بيروت: احدثت الثورات العربية التي اندلعت منذ بدء العام 2011 انقلابا في الخارطة السياسية للشرق الاوسط، ممهدة لبروز كتلة اسلامية سنية في مقابل تراجع دور ايران والمحور الاستراتيجي الذي تشكله مع سوريا، بحسب ما يرى محللون.

ورأى الامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى في تصريح اخيرا ان العالم العربي quot;لن يكون كما قبل بعد اليومquot;، اذ ان quot;الاحداث الحالية تفتح الطريق امام نظام اقليمي جديدquot;.

وقد يشهد هذا النظام الجديد تراجعا في نفوذ القوى التقليدية المتنافسة في المنطقة مثل ايران والسعودية لصالح محور جديد طابعه اسلامي بزعامة مصر وتركيا.

ويقول شادي حميد من مركز quot;بروكينغزquot; للدراسات في الدوحة لوكالة فرانس برس quot;هناك بروز لكتلة سنية تضم مصر وتركيا وليبيا وتونس وربما المغرب، ومن المحتمل ان تنضم اليها سورياquot;.

ويضيف quot;كل هذه الدول يغلب فيها الان التوجه الاسلاميquot;.

ويتابع حميد هذه الدول تضاف اليها قطر النافذة quot;لديها مصلحة مشتركة في ان تكون لها سياسة خارجية اكثر استقلالية غير مرتبطة لا بالولايات المتحدة ولا ب+محور المقاومة+ الايراني السوريquot;.

وتقول الخبيرة في شؤون الشرق الاوسط انياس لوفالوا ان مصر quot;ستستعيد دورها الاقليمي الذي فقدته خلال السنوات الاخيرةquot;، بعد تجاوز المرحلة الانتقالية التي اعقبت سقوط الرئيس السابق حسني مبارك.

وتضيف quot;الحكومات المقبلة المتسلحة بمشروعيتها الشعبية، ستكون فاعلة اكثرquot;.

ويتوقع مدير معهد كارنيغي للشرق الاوسط بول سالم ان يؤدي quot;الربيع العربي الى تقليص التأثيرات الخارجيةquot; في المنطقة، على غرار ما جرى في تركيا التي خرجت خلال السنوات الاخيرة من الفلك الاميركي واصبحت ذات قرار مستقل.

واكتسبت تركيا في عهد رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان شعبية واسعة في العالم العربي، اثر نجاح نموذجها الاقتصادي وبعد مواقفها الداعمة للفلسطينيين ودورها كوسيط في عدد من القضايا الاقليمية.

لكن دورها تعزز مع مواقفها المساندة للحركات الاحتجاجية الشعبية العربية، لا سيما في سوريا.

ويرى حميد ان quot;تركيا لم تعد قوة اقليمية عادية، بل قوة عظمى في المنطقة (...) لقد وضعت نفسها في الجانب الصحيح من التاريخquot; من خلال دعمها الديموقراطية.

وبعد انكفاء دام عقودا، بدت الجامعة العربية اكثر حيوية بعد اعطائها الضوء الاخضر للعمليات الجوية لحلف شمال الاطلسي في ليبيا، ومن ثم من خلال فرضها عقوبات على دمشق على خلفية قمع المحتجين.

وتشير لوفالوا الى عامل اساسي في قرار الجامعة، هو وجود quot;رغبة قوية لا سيما لدى امارات الخليج السنية بضرب المحور الشيعي الذي تمثله ايران وسوريا وحزب اللهquot;.

ويرى حميد ان quot;سقوط سوريا سيشكل ضربة قاصمة لايرانquot; التي بدأ دورها يتراجع فعلا مع التطورات التي تشهدها المنطقة، مضيفا quot;من وجهة نظر الاميركيين، ان سقوط (النظام السوري) يشبه اصابة ثلاثة عصافير بحجر واحد أي اضعاف سوريا وايران وحزب اللهquot;.

ويضيف quot;لقد انتهى زمن الصعود الايراني، ولم يعد احد يتكلم عن +نموذج ايراني+، لان طهران تبدو بوضوح كقوة غير ديموقراطية عملت ايضا على قمع شعبهاquot;، في اشارة الى انهاء الحركة الاحتجاجية على اعادة انتخاب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في العام 2009.

ويقول بول سالم quot;قبل سنوات، كان ينظر الى ايران وحزب الله كأبطال (في مواجهة اسرائيل). أما اليوم فان احمدي نجاد يوضع في خانة الحكام المستبدينquot; العرب الذين انتفضت عليهم شعوبهم.

وقد تحمل الانتخابات التشريعية الايرانية المقررة في اذار/مارس 2012 تطورات في المشهد الايراني، بتأثير من quot;الربيع العربيquot;.

وفي ظل هذه التغييرات، سيظل لبنان ساحة تتردد فيها انعكاسات التطورات الجارية في المنطقة، لا سيما في سوريا المجاورة، بحسب لوفالوا.

أما اسرائيل التي ابدت تخوفها من quot;شتاء اسلاميquot;، فهي في وضع لا تحسد عليه، رغم ارتياحها لتراجع الدور الايراني.

ويقول حميد quot;ان الحكومة الاسرائيلية متوجسة كثيرا في الوقت الحالي (...) تخشى ان يؤثر الربيع العربي سلبا على امنهاquot;.

ويضيف انها تتخوف من بيئة اسلامية معادية، quot;ما يدفعها للانغلاق على نفسهاquot;، وهذا سينعكس حتما على مسار عملية السلام المتعثرة اصلا.

أما المملكة العربية السعودية التي تحاول اللحاق بصعوبة بالتطورات المتسارعة في المنطقة، فتبدو كذلك في وضع المنكفىء بعض الشيء.

ويقول حميد ان السياسة السعودية quot;قائمة على استيعاب المشاكل لابقاء الامور كما هي عليه، لذلك تجد صعوبة في مواكبةquot; التطورات التي quot;ستضعفها على المدى البعيدquot;، مضيفا quot;ما زالت الرياض تستخدم وصفات قديمة في منطقة تتغير بسرعةquot;.