على الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط يراقب السكان والساسة والمثقفون ما يجري من انتفاضات عربية وثورات أطاحت برؤساء حكموا بلادهم لعقود خلت. ورأى هؤلاء أن مايجري على الضفة المقابلة من البحر قرّب كثيراً سكان تلك الدول لهم، وأصبح حديث الربيع العربي حاضرًا كل يوم في أحاديث سكان الشمال، فمسافة 400 كم عن ليبيا ليست بالبعيدة، بل وربما أقرب من ذلك ضمن حسابات المصير المشترك، حيث يؤكد عدد من المثقفين الإيطاليين أن دول البحر الابيض المتوسط إما تغرق معًا... أو تنجو معًا.


عبد الرحمن الماجدي من صقلية: خصصت مؤسسة هورشينوس أوركا الإيطالية في مدينة ميسّينا الصقلية ندوة موسعة عن الانتفاضات العربية والثورات التي أطاحت بروؤساء وحكام، شارك فيها كل من فرانكو يانوتسي المدير الفني للمؤسسة والباحث العراقي رشيد الخيون، والصحافية المصرية أمل الجمل، ولم يحضر كل من الشاعر قاسم حداد، والروائي والمترجم أمين صالح، وتغيّب أيضًا المخرج السوري محمد عبد العزيز لعدم تمكنه من السفر.

الباحث رشيد الخيون اعترض أن تسمية الربيع العربي التي تحمل في طياتها غبنًا وعنصرية لبقية القوميات التي تعيش في الدول العربية من كرد وتركمان وامازير وآشوريين وغيرهم ساهم شبابهم في هذه الثورات وما زالوا.

ورأى الخيون أن حادثة إحراق الشاب بوعزيزي نفسه لم تكن هي المحرّك الأول لهذه الثورات، بل إن سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 هو الذي مهّد لها. فمشهد سقوط نظام صدام حسين وهربه وإخراجه من الحفرة ومحاكمته كلها مشاهد وأحداث شكلت دافعًا في ذهنية هذه الشعوب، بعدما سقطت هيبة الحاكم العربي الذي لا يُقهر.

وأضاف أن هناك أيضًا تراكمات قديمة وحديثة لدى هذه الشعوب حول حكام لا ينصفون الناس، ويتنعمون بخيراتها وحدهم مع وجود ديمقراطية ظاهريةوبرلمان صوري كما في مصر.

وقد تحرّك الناس من أجل الحرية والخبز والتخلّص من الأحوال المعاشية السيئة. فالصورة كانت عبارة عن ثروات كبيرة وجوع كبير ومسؤولين فاسدين يسرقون المال العام. فكانت تلك الوثبات الانتحارية التي اختارتها الشعوب.

ورأى الخيون أيضاً أن جميع الحكام الديكتاتوريين العرب كانوا على علاقة مع أميركا ولم يسقطوا لولا تدخلها سياسيًا أو عسكريًا، كما حصل في مصر، حين رفعت أميركا يدها عن مبارك، بإعطاء رأيها الصريح فيه، وفي اليمن وسوريا أيضًا. وفي ليبيا حيث تدخلت عسكريًا مثلما حصل قبل ذلك في العراق.. فقد توصلت أميركا إلى أن صلاحية هؤلاء الحكام قد انتهت. ولم تكن تلك الثورات بفعل داخلي فقط، بل بفعل خارجي أيضاً.

فرانكو يانوتسي رأى أن الثورات العربية تقترب اليوم من الثورة الفرنسية، حيث تحمل في داخلها أسباب نجاحها وأسباب مقتلها في الآن عينه. وأكد على عدم القدرةاليوم على التكهن بما سيحدث في الثورات العربية من حيث المضي قدمًا في أهدافها أو التراجع او الفشل.

وبيّن أن العولمة حتى اليوم لم يصل تأثيرها إلى الدول العربية مثلما وصل إلى المجتمعات الأوروبية. ويأمل يانوتسي أن تتمكن هذه الشعوب الثائرة من تحقيق حرياتها الفعلية، وتأسيس مجتمعات مدنية، تعمل وفق الدستور والانتخاب الحر.

كما أمل أن تتمكن هذه الشعوب من حكم نفسها كما في الجهة الاخرى من المتوسط بعيدًا عن سطوات الحركات المتطرفة التي كانت تتلقى دعمًا من الحكام المستبدين في تلك الدول بشكل مباشر أو غير مباشر.

لكن رشيد الخيون خالفه في تشبيهه الثورات العربية بالثورة الفرنسية فروبسبير غير موجود في أي ثورات في هذه الدول. بل إنها تخلق قادتها بعد الثورة، وتؤسس للبرلمانات. كذلك حدثت هذه الثورات في دول أنظمة التوريث الجمهوري. وختم الخيون بأن ما حصل هو أن المواطن العربي قد فتح فمه، ولن يستطيع أحد إغلاقه.

من جانبها تحدثت الصحافية والناقدة السينمائية أمل الجمل عن تجربتها مع الثورة المصرية التي لم تلتحق بها في أول أيامها، بل كانت يائسة من قدرة الشعب المصري من الثورة وازاحة نظام مبارك، خاصة بعد انتشار البلطجية في احياء القاهرة وتهديدهم حياة الناس بشكل مباشر، لكن إصرار الشباب والشابات على مطالبهم، أعاد إليها الامل، وقررت الالتحاق بهم، حتى تنحّي رئيس النظام حسني مبارك.

واوضحت الجمل أن نظام مبارك أفقر مصر بشكل كبير وسلبها كل شيء، وجعلها من أفقر البلدان، فيما هي دولة غنية. فحتى نماذج التحف الفرعونية التي تباع في الشوارع مكتوب عليها صنع في الصين. والشعب كان يدفع الضرائب عن كل شيء من دون أن يرى الخدمات.

وقد تدهور الوضع المعيشي المصري بشكل كبير. فكان دخل الفرد اليومي أقل من دولار واحد، برغم ان مصر بلد سياحي وزراعي بامتياز. فهاجرت الكوادر للخارج وبقي النظام وحاشيته يسلبون خيرات البلد.

لكنها شكت وجود هوة كبيرة اليوم بين الثوار والمجلس العسكري في مصر، فالمطالب لا تنفذ الا بشكل بطيء جدًا. وتخوفت من تماهل المجلس العسكري في تحقيق مطالب الثورة لمصلحة رجال النظام السابق.

سبق الندوة عرض فيديو موسيقي أنجزه التونسي صلاح الكعلي عن الثورة التونسية. وتخللتها قراءات شعرية إيطالية ركزت على ما جرى في تونس ومصر وليبيا.