دمشق: رحبت سوريا بثقة بمهمة مراقبي الجامعة العربية التي من المتوقع ان تصل طليعتها الخميس في حين انتقدتها المعارضة ورات فيها quot;مناورة من النظامquot; داعية بدلا من ذلك لاحالة الملف السوري إلى الامم المتحدة.
وكانت الجامعة العربية قد اقترحت إرسال مراقبين لرصد ما يجري في سوريا على امل إنهاء شهور من العنف ووقف قمع النظام العنيف للاحتجاجات، وسوف تشمل البعثة ارسال مجموعة اولى من نحو 30 الى 50 مراقبا يرافقهم افراد اداريون وامنيون لبدء العمل الخميس.
غير ان زعماء المعارضة السورية رفضوا بعثة مراقبي الجامعة العربية، التي يرأسها سمير سيف اليزل مساعد الامين العام للجامعة نبيل العربي، باعتبار استقبالها quot;حيلةquot; من جانب نظام دمشق.
غير ان الحكومة السورية تنفي ذلك وقال جهاد المقدسي المتحدث باسم الخارجية السورية ان من مصلحة دمشق نجاح البعثة، باعتبار ان مهمتها هي رصد الوضع على الارض، وسوف تدرك ان الامور ليست quot;اسود وابيضquot;، بل هي quot;اكثر تعقيدا بكثير من ذلكquot;.
وبعد اسابيع من التلكؤ وقع نظام الرئيس بشار الاسد المحاصر اتفاقا في مقر الجامعة العربية بالقاهرة الاثنين بقبول استقبال المراقبين لمتابعة خطة لوقف اراقة الدماء.
وتأتي بعثة المراقبين في اطار خطة عربية قبلتها سوريا في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، دعت ايضا لوقف العنف والافراج عن المعتقلين وسحب الجيش من البلدان والمناطق السكنية.
غير ان دمشق تمكنت من الحصول على تنازلات هامة تتعلق بالخطة الاولية للمراقبين حيث قالت السلطات السورية انها كانت مبهمة ولم تأخذ في الاعتبار بما يكفي الامن الوطني للبلاد.
وقال المقدسي ان سوريا طرحت 18 سؤالا على الجامعة العربية، وفي خلال الساعات الثماني والاربعين الماضية صاغ المحامي المصري المعروف علي الغتيت والذي ينظر اليه باعتباره مقربا من النظام السوري ومن العربي ايضا،الوثيقة النهائية.
وطبقا للبروتوكول الذي يحكم عمل المراقبين فسوف يكون عددهم مناسبا بما يسمح بنجاح المهمة ويتم تشكيلهم quot;من الخبراء المدنيين والعسكريين العرب من مرشحي الدول العربية ذات الصلة بأنشطة حقوق الإنسان .. quot;.
وقال البرتوكول أن quot;الجامعة قد تستعين بالخبرات الفنية والمراقبين من الدول العربية والاسلامية والصديقة لتنفيذ المهام الموكلة للبعثةquot;.
وتشمل مهمة المراقبين quot;الاطلاع على حقيقة الاوضاع والاحداث الجارية من خلال المراقبة والرصد لوقف جميع أعمال العنف ومن أي مصدر كان في المدن والاحياء السكنية السوريةquot;.
ويشير البروتوكول الى رصد وقف العنف quot;من كافة الاطرافquot;، وضمان الافراج عن المعتقلين quot;على خلفية الازمة الراهنةquot;.
وتابع نص البروتوكول quot;سيكون من بين مهام البعثة التأكد من عدم تعرض أجهزة الامن السورية فضلا عما يسمى عصابات الشبيحة للمظاهرات السلمية، والتأكد من الافراج عن المعتقلين بسبب الاحداث الراهنة، ومن سحب وإخلاء جميع المظاهر المسلحة من المدن والاحياء السكنية التي شهدت أو تشهد مظاهرات وحركات الاحتجاجquot;.
كما اشار البروتوكول الى quot;منح رخص الاعتماد لوسائل الاعلام العربية والدولية ومنحها حرية التنقل دون التعرض لها، ومنح البعثة حرية الاتصال والتنسيق مع المنظمات غير الحكومية ومع المسؤولين الحكوميين ومع من تراه مناسبا من الافراد والشخصيات وعائلات المتضررين من الاحداث الراهنةquot;.
واكد ذلك بالاشارة مجددا الى quot;منح البعثة حرية كاملة في الحركة وحرية إجراء ما تراه مناسبا من زيارات واتصالات ذات صلة بالمسائل المتعلقة بمهامها وإطار وأساليب عملها المتعلقة بتوفير الحماية للمواطنين عبر التنسيق مع الحكومة السوريةquot;.
كما اشتمل البروتوكول على quot;توفير الحرية الكاملة للبعثة في زيارة السجون والمعتقلات ومراكز الشرطة والمستشفياتquot; في الوقت الذي تحدده البعثة وquot;بالتنسيق مع الحكومة السوريةquot;، وحرية إجراء اللقاءات والاجتماعات اللازمة للبعثة لاداء مهامها، وتتعهد الحكومة من جانبها بعدم quot;معاقبة أو الضغط على أي شخص بأي شكل من الأشكال وأفراد أسرته بسبب اتصاله مع البعثة أو تقديم شهادات أو معلومات لهاquot;.
وابرز المقدسي ان نص البروتوكول اشار الى العنف quot;من كافة الاطرافquot; فضلا عن المجموعات المسلحة، اذ يأخذ في الاعتبار ما تصفه دمشق quot;بالعصابات المسلحةquot; التي تحملها مسؤولية تردي الوضع في البلاد.
واعتبر النظام انه من المسلم به ان المراقبين سيرفعون تقارير منتظمة عن عملهم الى الحكومة السورية والى الجامعة العربية.
واضاف المقدسي ان المجموعة العربية ستكشف عن هوية المراقبين وتفاصيل بعثتهم والاماكن التي يريدون التوجه اليها لان سوريا مسؤولة عن سلامتهم.
وتوقع وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان يؤكد المراقبون قول دمشق ان العنف ناجم عن quot;جماعات ارهابية مسلحةquot; وليس عن متظاهرين سلميين كما تؤكد قوى غربية ومنظمات حقوقية.
وتقدر الامم المتحدة ان اكثر من خمسة الاف شخص قتلوا في حملة النظام منذ منتصف اذار/مارس.
وتقول سارا ليا ويتسون مديرة شؤون الشرق الاوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش ان الجامعة العربية بحاجة لاظهار quot;استقلالية مراقبيها وقدرتهم على العمل بفاعليةquot; لتبديد quot;المخاوف المبررة من ان يكون ذلك تكتيكا اخر من الحكومة السورية بهدف كسب الوقتquot;.
وقال المعلم ان المراقبين سيتمكنون من الوصول الى ما وصف بالبؤر الساخنة، ولكن ليس المواقع العسكرية الحساسة. غير ان هيومن رايتس ووتش دعت دمشق للسماح للمراقبين بالوصول الى كافة المناطق.
ومن جانبها انتقدت مجموعات المعارضة السورية البروتوكول وبعثة المراقبين، وقال عمر إدلبي المتحدث باسم لجان التنسيق المحلية التي تدير الاحتجاجات على الارض quot;ندعو الجامعة العربية لاحالة قضية الازمة السورية الى مجلس الامن الدوليquot;.
ووصف ادلبي بعثة المراقبين بانها quot;محاولة اخرى من جانب النظام للالتفاف على المبادرة العربية وتفريغها من مضامينهاquot;.
واضاف quot;سيتم اعطاء جنود وافراد من اجهزة الامن اوراق ثبوتية كشرطة بهدف خداع المراقبينquot;.
وكان المجلس الوطني السوري المعارض قد دعا الاربعاء لجلسات عاجلة لمجلس الامن الدولي والجامعة العربية ردا على ما وصفه بquot;مجازرquot; ترتكبها قوات الامن السورية.
وقال المجلس الذي يضم فصائل معارضة ان 250 شخصا قتلوا خلال الساعات الثماني والاربعين الماضية.
غير ان رامي عبد الرحمن الذي يرأس المرصد السوري لحقوق الانسان قال انه ينظر الى بعثة المراقبين باعتبارها بارقة امل، مضيفا ان quot;التوقيع على البروتوكول في صالح الثورة، لان النظام لو طبق كافة بنود الاتفاق ستحل الديمقراطية في سوريا قريبا جدا، وسينزل الناس الى الشوارع بأعداد هائلةquot;.
رئيس البعثة سوداني ذو خبرة عسكرية امنية
ويملك الفريق محمد احمد مصطفى الدابي الذي عينته الجامعة العربية رئيسا لبعثة مراقبيها في سوريا خبرة عسكرية وامنية ودبلوماسية اكتسبها خلال مسيرة مهنية امتدت اكثر من اربعين عاما في بلده السودان. وبدا الدابي البالغ من العمر 63 عاما مطمئنا وهو يرتدي الزي السوداني التقليدي في منزله الواسع بمنطقة كافوري الراقية في الخرطوم عشية توجهه الى القاهرة للقاء امين عام الجامعة العربية نبيل العربي لمناقشه مهام بعثة المراقبة. ورفض الدابي الذي التقته فرانس برس الخوض في تفاصيل المهمة قبل لقائه العربي واكتفى فقط بتقديم سيرته الذاتية. ولد الدابي بحسب هذه السيرة في مدينة بربر بولاية نهر النيل شمال العاصمة الخرطوم في شباط/فبراير 1948 والتحق في العام 1969 بالعمل في الجيش السوداني ضابطا برتبة ملازم وتدرج حتى وصل الى رتبة فريق قبل ان يغادر الخدمة العسكرية في عام 1999. وتولى الدابي ادارة الاستخبارات العسكرية للجيش السوداني في 30 حزيران/يونيو 1989 (وهو اليوم الذي انقلب فيه عمر البشير على الحكومة في السودان) وبقي في هذا المنصب حتى 21 اب/اغسطس 1995. بعدها تقلد منصب مدير الامن الخارجي بجهاز الامن السوداني في تموز/يوليو 1995 وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 1996 حين عين نائبا لرئيس اركان الجيش السوداني للعمليات الحربية وبقي في هذا المنصب حتى شباط/فبراير 1999 وهي فترة تزامنت مع بعض اشرس المواجهات في الحرب الاهلية بين شمال وجنوب السودان. وبين شهري شباط/فبراير واب/اغسطس من العام ذاته عمل الدابي ممثلا لرئيس الجمهورية لولايات دارفور مسؤولا عن الامن بها مع تفويضه صلاحيات رئيس الجمهورية قبل اندلاع التمرد في الاقليم عام 2003. وبعد انتهاء مسيرته العسكرية عين سفيرا في قطر بين عامي 1999 و2004 ليعود بعدها الى السودان حيث عين مساعدا لممثل رئيس الجمهورية لدارفور. وكان ممثل رئيس الجمهورية لدارفور حينها عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع السوداني الحالي الذي اصدر مدعي المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه. وعقب صدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 1591 الذي فرض عقوبات على عدد من المسؤلين السودانين المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في دارفور وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر البشير، عين الدابي quot;منسقا وطنياquot; للحملة السودانية المناهضة لهذا القرار. وفي عام 2007 تولى الدابي منصب مفوض الترتيبات الامنية لدارفور عقب توقيع الحكومة السودانية اتفاق سلام ابوجا مع حركة تحرير السودان جناح مني مناوي احدى حركات دارفور المتمردة. ويشغل الدابي منذ اب/اغسطس 2011 منصب سفير بوزارة الخارجية السودانية.
التعليقات