يخشى الكثيرون من أن يؤدي سقوط الرئيس المصري حسني مبارك لصعود الإسلاميين إلى سدة الحكم.


في خطابه ليلة الثلاثاء، قال الرئيس المصري حسني مبارك إن الأمة تقف أمام خيارين لا ثالث لهما: الفوضى في حال رحيله أو الاستقرار في حال بقائه الى سبتمبر / ايلول حتى يشرف على انتقال سلمي للسلطة.
والرئيس مبارك ليس الوحيد الذي يلوّح براية التخويف من ناتج الاحتجاجات على ثلاثة عقود من حكمه. فثمة أصوات عديدة ترتفع في الغرب وإسرائيل تقول إن سقوط مبارك سيأتي الى سدة الحكم بالإسلاميين الأصوليين على غرار ما حدث في 1979 بعيد ثورة إيران التي أطاحت الشاه الموالي للغرب وأتت بنظام يصرف طاقة هائلة في كراهية الولايات المتحدة وإسرائيل.

اولئك الذين يعرفون مصر وإيران يقولون إن ثمة اختلافات رئيسية بين الثورتين. ومن هذه أن الإخوان المسلمين - أكبر كتل المعارضة وأهمها - لم يكونوا هم دعاة الثورة ولم يصبحوا الدينمو المشغّل لحركتها، بل يظلون حتى الآن إحدى الجماعات المشاركة فيها كالبقية.

مجزرة الجمعة
من الاختلافات أيضا مجزرة يوم laquo;الجمعة الأسودraquo; الثامن من سبتمبر 1978 في طهران عندما قصفت قوات الأمن المتظاهرين بالمروحيات المقاتلة والدبابات فقتلت - تبعا لبعض التقديرات - 4 آلاف شخص منهم 500 في ميدان جاله وحده. وبالمقابل فقد وصل الأمر بالجيش المصري حد تطمين المتظاهرين الى أنه سيمتنع عن مهاجمتهم (حتى إذا صدرت له الأوامر بذلك).
وقال ناطق باسم القوات المسلحة يخاطب المتظاهرين عبر التلفزيون الرسمي نفسه إن الجيش يدعم مطالبهم المشروعة ويحيطهم علما بأن رسالتهم قد وصلت ويحثهم على إعادة الحياة الطبيعية الى مصر لأنهم قادرون على ذلك ولن يواجههم بالنار.
ونقلت صحيفة laquo;كريستيان ساينس مونيتورraquo; (سي إس إم) عن ايرفاند ابراهاميان، بروفيسير التاريخ في laquo;سيتي يونيفيرستيraquo; بنيويورك ومؤلف laquo;إيران بين ثورتينraquo; قوله: laquo;إذ تشبث مبارك بالسلطة بعون الولايات المتحدة وانقض على المتظاهرين بيد من حديد، جاءت العواقب وخيمة حقا. ولو ان شاه ايران تنحى بهدوء قبل مجزرة الجمعة الأسود لصار ممكنا انتقال سلمي للسلطة لا يفرز ما أفرزraquo;.

ويمضي قائلا: laquo;مجزرة الجمعة سدّت عمليا الطريق على المعتدلين وألغت احتمال أي شكل من التسوية السلمية. بعبارة أخرى فإن اولئك الذين كانوا يريدون بقاء الشاه بأي ثمن هم الذين قدموا النصر للخميني على طبق من فضة. والشيء نفسه يمكن ان يحدث في مصر إذا طال أمد الاحتجاجات وتحولت الى صراع دموي، وسيكون المتشددون والمغالون هم المنتصر في نهاية المطافraquo;.

دور أميركي مختلف
الولايات المتحدة من جهتها تتخذ موقفا مختلفا مع النظام المصري الذي ظلت تغدق عليه مليارات الدولارات منذ توقيع أنور السادات السلام مع إسرائيل في 1979. وقد أعلن الرئيس باراك اوباما أنه تحدث مع نظيره المصري لثلاثين دقيقة ليلة الثلاثاء وحثه على أن laquo;انتقالا سلميا للسلطة في مصر يجب أن يبدأ الآنraquo;.

ويقول رتشارد بولييت،بروفيسير التاريخ بجامعة كولومبيا في تحليل على laquo;ايجانس غلوبالraquo;: laquo;الولايات المتحدة لا تعارض تطلعات الشعب المصري. لكن من شأن خطوة واحدة في الاتجاه الخطأ أن تعكس هذا الوضع بين عشية وضحاها. وتردد واشنطن في احتضان مرحلة ما بعد مبارك تعكس امتنانها له بدعمه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وخوفها من أن تؤول السلطة للاخوان المسلمين. لكن عليها ان تتذكر أن إصرارها على دعم نظام الشاه الدموي في وجه المطالب الشعبية برحيله هو الذي أدى - بين ما أدى - الى أزمة الرهائن الأميركيين في طهران حين احتجز 52 دبلوماسيا أميركيا على مدى 444 يوما في الفترة 1979 - 1881.

لا اطمئنان
لكن هذه الآراء لا تطمئن المحللين الإسرائيليين والأميركيين الموالين لإسرائيل الذين يقولون إن سقوط مبارك سينتهي بسيطرة الإسلاميين على السلطة. ويقول باري روبن، مدير laquo;مركز أبحاث الشؤون العالميةraquo; في إسرائيل: laquo;سيشكل سقوط الرئيس المصري أكبر كارثة للمنطقة والغرب منذ الثورة الإيرانية، وسيكون هزيمة نكراء للولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط بحيث تقود الى حرب عربية - إسرائيلية جديدة تكلف عشرات الآلاف من الأرواحraquo;
ويمضي روبن قائلا إن نظام الاخوان المسلمين الذي سيستولي على السلطة لن يتورع عن خوض هذه الحرب. ويضيف إن حركتهم laquo;لم تلجأ للعنف حتى الآن في مصر ليس بسبب أنها معتدلة أو سلمية وإنما لأنها تشعر بأن الأوان لم يحن بعدraquo;.

الاخوان على الهامش
في الجهة المقابلة يقول خبراء إن مثل هذه الآراء laquo;تصور قدرات الاخوان المسلمين ونواياهم على نحو أضخم كثيرا من حجمها الحقيقي. ويضيفون أن الاخوان - مثل بقية جماعات المعارضة المهمّشة الأخرى - يجدون من الصعوبة بمكان مواكبة تطورات الاحتجاج العفوي الذي انطلق على شوارع مصر دعك من تنظيمه.

وتقول الصحافية جنيف عبدو، مديرة laquo;شبكة الأمن القوميraquo; في طهران وlaquo;ذي سنشري فاونديشنraquo; (مؤسسة القرن) في واشنطن في تحليل لها على صفحات دورية laquo;فورين أفيرزraquo;: laquo;اولئك الذين يقارنون الوضع المصري الحالي بثورة ايران في 1979 يخفقون في فهم نوع بذرة الثورة الإسلامية ولا يدركون ايضا أن المتظاهرين المصريين لا يشكلون حركة آيدلوجيةraquo;.
وتمضي قائلة: laquo;أدهشني حقا صغر الدور الذي يؤديه الاخوان المسلمون ليس في ثورة مصر وحسب، بل وفي وعي الشباب داخل ميدان التحرير. ومن الواضح الآن أن فترة ما بعد مبارك ستكون ذاتية المصير وأقرب الى الوجدان العربي والإسلامي وربما كانت أيضا معادية للولايات المتحدة. وهذا سيحدث في كل الأحوال وبغض النظر عما إن كان الاخوان المسلمون يجلسون على سدة الحكم أو خارج الصورة بالكامل.