بيروت: تسببت الضربات الجوية التركية بقتل وتشريد العديد من المدنيين، وأججت الانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان، والسكان المحليين، وحكومة إقليم كردستان، وحتى برلمان بغداد. وهذا المأزق لم يقوض فقط فرص التفاوض لحل النزاع التركي-الكردي، بل أدى إلى زيادة التوتر بين الجماعات الكردية في العراق والمنطقة.

تحدثت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; عن الأزمة المتنامية بين العراق وتركيا بسبب الضربات الجوية التركية على طول الحدود مع العراق في الاسابيع الاخيرة من أجل البحث عن مسلحين من حزب العمال الكردستاني.

وعلى الرغم من أن التدخلات العسكرية كان لها تأثير أقل مما كان متوقعاً على التحالف بين تركيا والأكراد العراقيين، إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى التفرقة بين الجماعات الكردية عبر الحدود وتشجيع الاضطرابات الإقليمية.

ولم تكن التدخلات العسكرية التركية مفاجئة على الحدود حيث ما يزال حزب العمال الكردستاني نشطاً هناك، كما أن اختراق الحدود يعتبر سهلاً إلى حد كبير. وكانت هذه التدخلات تحدث بصورة متقطعة لأكثر من عقدين، منذ أن وقّعت حكومة تركيا على اتفاق مع بغداد للبحث ومطاردة وإلقاء القبض على إرهابيين على طول المنطقة الحدودية في شمال العراق.

ولم يشمل الاتفاق الأمني حملات القصف التي تنتهك السيادة العراقية، لكن لم يتم استنكار الغارات الجوية من قبل دول إقليمية وتحديداً سكانها الأكراد. كما أن الحكومة العراقية لم تعترض على الغارات بسبب ضعف الموارد العسكرية والسلطة السياسية لمراقبة المجال الجوي شمال البلاد.

وتحولت الاتفاقية الأمنية في نهاية المطاف إلى جزء من صفقة استدانة بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان. ففي مقابل تبادل الاتصالات والمساعدة الأمنية على الحدود المشتركة، فتحت تركيا حدودها أمام الأكراد، الامر الذي ساعدهم على تأمين الاحتياجات الإنسانية وتحقيق أرباح مجزية عبر تجارة تهريب الغذاء مقابل الوقود.

ونظرا للحصار المفروض على الشمال الكردي في ذلك الوقت، كان في مصلحة حكومة إقليم كردستان الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا، التي أصبحت بمثابة شريان حياة للمنطقة الشمالية الساحلية.

وسرعان ما برزت العلاقة الثلاثية بين انقرة وأكراد العراق، وحزب العمال الكردستاني، على الرغم من أن كل طرف في استخدم العلاقة لمصلحته. فأنقرة تستطيع الاستمرار بملاحقة أفراد حزب العمال الكردستاني في العراق بمساعدة من حكومة إقليم كردستان.

ويمكن للأكراد العراقيين الإبقاء على الحد الأدنى من قوات حزب العمال الكردستاني في منطقتهم للحفاظ على مصالحهم في تركيا إضافة إلى مصالح الأمن الإقليمي. ويمكن لحزب العمال الكردستاني استخدام قاعدتها الجديدة لممارسة الضغط على الدول الإقليمية غير المتعاونة لحشد معارضة كردية.

ومع إنشاء الدولة العراقية الفدرالية، أصبحت تركيا مصدرا رئيسيا للاستثمار في اقليم كردستان، جنبا إلى جنب مع حكومة اقليم كردستان والأسر التابعة لها. فتركيا توفر وصول خطوط الأنابيب العراقية إلى أسواق الطاقة الأوروبية عن طريق ميناء جيهان، كما انها تسيطر على نقطة حدودية مفتوحة بشكل قانوني للتجارة في الشمال الكردي.

وحاولت حكومة إقليم كردستان تمييز مصالحها الاقتصادية والسياسية مع المطالب القومية الكردية، داخليا وعبر الحدود، وأغلقت مكاتب حزب العمال الكردستاني داخل المراكز الحضرية، وأدانت جميع أشكال الإرهاب.

وحكومة إقليم كردستان ليست مضطرة فقط أن تحمي مكانتها المميزة في العراق وتحالفها مع تركيا، إنما عليها أن تسعى لطمأنة دول المنطقة والمجتمع الدولي بأنها جادة في مكافحة الإرهاب والحفاظ على المنطقة آمنة للاستثمار فيها.

وطالما أن المشكلة الكردية في تركيا لا تزال دون حل، ويتم استخدام حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان كقاعدة، فمن المرجح أن تستمر التوغلات العسكرية التركية في المنطقة الحدودية في شمال العراق.

وفي ظل التباين المتزايد بين الحكم الذاتي الكردي في العراق والمطالبات الكردية عبر الحدود، فإن إقليم كردستان سيستمر في اعتماد سياسة جذب وصد المعارضين الاكراد. وبدلا من الانسحاب من هذه الصراعات الحدودية، قد تجد حكومة إقليم كردستان نفسها في موقف غير مريح وستضطر الى تضييق الخناق على القوميين الاكراد لدعم مصالحها وحلفائها في المنطقة.