رغم أن الأوساط السياسية في طرابلس تبدي ارتياحها لتطويق الاشتباكات في شمال لبنان، إلا أنها تعبّر عن مخاوفها من إمكانية تجدد الاضطرابات، لا سيما أن ما أنجز حتى اللحظة لا يعدو كونه هدنة مؤقتة.
قوات الأمن الداخلي اللبنانية اعلنت التأهب عقب الاشتباكات |
نجح الجيش اللبناني في وقف الاشتباكات التي اندلعت في مدينة طرابلس في شمال لبنان يوم الجمعة الماضي بين منطقتي باب التبانة (السنية) وجبل محسن (العلوية)، وسحب المسلحين من ساحتيهما، على أمل أن تتكثف الجهود والاتصالات بين سائر الفرقاء المعنيين لترسيخ الهدوء وتثبيت بنود المصالحة التي تمت بين الطرفين في طرابلس قبل سنتين بحضور رئيس الوزراء يومها فؤاد السنيورة وزعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد، والذي أريد من خلاله وضع حد للصراع المزمن بين quot;التبانةquot;وquot;الجبلquot;، والذي يعود تاريخه إلى الحرب اللبنانية.
وإذ تبدي الأوساط السياسية في طرابلس ارتياحها لما حققه الجيش، إلا انها تعبّر عن مخاوفها من تجدد القتال في أي لحظة، طالما أن ما أنجر على الأرض لا يعدو كونه هدنة مؤقتة قابلة للانهيار، خصوصًا في ظل احتدام الخلاف بين فريقي 14 آذار (المعارضة الجديدة) و8 آذار (الأكثرية الجديدة)، وإبقاء طرفي النزاع على أسلحتهم داخل مقارهم ومنازلهم بانتظار الجولة الجديدة.
وإذا كان الهدوء الحذر يسيطر على الوضع في طرابلس، فإن المواقف التي أطلقها رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في مؤتمره الصحافي، الذي عقده في دارته في المدينة بحضور الوزراء الطرابلسيين الأربعة، محمد الصفدي، وفيصل كرامي، ونقولا نحاس، وأحمد كرامي، خصوصاً لجهة قوله quot;إن المعارضة البناءة لا تلجأ إلى العنف واستخدام الأسلوب العسكري quot;ما زالت تثير ردود فعل شاجبة من قبل المعارضة الجديدة، خصوصًا تيار المستقبل وكتلته النيابية، حيث عقد نوابه في الشمال اجتماعًا في مكتب الوزير السابق النائب سمير الجسر أمس السبت انتقد فيه الاتهام الذي وجّهه ميقاتي إلى المعارضة، وتحميله إياها مسؤولية ما حدث في طرابلس، مطالبًا رئيس الحكومة بتصحيح موقفه هذا، فيما ذهب النائب الدكتور احمد فتفت إلى حد ربط quot;انفعالquot; ميقاتي بإصابة ما اسماه quot;المسؤول الأمنيquot; في quot;جمعية العزم والسعادة quot;التي يرأسها الأخير، متسائلاً عما كان يفعله المصاب في ساحة القتال.
هذا واستغربت الأوساط القريبة من الرئيس ميقاتي مسارعة قيادات في quot;المستقبلquot; إلى الدفاع عن نفسها ونفي أي علاقة لهذا التيار ومناصريه بالأحداث الأخيرة التي حصلت في طرابلس، في وقت لم يأت فيه رئيس الحكومة على ذكر هذا التيار لا من قريب ولا بعيد، بل أكد رفضه اتهام أحد تاركاً للتحقيق أن يأخذ مجراه، معلناً في الوقت نفسه أن الأمن خط أحمر، وقد طلب من الجيش الضرب بيد من حديد على كل ما تسوّل له نفسه العبث باستقرار البلد وسلمه الأهلي.
ورفضت أوساط رئيس الحكومة التعليق على ما أورده فتفت بشأن quot;المسؤول العسكريquot; التابع له موضحة لـ quot;إيلافquot; أن المصاب من مناصري ميقاتي بالفعل، لكن من السذاجة تصويره على أنه يقود تنظيمًا عسكرياً لرئيس حكومة، وفي ذلك غاية لا تخفى على احد، أولها التغطية على quot;التوقيت المريبquot; الذي انطلقت فيه المعارك في طرابلس، بالتزامن مع وصول رئيس الحكومة والوزراء الطرابلسيين الأربعة، الذين اعد لهم مناصروهم احتفالات ترحيب بهم، كما كان ميقاتي يتهيأ لإعلان خطة إنمائية شاملة لطرابلس والشمال لطالما أطلقت الوعود بشأنها من دون أن يتحقق أي شيء منها.
هذا وكانت قيادة الجيش اللبناني قد بلغتها انتقادات من مشاهدين لتلفزيون quot;المنارquot; التابع لحزب الله بعد عرض شريط مصور من طرابلس يظهر فيه احد المسلحين الملثمين في منطقة quot;باب التبانةquot; وهو ينهال بالشتائم على أبناء quot;جبل محسنquot; والمسؤول السياسي لحزب العربي الديمقراطي في الجبل رفعت عيد نجل علي عيد والرئيس السوري بشار الأسد، فيما ظهرت خلفه وعلى بعد أمتار قليلة عناصر من الجيش لم تحرك ساكناً، كما تساءلت اوساط طرابلسية كيف يستقيم هذا المشهد مع طلب رئيس الحكومة من الجيش الضرب بيد من حديد؟!.
وقد علمت quot;إيلافquot; أن قيادة الجيش التي ساءها ما عرض على التلفزيون باشرت بإجراء تحقيق فوري بعدما استدعت العسكريين الظاهرين في الشريط لهذا الغرض. من جهة أخرى استوقفت الأوساط الرسمية والسياسية الاتصال الهاتفي الذي أجراه سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان علي عواض العسيري بوزير الرياضة والشباب فيصل عمر كرامي (ممثل المعارضة السنية في الحكومة) لتهنئته.
وقد ابلغ الأخير quot;إيلافquot; تقديره لهذه المبادرة وللدور الذي تقوم به المملكة دعما للبنان، مشيرًا إلى انه عازم على فتح quot;صفحة جديدةquot; مع سائر الأطراف اللبنانية، بما في ذلك الرئًيس سعد الحريري، الذي بعث إليه بإشارات ايجابية عبر حديث صحافي، وقال ممازحاً: quot;أنا أصبحت وسطيًاquot; في إشارة إلى الوسطية التي يدعو إليها الرئيس ميقاتي.
بدوره أعرب السفير السعودي لـ quot;إيلافquot; عن احترامه لعائلة كرامي المشهود لها بالمواقف الوطنية، لافتاً إلى أنه تمنى للوزير الجديد نجل الرئيس عمر كرامي التوفيق والنجاح، مبديًا له الحرص على التواصل من منطلق أن سياسة المملكة الانفتاح على الجميع، ومساعدة الأشقاء اللبنانيين للنهوض بوطنهم والحفاظ على أمنه واستقراره.
التعليقات