أثار التقرير الذي نشرته صحيفة هارتس الإسرائيلية أخيرًا عن أن الجاسوس المصري رفعت الجمّال المعروف شعبيًا باسم رأفت الهجان كان عميلاً مزدوجًا ردود أفعال متبيانة، فيما اختلف خبراء ومتابعون للشأن الإسرائيلي حول تفسير إعادة الحديث في هذا الموضوع في الوقت الحالي، لاسيما بعد مرور نحو 30 عامًا على وفاته متفقين على أنها أقوال مرسلة.
رفعت الجمال الشهير باسم رأفت الهجان |
أحمد عدلي من القاهرة: في الوقت الذي ينشغل فيه السياسييون المصريون بالأوضاع الداخلية والشأن الداخلي المصري بعد تنحي مبارك عن الحكم وتكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، أطلت صحيفة هارتس الإسرائيلية بتقرير موسع حول الجاسوس المصري الأشهر رفعت الجمّال المعروف باسم رأفت الهجان، والذي سبق أن قدّمت قصته في مسلسل تلفزيوني قام ببطولته الفنان محمود عبد العزيز، وحقق نجاحًا كبيرًا خلال العقد الأخير من القرن الماضي.
رفعت الجمّال أو رأفت الهجان، كما هو معروف شعبيًا في مصر، يعدّ واحدًا من أشهر الجواسيس المصريين في إسرائيل نظرًا إلى المدة الطويلة التي عملها في إسرائيل لمصلحة المخابرات المصرية، التي وصلت الى 17 عامًا تحت اسم جاك بيتون، حيث أقام شركة سياحة في إسرائيل، تمكن من خلالها تكوين العديد من الصداقات في المجتمع الإسرائيلي ومع كبار الشخصيات، فضلاً عن ما ذكرته المخابرات المصرية من دوره البارز في تزويدها بمعلومات مهمة وحيوية عن خط بارليف قبل حرب 1973 المجيدة.
ووفقًا للرواية المصرية، فإن الهجان سافر الى إسرائيل خلال حرب 1956 واستمر هناك حتى عام 1973 ليقضى باقي حياته في مصر، حيث سافر بالتعاون مع المخابرات المصرية، واستمر في تزويدها بالمعلومات على مدار كل هذه الأعوام من دون أن ينكشف أمره، بل زادت شبكة علاقته وتوسعت بطريقة كبيرة.
ورغم انقضاء نحو 30 عام على وفاة الجمّال، الذي وفاته المنية في يناير/كانون الثاني من عام 1982، إلا أن صحيفة هارتس الإسرائيلية تذكرت الهجان مجددًا في تقرير نشرته أخيرًا، أكدت فيه أن المخابرات الإسرائيلية نجحت في اكتشاف تجسس الهجان عليها، وقامت بتنجيده لتستخدمه في تضليل الاستخبارات المصرية، حيث قدّم معلومات كاذبة، كان لها دور حاسم في نجاح الضربة الجوية التي شنّها سلاح الجو الإسرائيلي في الساعات الأولى من حرب 1967، والتي هزم فيها الجيش المصري واضطر الى الانحساب الكامل من شبه جزيرة سيناء.
ووفقًا للصحيفة العبرية الشهيرة، فإن قضية الهجان التي كانت محور محاضرة مركز التراث الاستخباري مثّلت إحدى عمليات الخداع الأنجح في تاريخ الاستخبارات الإسرائيليّة، حيث بدأت عندما ألقي القبض على عميل أُدخل إلى إسرائيل في الخمسينيات مرسلاً من الاستخبارات المصرية، ثم وافق لاحقًا على التعاون مع تل أبيب، ليصبح عميلاً مزدوجًا، وتم منحه اسمًا حركيًا quot;يتيدquot; وتعني الوتد.
وعن سبب عدم الحديث حول هذا الموضوع من قبل قال التقرير إن الإسرائيليين فضلوا الحفاظ على سرية تعامل الهجان معهم من أجل جعل المخابرات المصرية تصدق أنها نجحت في اختراق إسرائيل، وهو الأمر الذي يتناقض بشكل كبير مع نفي المخابرات الإسرائيلية تسريب أي معلومات من الهجان لدى الإعلان المصري عن كونه جاسوسًا مصريًا تمكن من اختراق القيادة الإسرائيلية.
من جهته قال الدكتور عماد جاد الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية في مركز الإهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في إفادة لـquot;إيلافquot; إن الحديث عن الهجان ليس له علاقة بالخوف الإسرائيلي من توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد سقوط نظام مبارك، الذي كان حليفًا لهم، لاسيما في ظل عدم معرفتهم بتوجهات النظام الذي سيأتي للحكم وطبيعة علاقته معهم وغموض توجهات النظام الجديد، مشيرا الى أن الأمر لا يتعدى كونه حلقة جديدة من حلقات الجدل الدائر حول العملاء بين البلدين مثل أشرف مروان، الذي يحكى أنه كان عميلاً مزدوجًا بين الحين والآخر.
وأكد على أن إثارة الموضوع الآن ليس له دلالة سياسية بقدر ما يعني إثارة داخلية لملف الجواسيس بين مصر وإسرائيل في الحلقات النقاشية التي تعقد هناك، لافتًا الى أن إثارة هذا الملف أمر متكرر ويحدث بين الحين والآخر ولا ينظر إليه بعين الاهتمام لأنها قضايا جدلية.
فيما اعتبرت الكاتبة الصحافية المهتمة بالشأن الإسرائيلي فريدة النقاش في حديثها لـquot;إيلافquot; أن طرح القضية في الوقت الحالي راجع الى حرب نفسية تحاول أجهزة المخابرات الإسرائيلية شنّها على الشعب المصري، بعدما أعادت له ثورة 25 يناير كرامته وإحساسه بذاته وجعلته يشعر بالقوة والفخر بجنسيته.
ولفتت الى أن الموساد اعتاد تصوير نفسه في وسائل الإعلام باعتباره جهاز المخابرات الأقوى عالميًا الذي لا يقهر ولا يمكن اختراقه من خلال تلفيق قصص وأكاذيب واهية، موضحة أن كل الدلائل والوثائق المتوافرة حتى الآن في قضية الهجان تشير الى ولائه وإخلاصه للمخابرات المصرية.
وأوضحت النقاش أن كل ما تردده المخابرات الإسرائيلية حول الهجان وأشرف مروان يظل في خانة الاتهامات المرسلة غير المثبتة بأي وثائق، مشددة على أن أكاذيب الموساد تأتي دائمًا لرغبته في عدم الاعتراف بالفشل في أي مهمة والتأكيد دائمًا أنه جهاز لا يمكن اختراقه.
اتفق معها في الرأي السفير محمد بسيوني سفير مصر السابق في إسرائيل، مشيرًا الى أن أي جهاز مخابرات في العالم يرفض الاعتراف بأنه تم اختراق من جهاز دولة أخرى، مؤكدًا في الوقت نفسه على أن مصر لديها كل الدلائل والحقائق التي تثبث أن رأفت الهجان أدى أداء حسنًا، وقام بتقديم العديد من المعلومات المهمة والخدمات الجليلة للمخابرات المصرية.
وعن توقيت إعادة طرح القضية رغم مرور فترة زمنية طويلة على القضية، قال بسيوني إن كل الاحتمالات واردة من قبل الجانب الإسرائيلي، مؤكدًا على أن الأهم من توقيت الطرح هو ثقتنا في واحد من أبناء مصر الشرفاء.
التعليقات