عراقيون أمام إحدى إدارات الدولة

تدار مؤسسات الدولة العراقية حاليًا عبر الماكينة الحزبية وليس عبر المهنية أو الكفاءة، إذ تحولت هذه المؤسسات إلى حصص للتَّراضي السياسي، ما يضع مسألة ابتلاع الدولة من قبل القوى النافذة أمرًا مألوفًا في الكثير من المجالات.


بغداد: يأمل العراقيون منذ سنوات أن تنجح الدولة العراقية في ترسيخ دعائم جديدة نحو تحييد الوظيفة ومؤسسات الدولة، للتخلص من ظاهرة الهيمنة السياسية والحزبية على الإدارة. لكن الأمر بدا مخيبًا للآمال في نظر الكثيرين الذين يلاحظون غياب معايير الاستحقاق المِهني والقانوني، لتتحول الواسطة والمحسوبية والحزبية الطريق الاقصر للوصول إلى المناصب العامة والوظائف.
سعيد أحمد الياسري، خريج كلية الزراعة منذ أربع سنوات، يسعى للحصول على وظيفة عبر الطرق الشائعة اليوم، كدفع مبالغ مالية لوسيط ما أو عبر جهة حزبية نافذة. كما يسعى للانتماء إلى تنظيمات حزبية بغية زيادة فرصة الحصول على وظيفة. ويؤكد الياسري أن الاحزاب تلعب اليوم دورًا كبيرًا في اتخاذ الكثير من قرارات الوزارات، بحسب القوة السياسية النافذة التي تمتلكها .

دكاكين أحزاب

يشير الاعلامي العراقي جمال المظفر إلى أن العراقيين يتمنون وجود دولة مؤسسات، لا دكاكين أحزاب، كما لا يريدون أن تصبح الدولة بأكملها ملكًا لحزب واحد.
وتشير الاستطلاعات بين المواطنين إلى أن شعورًا قويًا يتملكهم، عن خضوع مؤسسات الدولة لسطوة الانتماء الحزبي والمحسوبية والقرابة العائلية أو العشائرية على حساب الكفاءة.
نادر عبد، أكاديمي في العلوم السياسية في جامعة بابل، يعترف بأن الاحتقان السياسي والطائفي في السنوات الماضية كان نتاج هذه الظاهرة ايضًا. يضيف: quot;هناك ممارسات سببت احراجًا كبيرًا للموظفين المهنيين وأصحاب الكفاءاتquot;.

أما عبد الحسين ريسان، النائب عن كتلة الأحرار، فينتقد تحول مؤسسات الدولة إلى مكاتب لأحزاب سياسية بسبب تقسيمها على أساس عرقي وطائفي. يقول: quot;حتى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لم تسلم من مبدأ المحاصصةquot;.
وتشير الاحصائيات إلى أن في العراق أكثر من 500 حزب منذ العام 2003، غالبيتها أحزاب نافذة لها أذرع تمدها داخل مؤسسات الدولة، وتعمل على تسخير أجندتها وفق توجهاتها.
ويرى الباحث السياسي كامل الجبوري أن إقرار قانون جديد للأحزاب قد يساهم في الحد من هيمنة أحزاب أقلية على مقاليد السلطة، داعيًا إلى وضع حد للتمويل الحكومي للأحزاب، لأنه يجعلها خاضعة لسطوة الجهات السياسية المهيمنة على القرار السياسي.

تداخل بين الحكومة والدولة

يقول الباحث الاجتماعي عصام نعمان إن المواطن العراقي يراقب عن كثب السبيل الذيسلكه أقرباء كل نائب أو سياسي للحصول على الوظائف ولتبوّء المناصب في الدولة.
يضيف: quot;تدار مؤسسات الدولة العراقية اليوم عبر الماكينة الحزبية، من دون التنبّه للمهنية أو الكفاءة، إذ تحولت المؤسسات إلى مجرّد حصص للتَّراضي السياسي، وبكلمة أخرى ابتلعت القوى النافذة الدولة وانتهى الأمرquot;.
لكن نعمان يشير إلى أن تمثيل وزراء ومسؤولين محليين لتوجهات أحزابهم وفق استحقاقهم الانتخابي ليس أمرًا سلبيًا، ولا يتناقض مع الديمقراطية، quot;لكن يجب الفصل في هذا بين الحكومة التي تسعى إلى الاستفادة من استحقاقها الانتخابي في الفوز، وبين الدولة التي يجب أن تبقي مؤسساتها وموظفيها بعيدًا عن نتائج الانتخاباتquot;.
وأوضح نعمان أن المناصب العليا تتبدل وفق الاستحقاقات الانتخابية في النظم الديمقراطية في العالم، من دون أن تتأثر مؤسسات الدولة وأجهزتها، بخلاف ما يحصل في العراق، حيث التداخل واضح وقوي بين الحكومة والدولة .

استقلال الأجهزة

تستمد اغلب المناصب في العراق اليوم قوتها من الانتماء الحزبي وليس من قوة المؤسسة. هذا رأي عامر السلطاني، أستاذ التاريخ، الذي يأخذ جانب المواطنين حين يتهمون الأجهزة الأمنية أيضًا quot;بأنها تسخّر أجندتها لخدمة جهة معينةquot;. يضيف: quot;تتراشق الاطراف السياسية تهم تطويع أجهزة الجيش والشرطة، وهذا وحده دليل على صحة ما يقوله المواطنونquot;.
ويتابع: quot;لكي تنجح الدولة العراقية في ارساء دعائم استقرارها، من المهم أن تبقى أجهزتها مستقلة، كالقضاء والاجهزة الامنية والرقابة الادارية والاقتصادية والسياسة الخارجيةquot;.
أما الكاتب ناجي الغزي فيدعو إلى الجدية quot;في ترميم الصدع الحاصل في مؤسسات الدولة العراقية، وعزل مظاهر التحزب عن العمل الوظيـفي وإبدال الولاء الحزبي بالولاء للوطنquot;.