كوالالمبور: يعد تعهد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق الانتقال من الماضي الاستبدادي لماليزيا اعترافا بتنامي الضغط العام من اجل ديموقراطية حقيقة يعتقد الكثيرون انها لا بد ستأتي.

ويهيمن quot;تنظيم اتحاد المالايو الوطنيquot; على ماليزيا ذات الغالبية المسلمة منذ خمسة عقود. وقد تمكن من توفير نمو قوي واستقرار سياسي للبلاد غير انه ابقى قبضته مشددة على الاعراق والاديان المتقلبة.

غير ان الحكومة الماليزية تتعرض اخيرا لضغوط غير مسبوقة بسبب نفاد الصبر من هيمنة تنظيم المالايو ومن الفساد وسياسات حقبة السبعينات التي مازالت تمارس وتميز السكان المالايو عن المجموعات الاصلية.

والاسبوع الماضي صرح نجيب الذي يتوقع ان يعلن عن انتخابات في غضون شهور، انه سيتخلى عن قانون مخيف يسمح بالاحتجاز دون محاكمة وعن اجراءات اخرى تنظر اليها باعتبارها وسائل قمع يمارسها تنظيم المالايو، من اجل ديموقراطية quot;حديثة وناضجةquot;.

ويقول كريم رسلان احد المعلقين الماليزيين على قضايا اجتماعية وسياسية انه لا بديل عن مزيد من الانفتاح. غير ان السبيل الى ذلك سيكون شاقا وسيواجه مقاومة الحرس القديم العنيد.

ويقول رسلان quot;لم نعد ديموقراطية الزعيم القوي ولكننا مازلنا نتحسس طريقنا ولا نعرف لاي مدى وبأي وتيرة سنتمكن من الانفتاحquot;.

وتبدو علامات التغيير في كل مكان.

فالمعارضة التي كانت يوما لا يحسب لها حساب اكتسبت قوة وتمكنت من احراز تقدم على اصعدة لم تعهدها من قبل خلال الانتخابات الوطنية في 2008، وباتت تطمح الان للوصول للسلطة.

وتعم الانترنت مواقع الاخبار التي يقصدها الكثيرون والتي تنتقد الحكومة انتقادا شديدا -- وذلك في ظل سيطرة تنظيم المالايو على وسائل الاعلام المطبوعة فضلا عن الاذاعة والتلفزيون -- وقد تمكنت حملات على الفيسبوك وتويتر من احراز بعض النجاح في عرقلة تحركات حكومية.

وجاء تحرك نجيب الجريء بشكل غير معتاد بهدف انقاذ امال اعادة انتخاب حزب المالايو والتي تضررت بسبب تباطؤ وتيرة التغيير السياسي والسخط الشديد ازاء سحق مسيرة شهدتها العاصمة كوالالمبور في تموز/يوليو للدعوة لاصلاحات انتخابية.

غير ان رئيس الوزراء لم يدل بالكثير من التفاصيل وسيقاوم المحافظون من المالايو بضراوة اجراء اصلاحات كبيرة فهم يحظون بنفوذ كبير في الحكم اذ تدار الحكومة من قبل ائتلاف يتزعمه تنظيم اتحاد المالايو منذ الاستقلال عام 1957.

وتقول بريدجيت ويلش المحللة بجامعة الادارة بسنغافورة quot;يمكن ان تغير كافة القوانين التي تريدها ولكن ان لم تغير المؤسسات التي تنفذها -- من قبيل الشرطة والهيكل الحكومي -- فأي تغيير سيطرأ؟quot;.

فالنظام القضائي والشرطة في ماليزيا يعتبران تابعين لتنظيم المالايو وفقد التنظيم سيطرته على القضاء والشرطة يهدد بتولي هيئات محايدة التحقيق فيما يزعم من انتهاكات يرتكبها التنظيم.

كما ترفض الاجهزة الامنية القوية تخفيف قبضتها التي تعتبرها ضرورية لضمان الوئام بين اغلبية من المالايو المسلمين، التي رجح تعداد للسكان عام 2000 ان نسبتهم 60,4%، واقليات صينية وهندية حيث جرت اعمال عنف عرقية في الماضي.

وسيقاوم بشدة اي تهديد للامتيازات التي تم تكريسها قانونيا لصالح من يوصفون في ماليزيا بquot;البوميبوتراquot; او quot;ابناء الارضquot;.

وتؤثر تلك الامتيازات المالايو وغيرهم من السكان الاصليين في السياسة والاقتصاد عبر مساعدات وحصص تخصص لهم في الجامعات ووظائف الدولة والتعاقدات.

غير انه حتى عدد متزايد من المالايو انفسهم باتوا يشتكون من ان النظام يتعرض للانتهاك من جانب نخبة فاسدة تسعى للتربح وزيادة سلطاتها.

وتقول ويلش quot;اصحاب السلطة يحتاجون تلك الامتيازات حتى يستمر بقاؤهم، ومن في القمة يتمتع بتلك الوظائف السهلة التي تدر الكثير من المال. انه نظام يأكل فيه الكبير الصغير ويغذيه الفساد المتوطنquot;.

وسيحتاج نجيب لاستمالة المتشددين الاقوياء في حزبه، وهي المهمة الصعبة نظرا لان سابقه عبد الله بدوي واجه ردة فعل قوية من جانب تنظيم المالايو حينما طرح اصلاحات لمكافحة الفساد.

غير ان المعارضة تطالب بالمزيد من المبادرات، ودون تغيير كبير قد يعاقب الناخبون نجيب وتنظيم الملايو خلال الانتخابات، حسبما يقول ابراهيم سفيان مدير مركز ميردكا الرئيسي للاستطلاعات في ماليزيا.

ويضيف سفيان quot;لقد فتح القمقم وبات المارد بصدد الخروج منه. اذا اراد غلق القمقم او التلكؤ فستكون هناك ردة فعلquot;.

وقلة يعتقدون انه بالامكان وقف رياح التغيير التي هبت على انظمة في العالم العربي.

ويقول كريم quot;عندما يحدث ذلك ستطلق (اصلاحات نجيب) سلسلة من التغييرات الاخرى -- في تفاعل متسلسل سيجعل في نهاية الامر ماليزيا مجتمعا اكثر انفتاحا وحراكاquot;.

ويضيف quot;نعم ستكون ماليزيا اصعب في إدارتها، ولكن هذا هو الاتجاه الذي نسير فيهquot;.