عبد العزيز بلخادم الأمين العام لجبهة التحرير الوطني

جبهة التحرير الجزائرية الحاكمة معرّضة للهزيمة في الإنتخابات التي حلت على الأبواب، بفعل الصدامات الداخلية من جهة، حيث تتنافس تياراتها للسيطرة على قوائم المرشحين للتشريعيات، ومن جهة أخرى بسبب المبادرات الشعبية للشباب الجزائري الهادفة إلى إسقاط ديناصورات الفساد السياسي.


الجزائر: كالعادة عشية المواعيد الانتخابية، تعيش جبهة التحرير الوطني ndash; حزب الغالبية في الجزائر ndash; حالة من التوتر بفعل تهافت أتباعها عبر كبرى الولايات على الظفر بأماكن ضمن قوائم مرشحي التشكيلة لتشريعيات أيار (مايو) 2012.

وبينما رجّح محللون لـquot;إيلافquot; انهزام الحزب، الذي يتزعمه عبد العزيز بلخادم، في الاقتراع المقبل، يكشف معارضون عن تأهبهم لشنّ حملة ضدّ جبهة التحرير وحليفها التجمع الديمقراطي، بغرض quot;إسقاط وصايتهما على الشعبquot;.

الجزائر

على منوال ما حدث عشية تشريعيات 2002 و2007، شهدت بعض محافظات جبهة التحرير صدامات بين أنصارها، وصلت إلى حد نشوب معارك بالخناجر والهراوات على خلفية الصراعات الناشبة حول قوائم المرشحين للتشريعيات، بسبب رغبة فريق في تمكين أسماء برلمانية ووزارية كي تتصدر تلك القوائم مجددًا، ومُمانعة فرق أخرى.

وكخطوة استباقية، ارتضى قطاع آخر quot;الهجرةquot; نحو الجناح الثاني في quot;حركة التقويم والتأصيلquot;، التي ظهرت في خريف عام 2010، وكذا إلى أحزاب قيد التأسيس في رحلة البحث عن التموقع.

بحسب مراجع محلية، فإنّ الصراع القائم يحتدم بين تيارات كثيرة، أهمها ثلاثة تيارات: تيار عبد العزيز بلخادم، الذي لا يمثل استنادًا إلى مراقبين إلاّ أقلية صغيرة، ثم تيار آخر يمثل الراغبين في القيادة، وهم على شاكلة بلخادم من حيث التفكير، وأخيرًا هناك تيار قوي جدًا، يمثل الملتزمين بفكرة أنّ الرجل الأنسب لجبهة التحرير الوطني هو quot;علي بن فليسquot; رئيس الحكومة السابق، الذي حلّ ثانيًا في رئاسيات 2004.

في المقابل، تفادت قيادة الحزب الخوض في تفاعلات ما يقع، وتحدثت بشكل مُبهم عمّا أسمته quot;التجاوب الفعّالquot; وquot;روح المسؤوليةquot; التي تحلّى بها الكوادر والمناضلون، بما سيضمن quot;تكريس المكانة الريادية للحزب كقوة سياسية أولى في البلاد خلال الانتخابات التشريعية المقبلةquot; على حد ما ورد في بيان صدر من قيادة التشكيلة قبل ساعات.

يعزو المحلل عابد شارف ما يحدث من تشرذم داخل بيت جبهة التحرير إلى مسارعة ناشطيها بانتزاع quot;فرص عملquot; في البرلمان المقبل، ويفند شارف صحة القراءة القائلة بوجود رغبة لدى جهات سلطوية في تفتيت الجبهة، حتى يتم تعبيد طريق الانتصار أمام غريمها التجمع الديمقراطي، بقيادة الوزير الأول أحمد أو يحيى.

د.حبيب بوخليفة

وإذ يشير محدثنا إلى كون جبهة التحرير قادرة على تفتيت نفسها بنفسها، يشدّد على أنّ الفكاك الجبهوي الحاصل مردّه الريع ليس إلا، وعمّا إذا كان حزب بلخادم سينال غالبية حصص البرلمان، يجيب شارف: quot;الله وأجهزة الأمن أعلمquot; (..).

من جانبه، يذهب هيثم رباني إلى أنّ الصراع داخل جبهة التحرير الوطني سيؤدي بها إلى التفتت، لافتًا إلى أنّ القيادة غير واعية تمامًا بما يجري في المنطقة العربية، كما يبدو برأيه أنّ القيادة نفسها تستصغر وعي الشعب الجزائري، وتظن أنه سيصوّت دائمًا للجبهة.

بمنظور رباني، فإنّ جبهة التحرير عفا عليها الزمن، وهي في صدد الزوال كحزب وكتيار، إذا ما وصلت رياح التغيير إلى الجزائر، ولن يكون ذلك سببًا في صعود quot;التجمع الديمقراطيquot; حليفها ومنافسها في آن واحد، لكون حزب أحمد أويحيى مكروهًا شعبيًا، بسبب مساندته لكل القرارات غير الشعبية المتعلقة بالاقتصاد والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي والاستثمارات العربية بشكل عام، لذا يوقن رباني أنّ الجبهة تمامًا مثل التجمع لن يحرزا شيئًا ذات أهمية لو نظمت انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة.

بدوره، يقدّر د. حبيب بوخليفة أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر، أنّ ما يجري في صفوف جبهة التحرير، هو صدام بين من يصفهم بـquot;الانتهازيينquot;، الذين يراوغون من أجل الحفاظ على مصالحهم. ويُرجع بوخليفة صراعات الجبهة إلى تناقضات المنتمين إليها، ما يُنذر بإضعافها وعدم خروجها سالمة في الانتخابات المقبلة، بعدما ملّ الشعب هذه الجبهة، وينتظر اندثارها لأنها ndash; يضيف - سبب الجمود المرعب الذي يخنق القدرات والكفاءات في البلد.

هيثم رباني

كما يُركّز على أنّ جبهة التحرير مثلها مثل الائتلاف الحاكم، أصبحت خارج مجال التغطية، وتجاوزها الزمن، بعدما ظلت تستفيد من الريع النفطي، وعجزت عن تغيير الوضع المزري للشعب الجزائري، ويخطئ قادتها باعتقادهم أنهم قادرون على إيقاف عجلة التاريخ.

هجوم معاكس لإسقاط quot;الديناصوراتquot;

في هذه الأثناء، علمت quot;إيلافquot; أنّ أربع مجموعات شبابية تصف نفسها بـquot;المتوغلة في الأوساط الشبانيةquot; تستعد لشنّ هجوم معاكس على جبهة التحرير وحليفها التجمع الديمقراطي، ويتعلق الأمر بكل من: المجلس الأعلى للشباب - شباب ثورة مايو - جماعة الياذة الجزائر وجماعة التغيير في جبهة التحرير.

يقول محمد حميان المنسق العام للمبادرة، التي تحمل اسم quot;إسقاط ديناصورات الفساد السياسيquot;، إنّ الائتلاف الحاكم يبقى المسؤول الأول عن تكريس الرداءة وغلق المجال السياسي والإعلامي والمشاركة في الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

يصف حميان المبادرة بـquot;الشعبية والجديةquot;، وستشمل، بحسبه، كل ولايات الوطن وبلداتها، بحيث سيكون العمل ميدانيًا محضًا، وسيتخذ أشكالاً تواصلية عدة، جوارية وتوعوية.

ويدافع حميان عن جدوى مبادرته بكون جزائر 2012 تتعرّض لما سمّاها quot;مؤامرة داخليةquot; منظمة من قيادات أحزاب سياسية معروفة، تعتبر نفسها وصية على الشعب الجزائري، وتتطلع إلى الاحتفاظ بالسلطة عبر شعارات منتهية الصلاحية، على حد قوله.

ذكر حميان لـإيلاف، أنّ 492 عضوًا ينشطون حاليًا في المبادرة، ينتمون إلى مختلف شرائح المجتمع، وغير محسوبين على أي طيف سياسي، وسيقوم الأعضاء بجمع توقيعات الرافضين للوضع القائم، كاشفًا عن اتصال كوادر عدة في جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي بغرض الانضمام، وهو ما قوبل بالرفض، خشية إجهاض العملية من طرف هؤلاء.

لا ينوي عرّابو مبادرة quot;إسقاط ديناصورات الفساد السياسيquot; استبعاد حركة مجتمع السلم (فصيل إخواني) من حراكهم، رغم انسحابهاأخيرًا من الائتلاف الحاكم. ويبرر حميان ذلك بكون التشكيلة لزعيمها quot;أبو جرة سلطانيquot; لا تزال ممثلة في وزرائها في الحكومة، وما سُمّي بطلاقها مع الائتلاف فاقد لمعناه، طالما أنّها ساهمت بحسبه في ركود وتردي أوضاع الجزائريين لمدة تجاوزت الثماني سنوات.

إلى جانب يقينه بأنّ مواطنيه صاروا خبراء في تقويم ممارسات سياسية فاسدة، فإنّ حميان يبدي قناعة بأنّ الشعب الجزائري سيؤيّد كشفكل الممارسات، التي لا تمتّ بأي صلة إلى مقومات الشخصية الجزائرية، بما سيتيح ndash; برأي محدثنا - كشف الحجم الحقيقي لأحزاب أخفقت في تحريك عجلة التنمية، وحان وقت ذهابها، حتى تزحف الجزائر بكل أمان نحو المستقبل.