يرى محللون مغربيون أن هامش عمل حكومة بنكيران على مستوى الملفات الخارجية للمملكة المغربية سيكون ضعيفًا، بعد تعيين الطيب الفاسي الفهري مستشارا في الديوان الملكي في بداية الأسبوع الحالي، بما يفيد أنه قد تم ترسيم ما يسمّى بالمجال المحفوظ للملك المتعلق بالسياسة الخارجية.


الملك المغربي أثناء الاحتفال بتنصيب حكومة بنكيران

يحيى بن الطاهر من الرباط: وصف الباحث في العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط عبد الرحيم منار السليمي تعدد التعيينات للمستشارين الملكيين تزامنًا مع مرحلة تشكيل الحكومة الحالية بـquot;الظاهرة المثيرة للانتباهquot;. وأضاف السليمي لـquot;إيلافquot;: quot;هي تعيينات تعبّر عن أننا كنا في المغرب نعيش صراعًا دستوريًا بين مجالين، مجال المؤسسة الملكية ومجال رئيس الحكومة التي كانت قيد التشكيلquot;.

واعتبر الباحث أن التعيين الأخير لوزير الخارجية والتعاون السابق الطيب الفاسي الفهري كمستشار في الديوان الملكي، يدخل في إطار ما وصفه quot;ترسيمًا لما يسمى بالمجال المحفوظ للملك على مستوى الملفات الخارجيةquot;، قبل أن يوضح أنه ترسيم quot;يبعد ما يسمّى برئاسة الحكومة في المجالات الخارجيةquot; كما قال، قبل أن يضيف أن quot;هذه المسألة تتأكد أكثر عندما نحلل سوسيولوجيا العناصر، التي ستسند إليها وزارة الخارجية، فنجد هناك سعد الدين العثماني، لكن هناك وزير منتدب هو من نخب السيادة، له علاقة بوزير الخارجية السابق، الذي تحول إلى مستشار ملكيquot;.

وفي الوقت الذي تم فيه تعيين وزير للخارجية والتعاون من حزب العدالة والتنمية، هو القيادي في الحزب المذكور سعد الدين العثماني، إلا أن الفريق الحكومي الذي عيّنه العاهل المغربي يوم الثلاثاء الماضي برئاسة رئيس الوزراء الإسلامي عبد الإله بنكيران، ضم كذلك وزيرًا منتدبًا لدى وزير الخارجية والتعاون.

وخلص الباحث في العلوم السياسية إلى أنه سوف يكون هناك quot;استمرار لاشتغال المستشار الملكي على الملفات الرائجةquot;، في إشارة منه إلى تدبير ملف الصحراء والمفاوضات، التي تشرف عليها الأمم المتحدة بين الأطراف المعنية بالنزاع، وأيضًا الملف المتعلق بعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

وأشار السليمي لـquot;إيلافquot; إلى أنه quot;قد يكون تعيين سعد الدين العثماني في الخارجية والتعاون، وفي الوقت نفسه تعيين الطيب الفاسي الفهري مستشارًا ملكيًا، يعبّر عمّا يسمّى بتوازن علاقة المغرب مع القوى الدوليةquot;. وأوضح الباحث: quot;للفاسي الفهري علاقات مع الاتحاد الأوروبي، لكن بقيت علاقاته محدودة مع دول العالم العربي ومع الولايات المتحدة الأميركية، في حين يمكن لسعد الدين العثماني أن يفيد هنا، ويعمل على مجال يمكن أن يطوره، على اعتبار أن الإسلاميين الآن هم مقبولون على مستوى العالم العربي وأيضًا على مستوى الولايات المتحدة الأميركيةquot;.

في هذا السياق، قرأ السليمي في تعيين وزير الخارجية السابق الطيب الفاسي الفهري مستشارًا ملكيًا quot;إشارة موجّهة إلى الاتحاد الأوروبي أكثر ما هي موجّهة إلى دول أخرى، وتعيين العثماني هو إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى دول الخليجquot; كما قال. وقال السليمي، في قراءة التعيين داخل ما عبّر عنه quot;بتوازنات الدولةquot;: quot;هذا يوضح أن هامش عمل حكومة بنكيران على مستوى الملفات الخارجية سيكون ضعيفًا، لأنه بتعيين الفاسي الفهري مستشارًا ملكيًا، يكون قد تم ترسيم ما يسمّى بالمجال المحفوظ للملك، والمتعلق بالسياسة الخارجيةquot;.

لم تفت الباحث في العلوم السياسية الإشارة إلى أن الفريق الحكومي الحالي، يضم quot;على الأقل نسبة 19 % من وزراء السيادةquot;. معتبرًا أنه حدث تراجع بالمقارنة مع حكومة التناوب التوافقي، التي قادها الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي. وأوضح أنه quot;رغم أن بعض الوزارات سلمت للأحزاب السياسية، إلا أن الظاهرة الجديدة هي الوزارات المشتركة، ما بين الحزبية والسيادةquot;. في إشارة منه إلى وزارتي الداخلية والخارجية، التي ضمّت إلى جانبها وزارتين منتدبتين في الخارجية، وأخرى في الداخلية.

وقال السليمي لـquot;إيلافquot;: quot;إن هناك عودة قوية لما يسمّى بنخب السيادة وبوزراء السيادة، وهو ما يثير إشكالات دستوريةquot;. وعلل الباحث كون أن الدستور الحالي لا يتحدث عمّا يسمّى بوزارات السيادة، بأنها quot;هي ممارسة امتدت من ماض ما قبل دستور 2011، وأصبحت الآن تكرّس في الممارسة السياسية لما بعد تنزيل الدستورquot;.

وأضاف السليمي: quot;إن أول ملاحظة، على مستوى تنزيل الدستور، هي مسألة إضافة ما يسمّى بممارسات سياسية، لا علاقة لها بالدستور المكتوب، وهي المتعلقة بوزارات السيادة، لأن الدستور لا يتحدث عما يسمّى بوزارات السيادة، وإنما يعطي كل شيء للأحزاب السياسيةquot;. ولاحظ السليمي أن الفريق الحكومي الحالي مشكّل من ثلاثة أجسام، مصنفًا إياها بما سمّاه بـ quot;نخب السيادةquot;، وquot;جسم العدالة والتنميةquot;، وquot;جسم باقي مكونات الغالبية (أحزاب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والحركة الشعبية)quot;.

من جهة أخرى، أكد الباحث لـquot;إيلافquot;: quot;أن حكومة بنكيران ستكون في وضعية صعبة، من خلال العنوان الكبير، الذي نقرأه في تشكيلة الفريق الحكوميquot;. وأوضح quot;أن العدالة والتنمية مطالب بالعمل على المجال الاجتماعيquot;، وهي مسألة صعبةquot; كما قال، معتبرًا أن الهدف من هذه التشكيلة وأيضًا الحقائب الوزارية، التي حازها حزب العدالة والتنمية، سترغمه على العمل في المجالين الاجتماعي والحقوقي، في حين أن كل المجالات الأخرى المرتبطة بالاقتصاد والمالية والخارجية، quot;ستظل منفلتة لرئيس الحكومة، وهنا تكمن صعوبة وظيفة حكومة بنكيران، وهي حكومة ستقوم بوظيفة quot;الإطفائيquot; لكل الاحتجاجات الاجتماعية المقبلةquot;، يضيف مؤكدًا quot;منحت فرصة 100 يوم للحكم على هذه التعيينات ووظيفتها الحقيقية الخفيةquot;.

من جهة أخرى، اعتبر الباحث في العلوم السياسة في الكلية متعددة التخصصات في مدينة آسفي سعيد خمري تعيين وزير الخارجية السابق الطيب الفاسي الفهري مستشارًا في الديوان الملكي، يأتي هذا في سياق التعيينات الملكية الأخيرة التي تمت خلال المدة الأخيرة. وقال الباحث لـquot;إيلافquot;: quot; هناك تأويلات مختلفة بعد التعيينات الملكية الأخيرة لشخصيات وازنة لرجالات دولة وفاعلين في الساحة السياسية الرسمية والأكاديمية كذلكquot;.

وأضاف خمري: quot;بطبيعة الحال، هناك من يذهب في اتجاه أن الأمر يتعلق بحكومة الظل أمام حكومة رسمية، يقودها حزب إسلامي، بقيادة عبد الإله بنكيران، وبالتالي هناك عملية خلق من التوازن، وممكن أن تكون هناك قراءة أقل تشاؤمًا بحديثها عن أن هناك نوعًا من توسيع الهامش الاستشاري للمؤسسة الملكية، بما يخوّله إياها الدستور من صلاحيات جديدة فقطquot;.

استبعد خمري أن يكون هناك ما قد يقرأ منه إعادة الاعتبار للطيب الفاسي الفهري، بعد الانتقادات الشديدة، التي كانت تكال بين الفينة والأخرى بالنسبة إلى أداء الخارجية المغربية في عهده. واستطرد الباحث: quot;المدرك للتاريخ السياسي للمغرب سيعرف أن المؤسسة الملكية لا تفرّط في رجالاتها، ولو كانوا في ممارسة مهام رسمية حكومية بإعطائهم وظائف استشارية إلى جانب المؤسسة الملكيةquot;.

في هذا السياق، تساءل الباحث ،الذي كان يتحدث إلى quot;إيلافquot;: quot;هل يتعلق الأمر فقط بتوزيع الهامش الاستشاري للمؤسسة الملكية؟، وهذا شيء طبيعي، لأنها مؤسسة دستورية، ولها صلاحيات واضحة في الدستور الجديد، أم إن الأمر يتعلق بتأسيس جديد لنوع من حكومة الظل، وبالتالي لدينا حكومة رسمية، ولكن الحكومة الفعلية، التي لها صلاحيات وتمارس السلطة بالفعل، هي لمستشاري الملك؟quot;. وفضل الباحث عدم التسرّع ومنح فرصة 100 يوم للحكم على هذه التعيينات الملكية وquot;وظيفتها الحقيقية الخفيةquot;، كما قال، تمامًا مثلما يتم منح فرصة 100 يوم بالنسبة إلى الحكومة.