باتت بصمة جنود وضباط الجيش الاسرائيلي ضرورة لاتمام عمليات التهريب على حدود اسرائيل مع مصر والأردن، إذ تعترف تلك الكوادر العسكرية بالحصول على مقابل مادي كبير من المهربين، لتأمين مستقبلها بعد الاحالة الى التقاعد او التسريح من الخدمة، سيما ان حكومة تل ابيب لا تكترث بوضع المتقاعدين الاجتماعي.


يلجأ ضباط وجنود الجيش والشرطة الاسرائيلية بعد تقاعدهم او تسريحهم من الخدمة الى التعاون مع مهرّبي المخدرات والاسلحة.

من ابرز هؤلاء المتعاونين مقابل اجر مالي، ضباط وجنود المؤسسة العسكرية الاسرائيلية المتخصصون في تقفي الأثر داخل دروب الصحراء والجبال.

ووفقاً للملحق الأسبوعي لصحيفة معاريف العبرية، يضطر المتقاعدون، وربما من هم في الخدمة، الى ممارسة تلك المهام غير المشروعة، نظراً إلى افتقارهم مقومات المعيشة بعد انهاء الخدمة.

ففي الوقت الذي تتركهم المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بلا دخل او معاش مناسب او توفير فرصة عمل جديدة، يبلغ ثمن الاستشارة التي يقدمها quot;متقفو الأثرquot; لمهربي المخدرات عشرة الاف دولار. أما اذا قرر الكادر العسكري نفسهه ركوب الصعب، وقيادة شبكة تهريب مخدرات بنفسه فقد يصل ما يتقاضاه إلى60 الف دولار مقابل عملية التهريب الواحدة.

مثلث برمودة لتهريب المخدرات

من بين متقفي الأثر المتقاعدين quot;ريج المياتلquot; البالغ من العمر 59 عاماً، الذي يعتبر من ابرز الخبراء في الدروب الصحراوية والمغارات والكهوف على حدود إسرائيل مع مصر والأردن، ووفقاً لمعلومات الصحيفة العبرية كان الميتال ضابطاً في الجيش الإسرائيلي، ويعلم كل كبيرة وصغيرة في المنطقة المعروفة بـ quot;مثلث برمودةquot; تهريب المخدرات، وهى المنطقة التي تضم quot;رامت حوفيف، تسومت هانيجف، وماتسبي رامونquot; في صحراء النقب.

منذ اربعة عشر عاماً، عندما كان ضابطاً قيادياً في وحدة تقفي الأثر التابعة للواء المنطقة الجنوبية في اسرائيل، تورط في قضية تهريب مخدرات، وقُبض عليه في حينه وفي حوزته 12 كيلو غراماً من مخدر الهيروين، ورغم ان اعتقاله على خلفية تلك القضية حرمه من الترقية، الا انه لم يكترث بذلك.

وقبل ما يقرب من عامين ونصف عام، تورّط في قضية تهريب أخرى، لكن حجم كمية المخدرات التي ضبطت في حوزته هذه المرة كانت 82 كيلو غراماً من الهيروين، كانت في طريقها بحسب معاريف للتهريب من الأردن إلى إسرائيل، وهى اكبر كمية مخدرات كان من المقرر تهريبها.

ريج الميتال عرف كغيره من متقفي الأثر في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، انه حين يتقاعد من الخدمة لن يجد عملاً يعينه على توفير قوت يومه، لذلك وجد لنفسه المبرر في التعاون مع مهربي المخدرات، حتى يجمع ما يمكن الحصول عليه من الاموال استعداداً ليوم ما بعد انهاء الخدمة.

ووفقاً لما نقلته معاريف عن احد الضباط الكبار في الجيش الاسرائيلي فـquot;هناك العديد من خبراء تقفي الأثر في الجيش الاسرائيلي، الذين يخشون من مصير التقاعد من الخدمة، فلكل منهم أسرة تحتاج النفقة، وخلال السنوات العشر الماضية انتشرت لدى المجتمعات البدوية داخل اسرائيل ظاهرة جديدة نسبياً، وهي تحول العشرات من متقفي الأثر البدو، الذين تم تسريحهم من الخدمة في الجيش، الى مستشارين مقابل اجر لمصلحة مهرّبي المخدرات من مصر والاردن، اعتماداً على المعلومات التي جمعوها خلال الخدمة في الجيش عن الدروب الصحراوية والمغارات والكهوف الجبلية، لمساعدة المجرمين على تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود المصرية والاردنيةquot;.

40 شبكة على الحدود المصرية

يرى ضابط الاستخبارات الاسرائيلي المتقاعد quot;يسرائيل اريئيليquot; في حديث لمعاريف إنquot;متقفي الأثر الذين خدموا او لازالون يخدمون في الجيش والشرطة الاسرائيلية، يمتلكون quot;معلومات ذهبيةquot; بالنسبة إلى تجار المخدرات والاسلحة، فمتقفو الاثر على دراية كاملة بظروف المناطق الصحراوية والجبلية المعقدة على طول حدود اسرائيل مع مصر والأردن.

وكان لذلك بالغ الاثر في نجاح المهربين في تهريب ما يربو على 80 طن من مخدر الماريغوانا من مصر إلى إسرائيل سنوياً، وما بين ثلاثة الى خمسة اطنان هيروين من الاردن الى اسرائيل سنوياً ايضاً، ووصلت عمليات التهريب من مصر إلى إسرائيل الى اقصى مداها، على خلفية الفلتان الامني الذي شهدته جارة اسرائيل الجنوبية، إثر الاطاحة بنظام مبارك وانسحاب الشرطة المصرية من مواقعهاquot;.

ووفقاً لتقارير موثقة نشرتها صحيفة معاريف العبرية، تمارس ما يزيد عن اربعين شبكة لتهريب المخدرات والاسلحة على الحدود المصرية الاسرائيلية، ويحصل متقفو الأثر على ما بين 5000 الى 10000 دولار مقابل بيع معلومات حول الدروب، التي ينبغي على المهربين اتباعها لايصال بضاعتهم الى هدفها. أما متقفي الاثر الذي يرغب في المخاطرة ليحصل على اموال اضعاف هذا المبلغ، فيقود بنفسه احدى شبكات التهريب ليحصل على مبلغ، يتراوح ما بين 50 الى 60 الف دولار في العملية الواحدة فقط.

ويشرح احد متقفيي الأثر الذي رفض الكشف عن هويته خلال حديثه مع صحيفة معاريف: quot;ان العشرات من زملائي انتقلوا الى الجانب الآخر من القانون، وهو ان الدولة مدانة ومسؤولة عن تعاون متقفيي الأثر مع المهربينquot;. وأضاف: quot;بعد ان يتم تسريحنا من الجيش ونتقاعد، تتركنا المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بلا عمل، وفي الظروف الجيدة تمنحنا معاشاً لا يكفي لإعالة اسرة، والمهربون يعلمون جيداً كيفية استغلال تلك الظروف، فيشترون لمتقفيي الأثر quot;العاطلين عن العملquot; سيارات جيب جديدة، ويمنحونهم مبالغ نقدية، وبذلك يشترونهم، ويحولونهم الى مستشارين بالأجر، فضيحة ان يحدث ذلك... ولكنه الواقع المؤلم الذي نعيشهquot;.

من جانبه قال رئيس بلدية راهط السابق quot;طلال القرناويquot;، في حديثه لمعاريف quot;ان معدل البطالة لدى القطاع البدوي في اسرائيل مرتفع للغاية، ويعاني ارتفاع نسبة البطالة متقفيو أثر الجيش الاسرائيلي بعد التقاعد، سيما ان معظم العاملين في هذا التخصص من البدو، وعندما يتم تسريح هؤلاء من الخدمة لا يجدون امامهم مؤسسة صناعية على سبيل المثال لاستيعابهمquot;.

وعلى حد قوله فإنه ينبغي على الحكومة الاسرائيلية اقامة مشروعات داخل المجتمع البدوي، ومنح المستثمرين حوافز أكثر لتشجيعهم على الاستثمار واقامة المشروعات في الوسط البدوي. ويعود ضابط الاستخبارات الاسرائيلي المتقاعد quot;يسرائيل ارئيليquot; الى الحديث عن الازمة عينها، ويقول بحسب معاريف: quot;لا يجد متقفيو الأثر المتقاعدين فرصة عمل حتى كأفراد أمن، لذلك يصبحون عطية من السماء عندما يتعرف المهربون إليهم، فمتقفيو الأثر يمتلكون خرائط ومعدات عسكرية متطورة تمكنهم من تنفيذ عمليات التهريب بمنتهى السهولة، او الاكتفاء بمهمة منح المشورة للمهربين مقابل اجر ماديquot;.