جاءت حادثة الاختطاف الأخيرة لسبعة سياح استونيين في لبنان خلال قيامهم بجولة بالدراجات، لتحيي ذكريات الأوقات القاتمة وتثير المخاوف من احتمالية أن تتسرب الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي إلى لبنان. وتشهد الجارة سوريا في غضون ذلك أيضاً أشد نوباتها الخاصة بالاضطراب الداخلي على مدار عقود، وهو ما أدى إلى شن حملة قمعية عنيفة من جانب السلطات التي قالت إن quot;متآمرين من خارج البلادquot; هم من يقفون وراء تلك التظاهرات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد.

وقد أدت حادثة السياح الاستونيين هذه إلى قيام كثير من المواطنين اللبنانيين بوضع رؤية تنبؤية كئيبة تتحدث عن أن لبنان لا يمكنها تجنب الانزلاق إلى دوامة الأزمة المحلية التي تعاني منها جارتها، وفقاً لما أفادت به اليوم مجلة quot;التايمquot; الأميركية.

وكانت جماعة غير معروفة من قبل يطلق عليها quot;حركة النهضة والإصلاحquot; قد ادعت مسؤوليتها عن حادث الاختطاف الذي وقع في الـ 23 من شهر آذار/ مارس الماضي، وقامت بإرسال نسخ من بطاقات الهوية الخاصة بثلاثة استونيين إلى موقع أخبار لبناني على شبكة الإنترنت. ورغم حملة المطاردة المكثفة التي شنتها قوات الأمن اللبنانية، إلا أن الخاطفين لم يطلبوا فدية ومازال مكان ومصير السياح الاستونيين مجهولاً.
ومن الجدير ذكره في هذا السياق أيضاً أن عمليات الاختطاف هذه كانت منتشرة في لبنان خلال عقد الثمانينات من القرن المنصرم، حيث تم اختطاف ما يزيد عن 100 مواطن أجنبي في تلك الفترة. لكن منذ انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت على مدار 16 عاماً في تسعينات القرن الماضي، عَمِدت لبنان إلى تحسين صورتها بعد أن كان يُنظر إليها على أنها محور للعنف الطائفي، والانتحاريين، وكذلك عمليات الخطف.

أما اليوم، فيتعامل الجيل الشاب من السائحين الأجانب مع لبنان على أنها تجربة عطلة متوترة، حيث تصطدم الجبال المغطاة بالثلوج والشواطئ الذهبية والحياة الليلية النابضة بالحياة بتكرار تفجير السيارات وانتشار القوات المسلحة في الشوارع والتواجد الكبير لميلشيات حزب الله. ولفتت التايم هنا إلى ما كتبه مايكل كرم، كاتب العمود اللبناني، في صحيفة quot;ذا ناشيونالquot; الناطقة بالإنكليزية وتصدر بإمارة أبو ظبي، حيث قال :quot;آخر شيء تحتاجه لبنان، بعد الأخبار الجيدة التي نُشِرت عنها في وسائل الإعلام العالمية، هو أن يُعاد تسميتها على اعتبار أنها تمثل مكاناً سيئاًquot;.

وكان السياح الاستونيين قد غادروا إلى بيروت في الـ 15 من الشهر الماضي، وتوجهوا بدراجاتهم شمالاً ليدخلوا إلى سوريا عبر الحدود بعدها بثلاثة أيام. ولفتت المجلة في تلك الجزئية إلى أن مسارهم المحدد داخل سوريا لم يكن واضحاً، لكنهم عاودوا دخول لبنان بعد ظهر يوم 23 آذار/ مارس عبر معبر المصنع الحدودي الذي يقع على الطريق السريع بين بيروت ودمشق. وبعد ذلك بفترة قصيرة، تم اعتراضهم من جانب شاحنتين لونهما أبيض وسيارة مرسيدس سوداء في طريق خلفي بالقرب من بلدة زحلة المسيحية في سهل البقاع. ثم قام المسلحون باقتيادهم إلى المركبات، وتُرِكَت دراجاتهم وحقائبهم على جانب الطريق. وقال شهود عيان إنهم رؤوا المركبات تتوجه جنوباً، ليتجنبوا العديد من نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني وتواروا بعيداً عن الأنظار في اتجاه مجموعة من القرى التي يسكنها السكان السنة.

وتمكن أحد السياح الاستونيين المختطفين على ما يبدو من إجراء مكالمة سريعة على هاتفه المحمول قبل أن يتم اقتياده مع الآخرين إلى مكان مجهول. وقد تمكن المحققون بعد ذلك من تقفي أثر تلك المكالمة في مكان ما بالقرب من بلدة بر الياس السنية.

وفي الوقت الذي لم تبادر فيه أي جهة لإعلان مسؤوليتها بشكل فوري عن الحادث، نُشِرت الكثير من التكهنات في وسائل الإعلام اللبنانية بشأن دوافع وهوية الخاطفين. وقد تنوعت الروايات وتعددت الاتهامات وتراوحت ما بين من قال مثلاً إنهم قد يكونوا مرتدين فلسطينيين، أو أشخاص ينتمون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومقرها دمشق، لكن رامز مصطفى، ناطق باسم الجبهة في لبنان، سرعان ما أدلى بتصريحات نفى من خلالها كل ما يثار عن تورط جماعته في عملية الاختطاف هذه، وتعهد في الوقت ذاته بأن يساعد السلطات اللبنانية في تحديد مكان الاستونيين.

ومع تواصل جهود البحث من جانب قوات الأمن اللبنانية، أكدت المجلة الأميركية أن عملية الخطف في حد ذاتها كانت منظمة بشكل جيد، وأن حقيقة ترك حقائب ودراجات الأشخاص المختطفين على أحد جانبي الطريق تشير إلى أنها عملية اختطاف سياسي وليست محاولة سرقة. وفي هذا السياق، نقلت التايم عن مصدر أمني رفيع المستوى، لم تحدد هويته، قوله :quot; يُحتمل أن الاستونيين لم يعودوا متواجدين في لبنان. فربما تم نقلهم إلى سورياquot;. ويشتبه المحققون في أن تلك العصابة التي تعرف بـ quot;عصابة عباسquot; هي من قامت بعملية الخطف فقط، ثم قامت بعد ذلك بتسليم الاستونيين المختطفين إلى جماعة ثانية. ويعتقد مسؤولون أمنيون أن قرار الاختطاف لابد وأنه قد اتُخِذ خلال تجول السياح الاستونيين بدراجاتهم في سوريا. ويفترض أنهم كانوا مراقبين منذ لحظة دخولهم الأراضي السورية. وذهب البعض إلى القول إن العملية هدفها إرسال تحذير إلى الغرب من حالة عدم الاستقرار التي قد تحدث في أعقاب تعرض النظام السوري للانهيار. وفي المقابل، عرضت السلطات السورية المساعدة على نظيرتها اللبنانية كي يعيدوا الرهائن، وإن كان مصيرهم يعتمد الآن على النوايا الحسنة للخاطفين ومؤيديهم الغامضين.