شخصية الدكتاتور الصغير

تبنى المتظاهرون المناهضون لنظام الرئيس السوري بشار الأسد نهجاً جديداً في التعبير عن آرائهم، من خلال الرقص الجماعي والغناء والموسيقى والتمايل، آملين في تحقيق الديمقراطية بعيداً عن الحرب الأهلية، ولكي يثبتوا أن نيتهم التغيير وليس القتل والعنف.


بيروت: من بين مئات الآلاف من المتظاهرين في مختلف أنحاء العالم العربي، تبنى المتظاهرون السوريون، تحديداً في حمص المضطربة، نهجاً موسيقياً غير اعتيادي للتعبير عن ثورتهم ورفضهم للقمع والدكتاتورية.

يعبر هؤلاء عن مطالبهم من أجل التغيير من خلال الإيقاعات الجذابة والرقص الجماعي، وبات الإبداع الفني وسيلتهم للإحتجاج، حتى أن أحد المشيعين في الشوارع هذا الشهر بدأ بالرقص أثناء تشييع جنازة أحد المعارضين، في ما يبدو بأنها موجة عصرية كسرت طقوس الحداد الحزينة.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن المحتجين لجأوا إلى هذا النوع من التظاهرات بمزيج من ردات الفعل الجسدية والنفسية، نتيجة القمع والعنف الذي يتعرضون له من قبل قوات النظام السوري.

ونقلت عن المتظاهر الذي بدأ بالرقص في الشارع أثناء تشييع أحد المعارضين، الذي رفض التعريف عن هويته مثل كل السوريين خوفاً من الاقتصاص، قوله: quot;لا أحد قال لي ان أرقص، شعرت بذلك. لقد كان غريباً لكني أحببته. لقد تغير شيء ما في أذهان السوريينquot;.

وقال المشاركون إن الرقص هو رمز، يهدف إلى إثباتٍ بسيط وهو أنه على الرغم من أشهر القمع الدموي، فالناس يشعرون بالنشوة في السعي إلى الحرية، وهذا لا يمكن قمعه.

يشير عروة نيربية، مخرج الأفلام السوري، إلى أن المجتمع اتحد بالخوف، وأن الناس لم يتحدوا من قبل على أي شعور ايجابي، مضيفاً quot;لكن هناك شعور وطني جديد وحّد القاعدة الشعبية وهو شعور يستمدّ جذوره من الناس وليس من النظامquot;.

إضافة إلى الرقص والغناء، ابتدع الشعب السوري أساليب جديدة للتعبير عن رأيهم وثورتهم، فقام أحدهم بإنشاء صفحة خاصة على موقع التواصل الإجتماعي quot;فايسبوكquot; تتحدث عن الثورة الصينية، وهو غطاء للتحدث عن مجريات الثورة في سوريا، إنما بغلاف مزيف. وتسخر الصفحة من الحكومة السورية على مستويات عديدة، ليس أقلها الموقف الرسمي الذي يتهم الثورة بأنها مصدرة من الخارج تنفيذاً لمؤامرة خارجية. وتصف صفحة الفايسبوك كل نشاطات واعمال المناهضين للحكومة في سوريا كما لو انها حدثت فى الصين. استبدلت دمشق ببكين، والرئيس السوري بشار الاسد في سوريا هو الرئيس الصيني هو جين تاو.

وفي صفحة أخرى، على الفايسبوك تحت اسم quot;مغسل ومشحم حمص الدولي للدباباتquot; ويتابع أيضاً الأحداث بطريقة ساخرة، مثل مطالبة الحكومة بعدم سحب دباباتها من المناطق المدنية خوفاً من quot;أن تفلس الأعمال التجاريةquot;.

وعمل عدد من المعارضين السوريين على تركيب الخدع والمقالب، لا سيما في دمشق، حيث صعد أحدهم إلى مبنى في الميدان الرئيس وبث تسجيل تظاهرة مناهضة للحكومة في حمص، على أنها تجري الآن في دمشق. ويقول إن خدعته نجحت لأن قوات الأمن اتجهت فوراً نحو وسط دمشق وبحثت بجنون عن الاحتجاجات حتى تقمعها، لكنها لم تجد شيئاً وكادت تفقد صوابها.

في خدعة أخرى، رسم عشرات من المحتجين كلمات quot;ارحلquot; و quot;حريةquot; على كرات بيضاء صغيرة بالحبر الأحمر والأزرق، ثم رموها على تلة فوق منزل الرئيس الأسد. وأظهر شريط فيديو مصور الكرات البيضاء تتدحرج من فوق التلة، فيما يقول الناشطون إن رجال الأمن المسعورة كانت تجوب الشوارع لجمعها.

وأشارت الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أنه من الصعب التدقيق في مدى صحة هذه الأحداث لأن الحكومة لم تسمح سوى لعدد قليل من الصحافيين الاجانب بالدخول الى البلاد، ولفترة زمنية محدودة. لكن أشرطة الفيديو التي تنشر باستمرار على موقع quot;يوتيوبquot; تؤكد إبداع الثورة السورية.

أحد مقاطع الفيديو الجديدة على quot;يوتيوب، يسمى quot;يوميات الدكتاتور الصغيرquot; وهو عبارة عن سلسلة من 15 جزءاً مع ترجمة باللغة الإنكليزية، ويقدم أحداث الأزمة السورية من خلال أربع دمى متحركة. الشخصية الرئيسة التي تقدمها اليوميات تدعى quot;بيشوquot; وهو الاسم المستعار لتسفيه الرئيس الأسد، وتمثلها واحدة من الدمى المتحركة بوجه طويل وأنف مستدق وعينين جاحظتين وأذنين طويلتين.

وقال واحد من المبدعين الذي يعمل على تصور اللقطات إن الدمى المتحركة سهلة التهريب عبر نقاط التفتيش الحكومية، وقال انه يحب فكرة quot;تقديم الرئيس بهذه الطريقة التي تبعده عن التأليه وتنزله إلى الأرضquot;.

يؤكد كثير من الفنانين على نقطة بسيطة، هي أنهم يأملون أن تنجح الاحتجاجات السلمية في التغيير نحو الديمقراطية من دون حرب أهلية. كما تعتمد الاحتجاجات على الغناء والرقص لدحض تأكيدات الحكومة بأن المتظاهرين هم من الجهاديين، لأن معظم الاسلام المتطرفين يرفضون الغناء والرقص.

وقال أسامة محمد، مخرج سوري فرّ الى باريس: quot;واحدة من الأمور الرئيسة التي اكتشفها الشعب السوري هي الفرح. لقد اكتشفوا حياة جديدة واكتشفوا أنفسهمquot;.

ويعبر السوريون عن رفضهم للقمع والدكتاتورية برقصات شعبية مستوحاة من quot;الدبكةquot; التقليدية، وأحياناً بالرقص والتمايل على شكل موجة، وأحياناً أخرى برقصات تبدو أكثر شبها بلوحات quot;برودوايquot; الراقصة.

يقول الناشطون السوريون إن الجنود الموالين للحكومة يستهدفون الفنانين، بما في ذلك الهواة. وانتشرت الأخبار في الأشهر الماضية عن رجل يدعى إبراهيم القاشوش، اقتلعت حنجرته من قبل قوات الأسد بعد ان انشد أغنية مناهضة للحكومة حازت شعبية كبيرة بعنوان quot;يللا ارحل يا بشارquot;.