رأت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن سقوط الرئيس حسنيمبارك جاء بشكل سريع، وعلى نحو لم يكن يتوقعه أحد.


جاء قرار الرئيس المصري حسني مبارك المتنحي، بالتخلي عن منصبه يوم أمس الجمعة لينهي عهداً استمر لما يقرب من ثلاثة عقود لأكبر دول العالم العربي من حيث الكثافة السكانية، وكما كان الحال عندما سقط جدار برلين، من الممكن أن يُنظَر إلى قرار التنحي هذا باعتباره المستوى الأعلى لموجة السخط العربي التي تدوي الآن في الشرق الأوسط.

ورأت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن سقوط الرئيس مبارك جاء بشكل سريع، وعلى نحو لم يكن يتوقعه أحد. وعلَّلت ذلك بأن الرئيس المصري السابق ورث وشكَّل نظام محاباة ومحسوبية ووحشية، لم يكن يقوى أحد على تحديه فيما يبدو. كما جعل نفسه محبباً للإدارات الأميركية المتعاقبة، وعمل بوصفه حصناً فعالاً يمكن الاعتماد عليه في مواجهة كل من التطرف الإسلامي وتزايد النفوذ الإيراني، في حين وقف وراء معاهدة السلام التي أبرمت مع إسرائيل، ولم تحظى بأي شعبية في الداخل.

لكن في غضون أسابيع، ومع اندلاع الثورة الشعبية في الشوارع والمطالبة برحيله، خذله نظامه، وبدأت الولايات المتحدة، التي تعتبر كبرى حلفائه على الصعيد الدولي، بسحب دعمها. وتابعت الصحيفة بالقول إن مبارك كان الأبرز في لفيف من الحكام المستبدين في الشرق الأوسط، حيث يلقى كثيرون منهم الدعم من جانب الولايات المتحدة، التي تدافع عن الاستقرار على حساب الحرية السياسية والاقتصادية.

ولطالما قال مبارك إن مصر سوف تتعرض لحالة من الفوضى، إذا تنحى وترك منصبه. لكن خلال فترة قيادته للبلاد، تضاعفت أعداد الشعب، ووصلت إلى 80 مليون، واغتاظ من إهمال الدولة التي تقدم قليل من الخدمات الأساسية وتتسامح مع فساد ذي أبعاد هائلة. ثم مضت الصحيفة تبرز الدور المحوري الذي لعبته الشرطة والمخابرات في قمع أصوات المعارضة بدلاً من أن تنقل له صورة حقيقية بمشاعر الاستياء التي تعم الشارع، وكذلك الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي حقق فيها الحزب الوطني الحاكم فوزاً ساحقاً على المعارضة، بعد أن شابها تزوير وعمليات ترهيب.

ونقلت وول ستريت في هذا السياق عن ياسر الملواني، الرئيس التنفيذي لشركة المجموعة المالية هيرمس القابضة والعضو البارز في الحزب الحاكم، قوله :quot; كان النظام خاطئاً. النظام بأكمله كان خاطئاً، ولم يشعر الحزب أساساً بالضغوط التي كان يواجهها الناس، وهو الوضع الذي انفجر في يوم واحدquot;. ورغم تشبثه حتى آخر لحظة بالسلطة، وحصوله على دعم كاف من أبرز حلفائه بالخارج، مثل السعودية، والمؤسسات الداخلية، بما في ذلك الجيش، للخروج بشكل كريم مع نهاية فترة رئاسته الحالية في وقت لاحق من العام الجاري، إلا أن المتظاهرين أصروا على موقفهم ومطالبتهم برحيله فوراً، ولم يتضح ما إن قرار تنحيه قد اُتُخِذ طواعيةً أم فُرِض عليه.

وأكدت الصحيفة أن رحيل مبارك جاء ليرسخ انتفاضة عربية، ربطها كثير من المراقبين بالحركات الشعبية التي اجتاحت الجمهوريات السوفيتية الواقعة في شرق أوروبا، وأدت لسقوط جدار برلين عام 1989، وكذلك لسقوط الدكتاتوريات الشيوعية.

ولم تكن مصر تحت حكم مبارك دولة شمولية، لكنه ورث نظام استبدادي جامد كان يهيمن عليه الجيش منذ إطاحته بالملكية عام 1952. وعلى عكس سلفه، أنور السادات، لم يبني مبارك إرثه على شعبيته الشخصية، بل استفاد سياسياً من خدمته في سلاح الطيران. ثم تحدثت الصحيفة عن بطولته العسكرية من خلال مشاركته في حرب أكتوبر، ثم اختياره ليكون نائباً للرئيس السادات، ثم رئيس بعد اغتيال الأخير عام 1981.

بعدها، أبرزت الصحيفة حقيقة الدور الذي بدأ يلعبه على الصعيدين الداخلي والخارجي، حتى تحولت القاهرة في عهده إلى عنصر أساسي في ما يطلق عليه محور الدول العربية المعتدلة المتحالفة مع واشنطن ضد الأنظمة الأقل مرونة في المنطقة، بما في ذلك سوريا. وبالمقابل، أضحت مصر واحدة من أكبر الدول التي تستقبل المعونات الأميركية. وقد ساعدت مليارات الدولارات الأميركية في إثراء نخبة جديدة، في الوقت الذي كانت تنتقل فيه البلاد من مرحلة الاشتراكية إلى اقتصاد كان يتقرب من الاقتصاد الرأسمالي إلى حد ما، لكن بقيادة احتكارات تحظى بموافقة الدولة.

وختمت الصحيفة بلفتها إلى أن مبارك لم يكن شخصية ذات كاريزما ولم يكن من النوع الذي يحب التواصل. كما كان يبذل جهداً ضئيلاً لتوضيح سياساته لشعبه، كما كان يتجنب المناورات الجريئة التي كان يفضلها أسلافه. لكن عبقريته كمنت في الحفاظ على وضع مصر الراهن في مواجهة ضغوط هائلة تعرضت لها البلاد عدة مرات من الداخل ومن الخارج. بيد أنه تجاهل مطالب تحثه على الانفتاح السياسي وإحداث تغيير اقتصادي كبير، وهو ما سمح في النهاية بتدهور الاستقرار وتحويله إلى ركود كان سبباً في توليد مشاعر الإحباط بين الشباب المصريين. وقال في هذا الصدد إليوت أبراهامز، الذي كان يشرف على سياسة الشرق الأوسط خلال ولاية الرئيس جورج بوش، إن مبارك سيترك إرثاً quot;مؤسفاًquot;، سيتضمن على تعزيز وضعية الإخوان المسلمين، وتقلص نفوذ مصر في العالم العربي، وما كان يقول إنه مجرد تحديث جزئي للاقتصاد. وأضاف :quot;أتيح لمبارك 30 عاماً كي يعمل لتحقيق انفتاح سياسي بطيء وآمن ومستقر وموثوق به في مصر. لكنه حكم في ظل وجود قانون الطوارئ لمدة 30 عاماً، ولم يحقق إصلاحا سياسياً وتحديثاً في كل يوم قضاه في الحكمquot;.