عكس إرجاء زيارة رئيس الوزراء التركي لغزة مؤشرات معقدة، طالت توازنات ومواقف سياسية على الصعيدين الاقليمي والدولي، سيما أن أردوغان كان يعتزم انهاء زيارته المرتقبة للقاهرة بالعروج لغزة، الا ان المراقبين لفتوا الانتباه في حديث خاص لـ quot;إيلافquot; الى أهداف ربما توارت بشكل نسبي خلف مواقف تركيا المعلنة.


لفتت زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المرتقبة للقاهرة انتباه المراقبين السياسيين، إذ انطوت الزيارة على علاقة بعدد من الاشكاليات السياسية والامنية ذات الصلة بمحاور مختلفة، يتقدمها المحور التركي ndash; الاميركي، ونظيره المصري - الفلسطيني، ثم محور العلاقات المتردية بين انقرة وتل ابيب.

فلم تمض ايام على اعلانه اعتزام زيارة قطاع غزة فور ختامه لزيارة القاهرة، الا وتراجع رئيس الوزراء التركي عن عزمه، الامر الذي فرض العديد من علامات الاستفهام، وترك انطباعاً لدى المراقبين بوجود حيثيات غير معلنة وتطورات متواترة جرت خلف الكواليس بين انقرة واطراف اقليمية وربما دولية.

تشجيع زعماء المنطقة على زيارة غزة

ووفقاً لمعلومات نشرتها صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، أرجأ رئيس الوزراء التركي زيارته لقطاع غزة كفرصة أخيرة لتقديم اعتذار اسرائيلي عن ممارسات الجيش الاسرائيلي ضد سفينة المساعدات التركية quot;مرمرةquot; في العام الماضي، وهي الممارسات التي راح ضحيتها تسعة نشطاء اتراك.

رغم ذلك نقلت الصحيفة العبرية تقارير اخرى نشرتها صحيفة quot;حرياتquot; التركية، جاء فيها: quot;ان تراجع اردوغان عن زيارة غزة بعد مباحثاته في القاهرة، يعود الى انتظاره لصدور تقرير quot;بلمارquot; المرتقب خلال الاسبوع المقبل حول واقعة السفينة التركية، ومن المقرر ان تجري الزيارة التي يدور الحديث عنها خلال شهر أغسطس/ آب المقبل، تزامناً مع حلول شهر رمضانquot;.

وكان اردوغان قد اشار في حديث مع وكالة الانباء الفرنسية الى ان وزارة الخارجية في انقرة تجري استعدادات لخروج هذه الزيارة الى حيز التنفيذ، وانها سترى النور ريثما توفرت الظروف المناسبة لها، واضاف اردوغان بحسب ما نقلته الصحيفة العبرية عن الوكالة الفرنسية: quot;تعكس الزيارة المزمعة عمق العلاقة بين تركيا والقضية الفلسطينية، كما إنها ستساهم في فك الحصار المفروض على القطاع، وتشجع زعماء المنطقة على زيارة القطاعquot;.

في خضم تلك المعطيات المتواترة، اعتبر المراقبون في القاهرة ان زيارة اردوغان لمصر تعكس رغبة الاتراك في خلق دور محوري لأنقرة مع مصر ما بعد مبارك، وفتح آفاق جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين، غير ان اعتزام اردوغان المسبق بالتوجه من القاهرة الى قطاع غزة، انطوى على اتصالات حثيثة بين الجانبين، اعربت فيها القاهرة عن قلقها من الخطوة التركية، سيما ان التنسيق حولها سيعكر العلاقات بين مصر والولايات المتحدة واسرائيل، فضلاً عن مساسه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

أبعاد سياسية ومواقف غير مسبوقة

في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;، اكد الدكتور طارق فهمي استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، رئيس وحدة اسرائيل في المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط، ان اقتراح زيارة اردوغان المباشرة من القاهرة لقطاع غزة، أثارت بالفعل ردود فعل سياسية وامنية لدى دوائر صنع القرار، إذ إن مثل هذه الزيارة ينطوي على ابعاد سياسية ورسائل تعبّر عن مواقف غير مسبوقة ذات صلة بالقضية الفلسطينية.

واضاف الدكتور فهمي: quot;المعلن ان زيارة اردوغان لقطاع غزة تعكس رغبته في فك الحصار المفروض عن القطاع، غير ان خروجها الى حيز النور عبر القاهرة تحمل رسالة ضمنية مفادها: اعتراف مصر وتركيا بحكومة حماس ورئيسها اسماعيل هنية بشرعية السيطرة على قطاع غزة بعيداً عن الضفة الغربية، ولعل القيام بهذه الخطوة سينعكس سلباً على اتفاق المصالحة الفلسطيني، ويثير غضب محمود عباسquot;.

لم يستبعد الدكتور طارق فهمي في حديثه لـ quot;إيلافquot;، اجراء رئيس السلطة الفلسطينية استباقية مع انقرة والقاهرة لتمكينه من زيارة قطاع غزة حتى يكون في استقبال رئيس الوزراء التركي باسم الفلسطينيين حال زيارته المرتقبة للقطاع، واكد فهمي: quot;ان هذا الطلب سيحظى بموافقة القاهرة، خاصة انه سيكون خطوة الى الامام على مسار انعاش اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، الذي يشهد حالة من الجمود في ظل رفض حماس لزيارة يقوم بها محمود عباس للقطاعquot;.

من جانبه يرى الدكتور عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، انه ليس من الواضح بعد موقف الادارة الاميركية من تلويح اردوغان بزيارة قطاع غزة، واضاف الدكتور جاد في حديث خاص لـ quot;إيلافquot;: quot;على الرغم من ذلك تفيد المؤشرات في واشنطن بأن إدارة أوباما تعرضت لصدمة ومباغتة بالغة، إذ انها لم تكن على علم مسبق باعتزام أردوغان القيام بتلك الخطوة، الامر الذي حال دون تعليق المتحدث باسم البيت الابيض على الاخبار الواردة من انقرة بهذا الخصوصquot;.

انطلاقاً من وجهة نظره، اعرب الدكتور عماد جاد في حديثه لـ quot;إيلافquot; عن تقديراته بأن تلويح اردوغان بزيارة قطاع غزة في الوقت الراهن، يوجه رسالة شديدة اللهجة لكل من اسرائيل والولايات المتحدة مفادها: ان تركيا عاقدة العزم على عدم التراجع عن موقفها الذي تطالب فيه حكومة نتانياهو بالاعتذار عن واقعة السفينة التركية quot;مرمرةquot;، وان حكومة انقرة تمتلك العديد من أوراق اللعب الهادفة الى تركيع تل ابيب، وإجبارها على القبول بالشرط التركي لاستئناف العلاقات بين البلدين وضمان موقفها الحيادي حيال كافة القضايا الاقليمية ذات الصلة باسرائيل.

اما في ما يتعلق برسائل انقرة لواشنطن، فلا يستبعد الدكتور عماد جاد في حديثه لـ quot;إيلافquot; ان يكون التلويح بزيارة اردوغان لقطاع غزة، يأتي في اطار الرد التركي على الولايات المتحدة بعد سماحها بانفراد روسيا للعب دور الوساطة بين القذافي والثوار في ليبيا، إذ تشير معطيات موثقة إلى أن اردوغان كان يطمح للقيام بهذا الدور المحوري، غير ان واشنطن حالت دون ذلك على خلفية تردي العلاقات السياسية والدبلوماسية بين انقرة وتل ابيب.

زيارة تدخل في طور المستحيل

رغم تلك المعطيات وما تضمنته من تحليلات حول زيارة أردوغان المحتملة لقطاع غزة، أفادت تسريبات عبرية بأن زيارة اردوغان المحتملة لقطاع غزة دخلت في طور المستحيل، إذ نفت اجهزة الامن المصرية والتركية امكانية التنسيق بين الجانبين لخروج هذه الزيارة الى النور، ووفقاً لهذه التسريبات تفتقر سيناء السيطرة الامنية الكاملة، الامر الذي قد يعرض قافلة رئيس الوزراء التركي حال توجهها الى قطاع غزة للخطر، وربما يصل هذا الخطر الى حد اغتيال اردوغان نفسه.

وفي ما يتعلق باحتمالات تفادي الطرق البرية في سيناء لتوجه رئيس الوزراء التركي الى القطاع، فتشير التسريبات العبرية الى ان هذا الخيار ليس مطروحاً ايضاً، فلن تسمح اسرائيل لمروحيات عسكرية مصرية بنقل اردوغان من مصر لقطاع غزة، إذ ان الامر يتطلب موافقة الاجهزة المعنية في الدولة العبرية، وتحديداً التنسيق مع مراكز المراقبة التابعة لسلاح الجو الاسرائيلي.

كما ان تل ابيب لن تسمح بتزويد المروحيات المصرية بغطاء جوي يتألف من طائرات حربية مصرية، وهو الاجراء المتبع عند تأمين تحليق مروحيات زعماء الدول في سماء اراض غير مستقرة امنياً كما بات الحال عليه في سيناء.

إعلان إرجاء زيارة أردوغان لقطاع غزة، انطوى على كواليس أخرى نشرتها صحيفة هاآرتس العبرية، إذ نقلت الاربعاء عن صحيفة quot;حريات ديلي نيوزquot; مفاجأة مثيرة، زعمت فيها ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في صدد التباحث الانفرادي حول وثيقة اتفاق تم بلورتهأخيرًا لوضع حد للأزمة السياسية بين انقرة وتل ابيب.

وطبقاً للتقرير بات على اردوغان ونتانياهو حسم موقفهما من الاتفاق في موعد غايته 27 تموز/ يوليو الجاري، وهو توقيت صدور التقرير الاممي المعروف باسم لجنة التحقيق quot;بلمارquot;، الخاص بسفينة المساعدات الانسانية quot;مرمرةquot;.

الفرصة الأخيرة لحلحلة الأزمة

وفي حديث لصحيفة هاآرتس، قال الممثل التركي في لجنة التحقيقات الاممية حول احداث قافلة المساعدات التركية quot;مرمرةquot;، ان السابع والعشرين من الشهر الجاري هو quot;الفرصة الاخيرةquot; لحلحلة الازمة بين تركيا واسرائيل.

وطبقاً لما نقلته هاآرتس عن صحيفة quot;الصباحquot; التركية، بلورت تركيا واسرائيل مذكرة تفاهم لانهاء الازمة السياسية بينهما، وتتضمن تلك المذكرة استعداداً اسرائيلياً لتقديم اعتذار لحكومة انقرة على خلفية واقعة السفينة quot;مرمرةquot;.

وخلصت الصحيفة الى ان رئيس الوزراء التركي صادق على مذكرة التفاهم، بينما لا يزال رئيس الوزراء الاسرائيلي عاكفاً على دراستها، ورفض ديوان رئاسة الوزراء الاسرائيلي التعليق على تلك المعلومات لصحيفة هاآرتس، غير ان الاخيرة أكدت ان التردد ما فتئ يناصب نتانياهو، إذ انه بات عاجزاً عن الموازنة بين رغبته في انهاء النزاع مع تركيا، وبين مخاوفه من وزير خارجيته quot;افيغدور ليبرمانquot;، ونائبه الاول وزير الشؤون الاستراتيجية quot;موشي يعالونquot;، سيما ان الرجلين يعارضان بشدة تقديم اي اعتذار اسرائيلي لتركيا.

بينما يميل وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك وعدد من كبار الشخصيات في الحقل السياسي والعسكري الاسرائيلي الى الاعتذار لتركيا، وانهاء الازمة العالقة بين البلدين، والمحت هاآرتس الى ان الاتراك طلبوا من الولايات المتحدة الضغط على اسرائيل للموافقة على صيغة الاتفاق المقترحة، واوضحوا للادارة الاميركية: quot;من المستحيل ان يكون لنا دور في اقناع ليبرمان بصيغة الاتفاقquot;.

وبحسب ما نقلته هاآرتس عن أوزدم سانبرك مدير عام وزارة الخارجية التركية السابق، فإن عودة العلاقات التركية الاسرائيلية مرهونة باعتذار تل ابيب عن واقعة السفينة quot;مرمرةquot;. واضاف سانبرك في حديث هاتفي مع الصحيفة العبرية: quot;اعتذار اسرائيل سينهي القضية برمتها، وستعود علاقات التطبيع فوراً بين البلدين، وستكلف انقرة سفيرها بالعودة الى تل ابيب، وكان من الممكن ان يحدث ذلك إذا اعتذرت في اليوم التوم التالي لواقعة السفينة التركية، الا ان الدولة العبرية اضاعت وقتاً طويلاً استغرق عاماً كاملاًquot;.