليوم عن الحكم، ويبحث عن إشارة من فرنسا وأميركاquot;.

ونفت حنون أن quot;يكون الإسلاميون في الجزائر أو غيرها من الدول يمثلون الغالبية، بل هم أقل من نصف المجتمع بكثير، وفوزهم في المغرب تحديدًا جاء بسبب غياب التوازن في الساحة السياسية مع التيار الديمقراطي الاشتراكي، على غرار ما نمثله نحن في حزب العمال في الجزائرquot;.

في سياق متصل، نقلت وسائل إعلام محلية أمس عن قيادي في الاتحاد النقابي العمالي الأميركي خلال مشاركته في أعمال مؤتمر الطوارئ الدولي المنعقد في الجزائر قوله إن quot;أميركا حضرت مجلسًا انتقاليًا جزائريًا، من خلال تنسيقها مع شخصيات جزائرية، على غرار ما حدث في ليبيا وتشكيل المجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبد الجليل، هذا المجلس كان سيتم الإعلان عنه في حال نجاح ثورة 17 سبتمبر الماضي، لكن الجزائريين رفضوا الاستجابة لدعوات الخروج إلى الشارعquot;.

وحسب ألان بنجامين، نقلاً عن مصادر وصفها بالموثوقة، فإن quot;أسماء أعضاء المجلس تم ضبطها، لكن لم يتم الكشف عن اسم أي شخصquot;، هذا التصريح الخطر سيفتح بلا شك الباب لنقاش واسع ومهم حول فحوى اللقاءات، التي جرت بين سياسيين جزائريين، ونظرائهم في السفارة الأميركية.

لكن تصريح وزيرة الثقافة خليدة تومي كان الأعنف في هذا المنحى،جاء ذلك خلال إحدى جلسات البرلمان، حيث نقل النائب الإسلامي وهاب قلعي، المنتمي إلى حركة الدعوة والتغيير، المنشقة عن حركة مجتمع السلم الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين، قولها quot;إنها ستناضل من أجل عدم وصول الإسلاميين إلى الحكم في الجزائرquot;، وذلك ردًا على استفسار هذا النائب خلال مناقشة قانون ضبط الميزانية عن بطء إنجاز مشاريع ثقافية في محافظته. في المقابل يتم صرف أموال ضخمة في مهرجان الرقص والغناء، فأجابت الوزيرة بقولها quot;عندما تصلون إلى الحكم إفعلوا ما شئتم، أنا عينا رئيس الجمهورية في هذا المنصب، سأناضل لكي لا تصلوا إلى الحكمquot;.

إلا أّن خليدة تومي أعلنت أنها quot;ستطلب بشكل رسمي رفع الحصانة عن هذا النائب لخرقه قواعد العمل والنظام الداخلي للمجلس والأحكام المرتبطة بالعلاقة بين المجلس والحكومة، بعد تسريبه للصحافة مضمونًا مخالفًا لما تم تداوله في اجتماع مع اللجنة كان مخصصًا لمناقشة صرف ميزانية قطاع الثقافة لعام 2009، في إطار قانون ضبط الميزانية''.

في الاتجاه الآخر، اتهم قيادي في حزب جاب الله لخضر بن خلال في تصريح لـ quot;إيلافquot; لويزة حنون بمحاولة تأليب السلطة ضد الإسلاميين خوفًا من فقدان موقعها السياسي، الذي اكتسبته في ظل غياب جاب الله عن المعترك السياسي، واعتبر أن quot;حديث حنون عن إعلان جاب الله تولي الحكم عار من الصحة، وهو تصريح مفبركquot;.

وعن لقاء جاب الله مع سفيري فرنسا وأميركا، قال بن خلاف quot;هذا اللقاء تم عقده في مقر الحزب، بناء على طلب هؤلاء، ولم يتم التطرق حينها إلى قضية اعتماد الحزب، لأن هذا الأمر متعلق بوزارة الداخلية الجزائرية، وليس بوزارة أميركيةquot;.

من جانبه، فتح الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني حملاوي عكوشي، خلال ندوة صحافية عقدها في مقر الحزب في الجزائر العاصمة، النار على زعيمة حزب العمال، ومن وصفهم بـ (الشيوعيين الجزائريين)، الذين أصبحوا ـ بحسبه ـ يروّجون أفكارًا، تعتبر أن الحركات الإسلامية في الجزائر لا يمكنها تحقيق ما حققته نظيراتها في تونس ومصر والمغرب، وأضاف عكوشي quot;إن الإصلاح لن تقصي أحدًا مهما كان لونه السياسي أو لأي سبب كان، معتبرًا أن الشعب هو صاحب السيادةquot;.

أما النائب عن حركة الدعوة والتغيير قلعي وهاب فرد على تصريحات خليدة تومي، التي طلبت فيها رفع الحصانة البرلمانية عنه، عبر بيان أصدره وتسلمت quot;إيلافquot; نسخة منه، جاء فيه ''الحصانة البرلمانية يعطيها الشعب للنائب، ليعبّر عن إرادته الحرة والسيدة، ويؤدي دوره الرقابي على الأموال العمومية، التي تصرفها الحكومة، ولا يمكن أن تنزعها وزيرة معينة في حكومة''.

وحسب النائب فإن ''كلام الوزيرة بخصوص حقائق ثابتة ومؤكدة، تضمن عنفًا لفظيًا وتهديدًا مباشرًا، نأسف لكونه صادرًا من عضو في الحكومة، في عهد تسعى فيه الجزائر إلى تكريس الديمقراطية ومزيد من الحريات''، مشيرًا إلى أنه ''يعتبر تصريح الوزيرة خليدة تومي،كاشفًا عمّا تحمله من أفكار وتوجهات ترفضها وتمقتها غالبية الشعب، ومخالفًا للسياسة المنتهجة من طرف الدولة، في إطار الإصلاحات التي دعا إليها رئيس الجمهورية''.

حركة النهضة من جانبها لم تشذّ عن القاعدة، ودخلت معركة التصريحات، واعتبر أمينها العام في بيان رسمي تسلمت quot;إيلافquot; نسخة منه أن تصريح وزيرة الثقافة تومي بعدم قدرة الإسلاميين في الجزائر على الوصول إلى الحكم هو quot;إهانة للدولة الجزائرية، وخروج عن الأعرافquot;، ومن الواجب التحفظ الرسمي عليه من قبل الدولة.

وطالب ربيعي بإقالة وزيرة الثقافة من منصبها بقوله quot;من يريد أن يعبّر عن قناعاته الشخصية له ذلك، ولكن، بعد أن يقدّم استقالته من منصب الدولة، الذي هو ملك لجميع الجزائريين، بمن فيهم الإسلاميونquot;.

أخيرًا، تأسف ربيعي قائلاً quot;رغم حدوث متغيرات مهمة في المجتمع الجزائري، إلا أن هناك من يعمل على نشر ثقافة الحقد بين الجزائريين، ويجعلها هي السائدة، ويريد أن يعيد عجلة التاريخ إلى مرحلة التسعينات من القرن الماضيquot;.

من جهته فسّر عبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية تصريحات وزير الأوقاف بأنها quot;جاءت بصفته عضوًا في حزب التجميع الوطني الديمقراطي عضو التحالف الرئاسيquot;، مؤكدًا أن quot;التيار الإسلامي فاز في كل الانتخابات التي شارك فيها، ولكن السلطة استغلت ما حدث في عام 1991م، وتعمدت بعد ذلك تزوير الانتخاباتquot;.