خرجت مئات الآلاف في بيونغ يانغ، رغم البرد القارس، لتشييع زعيم كوريا الشمالية الراحل كيم جونغ إيل، من دون أنترتدي القبعات أو القفازات، لتصطفّ على طول الشوارع المتجمّدةتنتحب وتجهش بالبكاء. وقد غطّت العاصمة ثلوج كثيفة، وصفتها دعاية النظام بأنها علامة من السماء.


سيول: بعد أيام من الحداد الشتوي، سقطت الثلوج بكثافة، لتغطِّي بيونغ يانغ بغطاء أبيض الأربعاء، قبل جنازة الزعيم الراحل لكوريا الشمالية كيم جونغ إيل، فيما وصفته دعاية النظام بأنه quot;علامة من السماءquot;.

وخرجت مئات الآلاف، رغم البرد القارس، من دون أن يرتدوا القبعات أو القفازات ليصطفوا على طول الشوارع المتجمدة في العاصمة، ينتحبون ويجهشون بالبكاء.

ونقل التلفزيون الحكومي عن امرأة عسكرية قولها quot;هذا الثلج يجعلني أفكر في جنرالنا أكثر وأكثر، ويجعلني أبكيquot;.

وبحسب الدعاية الإعلامية، فبعد حياة حافلة بالمنجزات الخارقة، وبعد موت وقفت عليه الطبيعة الأمّ حدادًا، جاءت الثلوج كتحية للزعيم الحبيب، الذي زينت أقواس قزح يوم مولده.

وقالت quot;نطف الثلوج تذكر الشعب الكوري بيوم الثلوج، الذي شهد ميلاد الزعيم في مخيم سرّي في جبل بايكدو، وبالمشوار الثوري العظيم، الذي اجتازه وسط رياح الثلوجquot;.

وتابعت quot;وكأن السماء أدركت كم انهمرت عليه الثلوج طيلة مشواره الميداني الإرشادي بلا انقطاع سهرًا على راحة الشعب وسعادتهquot;. ولم يكن هذا الحدث الخارق الوحيد الذي أحدثه موت الزعيم.

فقد أورد الإعلام الحكومي الكوري الشمالي قبل ذلكأن الجليد تقعقع حول مهد كيم المفترض في جبل بايكدو المقدس مثل الرعد، بينما هلت أنوار زرقاء، وجال طائر الكركي الأبيض يمسح الثلج عن كتفي تمثال القائد.

وقبضت المجندات على قلوبهن، بينما سارت صورة عملاقة لكيم مبتسمًا عبر المدينة، تعتلي سيارة ليموزين سوداء، تتبعها سيارة جنازة تحمل تابوت كيم، الذي غطّي بعلم الحزب الأحمر محاطًا بالزهر الأبيض.

وبدا الكثيرون من آلاف الحاضرين، وقد غلبهم الحزن، حتى كادوا يفقدون القدرة على الوقوف، بل غطّوا أفواههم، وقرعوا صدورهم. والآخرون ابتعدوا قليلاً عن كاميرات التلفزيون، ووقفوا في صمت ووقار.

وكشف ضباط الجيش رؤوسهم عندما مر موكب الجثمان بمحاذاة طريق بطول 40 كيلومترًا برفقة مركبات عسكرية، ولافتات حمراء كتب عليها quot;يحيا الرفيق كيم جونغ أيلquot;.

وقاد المسيرة الابن الأصغر والوريث كيم جونغ أون، وبدأت من قصر كومسوسان التذكاري، حيث استقرّت الجثة في تابوت زجاجي قبل نقلها.

وحيّا جونغ أون مرتديًا السواد القوات، بينما حنت عشرات الآلاف من الجنود رؤوسها فيما عزفت الموسيقى العسكرية النشيد الوطني.

وسار الابن الوريث عاري الرأس واليدين، رغم البرد بمحاذاة سيارة الجنازة، تصحبه كبار قادة الجيش والمسؤولون المدنيون، بينهم عمّه النافذ جانغ سونغ-تايك.

وتبعت المسيرة أكثر من 12 سيارة مرسيدس سوداء وعشرات المركبات الأخرى.

ووصف مذيع تلفزيوني خلال قراءة النشرة موت كيم بأنه quot;أكبر خسارة للحزب وللأمّةquot;.

وكان الزعيم الجديد غير المختبر، الذي لا يتجاوز عمره أواخر العشرينات، في بؤرة مشاهد الحداد في القصر التذكاري، وينظر إلى الجنازة باعتبارها سبيل الدولة الشيوعية لتعزيز وضع الابن باعتباره quot;الخليفة الأعظمquot; للزعيم الراحل.

فمنذ الإعلان عن موت كيم الأب بسكتة قلبية في 17 كانون الأول/ديسمبر عن عمر يناهز التاسعة والستين، أغدقت آلة الدعاية الكورية الشمالية الإشادات والثناء على وريث آخر أسرة شيوعية حاكمة في العالم.

جاء حضور جونغ أون الأربعاء بخلاف غياب كيم جونغ إيل في 1994 من موكب جنازة الأب الراحل كيم إيل سونغ.

وقال مذيع التلفزيون quot;سنتغلب على الحزن الجمّ اليوم، وسنواصل النصر.. إذ معنا الرفيق كيم جونغ أون الزعيم الأعلى لحزبنا وشعبناquot;.

ومن المقرر أن ينتهي الحداد الرسمي الخميس بمناسبة تذكارية على صعيد البلاد بأسرها، تشمل الوقوف ثلاث دقائق صمتًا، بينما تطلق القطارات والسفن وغيرها من المركبات صفاراتها في آن واحد.

وحكم كيم جونغ إيل، الذي توفي عن 69 عامًا، وشيّع في جنازة مهيبة اليوم الأربعاء، كوريا الشمالية بقبضة من حديد منذ 1994، وترك لخلفه ابنه الأصغر كيم جونغ أون اقتصادًا يحتضر في بلد شهد مجاعة مميتة ونقصًا متكررًا في المواد الغذائية.

واستخدم كيم جونغ إيل، الذي اعتلت صحته في السنوات الأخيرة، الدعاية والمبالغة في عبادة الشخص وولاء الجيش المطلق له ومعسكرات العمل، للبقاء في السلطة، كما فعل والده قبله.

وقد نظر بسخرية إلى الذين تكهّنوا بانهيار نظامه مع زوال المساعدة السوفياتية في بداية تسعينات القرن الماضي. ومع نهاية ذلك العقد، أدت مجاعة في كوريا الشمالية إلى وفاة ما يصل إلى مليون شخص.

غير أن كيم جونغ إيل ظل مع ذلك quot;الزعيم الغاليquot;، وواصل برنامجه لصنع أسلحة نووية، وأجرى في هذا السياق تجربتين في تشرين الأول/أكتوبر 2006، وأيار/مايو 2009.

وتشهد كوريا الشمالية نقصًا حادًا مزمنًا في الغذاء. ويقول صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) إن ثلث أطفال البلد يعانون سوء التغذية.

وتعرّض كيم جونغ إيل إلى جلطة في الدماغ في آب/أغسطس 2008. كما عانى مشاكل في الكلى والسكري وارتفاع الضغط.

وبحسب محللين، فإن أكثر ما كان يثير القلق خلال آخر سنوات عهده هو أن قراراته أضحت غير متزنة، كما حدث لدى إطلاق قواته طوربيدًا في آذار/مارس 2010 على طراد كوري جنوبي، ما أدى إلى مقتل 46 من بحارتها، وكلَّف البلاد عقوبات إضافية.

ورغم ما خلص إليه تحقيق دولي، فإن كوريا الشمالية نفت أي مسؤولية لها في الهجوم.

ويرى المحللون أن هذه الأفعال هي نتاج الآثار الجانبية للجلطة، التي تعرّض لها الزعيم الكوري الشمالي، الأمر الذي دفعه إلى أن يسعى بأي ثمن إلى تنصيب نجله الأصغر خليفة له.

وفي حزيران/يونيو 2010، حذر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في حينه ليون بانيتا، الذي أصبح اليوم وزيرًا للدفاع، من أن العالم يدخل quot;مرحلة خطرةquot;، لأن كيم جونغ إيل يريد أن يثبت جدارة نجله أمام العسكريين، من خلال القيام بأعمال تنطوي على خطورة.

وكان الوضع الصحي للزعيم الكوري الشمالي يعتبر من أسرار الدولة، وكذلك سيرته الذاتية، التي أضحت أقرب إلى الأسطورة. وكيم جونغ أيل أحد أبناء أصحاب الامتيازات في العهد السوفياتي.

وتقول الدعاية الرسمية إنه حين ولد في 16 شباط/فبراير 1941 أو 1942، بحسب مصادر مختلفة، ظهرت نجمة ساطعة في السماء وقوس قزح مزدوجًا.

أما الجبل، الذي يشار إلى أنه ولد فيه، جبل بايكدو، (2744 مترًا)، حيث أعلى قمة في كوريا الشمالية على الحدود مع الصين، فقد أصبح مكانًا مقدسًا.

في الواقع، فإنمعظم المؤرّخين يقولون إن كيم جونغ إيل ولد في روسيا في معسكر تدريب للحركة المسلحة، التي أطلق منها والده حرب المقاومة ضد المحتل الياباني حتى العام 1945.

وبعد نيله إجازة جامعية في الاقتصاد السياسي عام 1964 من الجامعة التي تحمل اسم والده، ارتقى الشاب البالغ من العمر 22 عامًا في حينه بسرعة سلم القيادة في حزب العمّال الحاكم. وكان يهتم أساسًا بالدعاية.

وبعدما عيّن خليفة لوالده، تولّى رسميًا مقاليد الحكم بعد ثلاث سنوات من وفاة والده كيم إيل-سونغ في 1994.

وقد اتهم بتنظيم اعتداء أوقع 17 قتيلاً كوريًا جنوبيًا عام 1983 في بورما، وبتدبير انفجار وقع عام 1987 على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الكورية، وأودى بحياة 115 شخصًا كانوا على متن الطائرة، قبل أشهر قليلة من ألعاب سيول الأولمبية.

واشتهر quot;الزعيم الغاليquot; بإجادة المناورة في المفاوضات الدولية، التي بدأت في 2003 لإقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن طموحاتها النووية.

وكثيرًا ما عمد إلى غلق الباب أمام هذه المفاوضات، التي تشمل الكوريتين والصين والولايات المتحدة واليابان وروسيا، وازدرى بالمجموعة الدولية عندما قام بأول تجربة نووية في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2006.

وهذه المفاوضات مجمّدة منذ نيسان/إبريل 2009. وفي لعبة المناورة هذه، أدرك كيم جونغ إيل تمامًا أن السلاح النووي يشكل عملة مقايضة لا تقدر بثمن.

وهذا الملف أصبح بين يدي ابنه، الذي أعلن الاثنين رسميًا خليفة له.

تنكيس علم الأمم المتحدة بمناسبة تشييع كيم جونغ إيل

نكس علم الأمم المتحدة الأربعاء في مقرها العام في نيويورك، وكذلك في جنيف بمناسبة تشييع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل، الأمر الذي أثار انتقاد إحدى الجمعيات.

وأوضح شوا سونغ-اه من المكتب الصحافي للأمم المتحدة أن المنظمة الدولية تنكِّس عادة علمها عند وفاة رؤساء الدول الأعضاء.

وردًا على هذا الأمر، قالت جمعية quot;يو إن ووتشquot; إنها quot;تقرّ باعتماد الأمم المتحدة بروتوكولاً دبلوماسيًا، ولكن لا يجوز أن تنسى المنظمة الدولية أن هدفها الأساسي هو الدفاع عن حقوق الإنسان، وللأسف هذه الرسالة تشهد خطرًا كبيرًا في عدم تأديتها اليومquot;.

وقال المدير العام للجمعية، التي تسعى إلى quot;التأكد من أن الأمم المتحدة تحترم المبادئ الواردة في شرعتهاquot; إن quot;هذا النهار يجب أن يكون مناسبة للأمم المتحدة كي تظهر تضامنها مع الضحايا وملايين الكوريين، الذي تعرّضوا للوحشية بسبب السياسة بلا رحمة التي انتهجها كيمquot;.

ونظمت كوريا الشمالية الأربعاء جنازة مهيبة لقائدها المتوفي في 17 كانون الأول/ديسمبر. ولكن لم يشارك أي وفد أجنبي في مراسم التشييع.