لم يكن محمد بوعزيزي يتصور وهو على قيد الحياة يمارس نشاطه التجاري المتواضع في بيع الفواكه في عربة مدفوعة أن يوضع اسمه على لوحة كبيرة في إحدى ساحات باريس الشهيرة، بعدما بات رمز الثورة التونسية.

اللوحة التي وضعتها بلدية باريس

هذا الشاب التونسي الذي أقدم على خطوة تضحية دفاعا على كرامته التي خدشتها في العمق صفعة شرطية متهورة، أفرطت في التسلط على إيقاع نظام برمته كان يديره بن علي بيد من حديد.

محمد البوعزيزي الذي أوقد النار في جسم الاستبداد والفساد في العالم العربي عندما قرر أن يحتج ضد الإهانة والمس بالكرامة بإشعالها في جسمه، تحول إلى رمز لمرحلة عربية اهتزت فيها شعوب المنطقة انتفاضا ضد الظلم ولأجل استرجاع عزتها.

و رمزية البوعزيزي يتحدث عنها اليوم في أكبر الجامعات العالمية، وكانت إيلاف في مناسبات متعددة استجوبت علماء سياسة ومختصين غربيين في الشأن العربي اعترفوا جميعا بكون ما يحدث جراء هذه العملية التاريخية للبوعزيزي قلب المعادلات السياسية المتعارف عليها رأسا على عقب.

لوحة في باريس باسم البوعزيزي

بعد أن صوت مجلس بلدية باريس بالإجماع في فبراير-شباط الأخير على مقرر إطلاق اسم البوعزيزي على ساحة في باريس، أزاح عمدة باريس برترون دولنوي الستار أخيرًا عن لوحة باسم رمز الثورة التونسية بحضور والدته منوبية وأخته ليلى، زيادة على رئيس عصبة حقوق الإنسان التونسية مختار الطريفي.

واعتبر دولنوي هذا التكريم quot;لكل التونسيين الذين تمسكوا بثورتهم في حين كان الكل لا يؤمن بنجاحها في إسقاط نظام بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد منذ أكثر من عشرين سنةquot;، كما أضاف أنه quot;تكريم لكل الشعوب العربية التي لا تزال تكافح من أجل الحرية والعدالةquot;.

وتأثرت والدة البوعزيزي بهذه الالتفاتة كثيراً، حيث انهمرت عيناها بالدموع بمجرد ما أزيح الستار عن اللوحة، وصرحت بتواضع الأمهات المناضلات اللواتي يهدين لطواحين الثورات فلذات أكبادهم قائلة عن هذا التكريم، إنه quot;تكريم لكل شهيد ولكل من حملوا الثورة التونسية على ظهورهم، هدية لكل الشعوب العربية التي تبحث عن حريتها وتحارب الظلمquot;.

وتوجد هذه الساحة quot;البوعزيزيةquot;، نسبة إلى محمد البوعزيزي، في المقاطعة 14 بزواية على مقربة من حديقة مونصوري، التي التجأ لها في وقت من الأوقات المهاجرين التونسيين بعد وصولهم من إيطاليا في الفترة الأخيرة، قبل إبعادهم منها.

وكانت الشرطة الفرنسية حاصرت مكان التدشين، وحاولت غربلة المرغوب فيهم لحضوره، وهو ما أعيب على بلدية باريس التي بررت الإجراء أنه كان نتيجة معلومات توصلت بها تحيطها علما أنه من الممكن أن تنظم مظاهرة من قبل مناضلين متضامنين مع المهاجرين التونسيين الذين أبعدوا من أماكن مختلفة التجئوا إليها في وقت سابق.

quot;نفخر بشهيد ثورتناquot;

يعتبر الناشط الحقوقي طارق بن هيبة أن التفاتة من هذا النوع quot;تقرب بين الناس مهما كانت أصولهمquot;، مسجلا quot;أن غالبية التونسيين لا يخلطون بين الأشياء، وبغض النظر لتقديراتهم للسياسة البلدية المتبعة من طرف دولنوي، فإنهم فخورون أن شهيدنا محمد بوعزيزي له ساحة باسمه في باريسquot;.

طارق بن هيبة

ويقر رئيس الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة على الضفتين أن هذه الالتفاتة تشير في العمق إلى دعم المسؤولين السياسيين الفرنسيين للثورة التونسية، مشيرًا إلى أنها quot;التفاتة قوية ولكن رمزية...quot;.

وأضاف بن هيبة quot;الحكومة الفرنسية على خلاف بلدية باريس لم تبرهن بعد أنها غيرت توجهاتها في علاقتها مع تونس ومكتسباتها الثورية في مجال الديمقراطية، الحرية، الكرامةquot;، معتبرًا أن quot;موقف حكومة ساركوزي تجاه المهاجرين الشباب غير مقبولة وتخالف تصريحاته المدعمة للثورةquot;.

وعن رأي الفاعلين الحقوقيين التونسيين والمغاربيين في هذه الالتفاتة، يلاحظ هذا المناضل الحقوقي، quot;أن عدد منهم لا ينتقدون هذه الالتفاتة، وإنما لهم مواقف ضد العمدة، فيما الكثير من الجمعيات والأحزاب قدرتهاquot;.