استجوب المدعي العام في أنقرة قائد انقلاب 1980 الجنرال كنعان إيفرين عن تجاوزات نظامه المريعة، رغم أن سنّ الجنرال الذي يبلغ(94 عامًا) والقانون التركي نفسه يلقيان ظلالاً من الشك على مثوله ورفاقه أمام العدالة.


الجنرال كنعان إيفرين

صلاح أحمد: يمهل الزمن ولا يهمل. جزّار البوسنة راتكو ملاديتش يواجه العدالة بعد نجاحه في الفرار منها 16 عامًا. والآن تقرر تركيا مواجهة فصل مظلم في ماضيها.

فقد بدأ المدعي العام مساءلة الرئيس السابق قائد انقلاب الطغمة العسكرية في 1980، الجنرال كنعان إفرين، الذي يعتبره العديد من الأتراك مسؤولاً عن إحدى الحقب الأكثر إيلامًا في تاريخها الحديث.

ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فقد اعتقل هذا الرجل حوالي المليون شخص في أعقاب انقلابه، اختفى عدد منهم، وتعرض الآخرون للتعذيب في السجون، وبعضهم وصل به التعذيب إلى حد الموت. كما أوقف أكثر من 100 ألف شخص أمام المحاكم العسكرية، وحظر نشاط الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات الشعبية على اختلاف أغراضها وتوجهاتها.

في عهده أيضًا، أعدم 50 سجينًا سياسيًا بقرارات قضائية عسكرية. وأدى هذا الجو المخيف الى هروب مئات آلاف الأتراك الى أوروبا، حيث يعيشون كلاجئين سياسيين إلى الآن. وحتى الآونة الأخيرة، ظل ايفرين وجنرالات آخرون مشاركون في تدبير الانقلاب يتمتعون بالحصانة من القانون بموجي بند في الدستور التركي صاغوه بأنفسهم في 1982.

ومع أن هذا البند نُقض في سبتمبر/ ايلول 2010 في أعقاب استفتاء شعبي، يظل السؤال هو ما إن كان اولئك العسكر سيمثلون فعلاً أمام القضاء. المعروف حتى الآن أن مكتب المدعي العام حقق مع إيفرين يوم الاثنين في منزله في أنقرة بسبب الدواعي الصحية، إذ إنه في الرابعة والتسعين من العمر الآن.

وقال محاميه، عمر نهات أوزغون لصحيفة laquo;وول ستريت جورنالraquo; إن ممثل المدعي وجّه 12 سؤالاً للجنرال، لكنه لم يخض في التفاصيل. ويذكر أن الرئيس السابق ظل يمضي معظم وقته في تأليف الكتب والرسم بالزيت في منتجع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

وقد توفي أحد جنرالين آخرين مطلوبين للعدالة بسكتة قلبية، قال ابنه إنه أصيب بها فور تلقيه مكالمة هاتفية من مكتب المدعي، علم فيها أنه سيخضع للاستجواب. أما الثالث فهو نزيل المستشفى، وسيواجه التحقيق أيضًا، قبل أن يقرر الادعاء ما إن كان سيُخضعه للمحاكمة.

المشكلة هي أن بين القيود التي ترد في التشريع التركي أنه لا يمكن محاكمة شخص عن جريمة ما، بغضّ النظر عن خطورتها، في حال انقضاء 30 عامًا عليها.

والواقع أن الأتراك يعلمون تمامًا أن هناك عددًا آخر من العقبات التي تلقي بالشك حول محاكمة قادة الطغمة العسكرية. ولهذا يتساءل العديد من الناس عن مغزى مساءلة إيفرين يوم الاثنين، ويعزونه الى دوافع سياسية، بالنظر الى اقتراب موعد الانتخابات العامة بعد أيام قليلة.

ويرد مكتب الإدعاء في أنقرة على هذا الاتهام قائلاً إنه يستجيب فقط لطوفان من الشكاوى الواردة من منظمات وأفراد منذ استفتاء سبتمبر/أيلول 2010، الذي رفع الحصانة عن جنرالات انقلاب 1980. ويذكر أن هذا الاستفتاء أجري في الثاني عشر من ذلك الشهر، وهو اليوم الذي وافق مرور 30 عامًا بالضبط على الانقلاب.

ولدى سؤاله عن دفاع الجنرال ايفرين عن انقلابه أمام ممثل المدعي، قال المحامي أوزغون: laquo;رد بما ظل يقوله في كتبه ولقاءاته الصحافية على مدى السنوات العشرين الماضية، وهو أن المؤسسات الدستورية كانت في حالة لا تسمح لها بأداء وظائفها على النحو الصحيح. ولهذا وجب تدخل الجيش لإعادة المياه الى مجاريهاraquo;.

ووفقا لأمير أوكتم، البروفيسير في جامعة غلاطة سراي، فربما كانت ثمة سبل أخرى الى محاكمة إيفرين ورفيقه الجنرال طاشين صاحينكايا على الأقل. ويقول إنه تبعًا للقانون الدولي، فإن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن. لكنه يشير أيضًا الى أن المشكلة تكمن في إثبات هذه الجرائم laquo;تبعًا للقانون التركيraquo;.

على أن المهم بالنسبة إلى أوكيم لا يتمثل في محاكمة شخصين بين التسعين والمائة من العمر الآن، وإنما في تشكيل laquo;لجان حقيقةraquo; تحقق في الجرائم التي ارتكبت بعد انقلاب 1980، وبالتالي إنارة جزء مظلم في التاريخ التركي.