ما بعد يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر بالنسبة إلى أهالي ضحايا وجرحى الإنفجار الذي وقع في منطقة الأشرفية في بيروت أمس، وطال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخليّ العميد وسام الحسن، لن يكون كما قبله أبداً. فمهما كانت النتائج التي تتوصّل إليها التحقيقات من ناحية الجهة المتّهمة، ومهما جرت طمأنتهم إلى أنّ quot;المجرم سيُحاكمquot;، لا يمكن للزمن أن يعود إلى الوراء ويبعد عنهم شبح الرعب النفسيّ، الذي لفّهم من كلّ حدب وصوب. وإذا كانت خسائرهم المادية لم تُحصَ بعد، فخسارتهم النفسية أكبر من ذلك بكثير: الشعور بالأمان فُقد، وهم يتلّمسون حبال الهواء لعلّهم يجدون ما يتمسّكون به للعودة إلى الحياة.


فيرونيك أبو غزاله من بيروت: أنينهم لا يرافق آلامهم الجسدية فقط، إنما هم يتمتمون كلمات فيها الكثير من الأسى على بلدهم عموماً ومنطقتهم الأشرفية خصوصاً، والتي لا تلبث أن تتذوّق طعم السلام حتّى تقع في الدماء مجدداً. هم أكثر من 100 جريح توزّعوا على المستشفيات القريبة من الأشرفية، ليحصلوا على المعالجة الجسدية السريعة، من دون أن يكونوا قد وعوا بعد هول الصدمة التي ألمّت بهم.

تجلس نادين في رواق المستشفى منتظرة كشف الطبيب على جروح أختها التي تعرّضت لصدمة قوّية عند دوي الإنفجار في محاذاة منزلها. وهي لا تنتظر أي سؤال لتصرخ عالياً quot;يريدون تهجرينا من منطقتنا وتشريدنا على الطرقات... فلمَ يدفع الأبرياء دائماً فاتورة الدمّ لتصفية حسابات أكبر منهم بكثير؟quot;.

لكنّ الكلام يضيع منها حين نسألها عن الجهة التي تجدها مسؤولة عن مثل هذا الإنفجار الضخم، لتقول جازمة quot;كلّ الطبقة السياسية مسؤولة عن إنعدام الأمن في لبنانquot;.

ففي الغرف التي يرقد فيها جرحى منطقة الأشرفية، لا مكان للخطابات السياسية أو لتبادل الإتهامات بين الفرقاء ذوي الإنتماءات المختلفة، لأنّ المصيبة الإنسانية هي الطاغية، خصوصًا أنّ هناك جرحى ما زالت حالتهم خطرة، وهم في العناية الفائقة، فيما ينتظر أهلهم بريق أمل بعودة أولادهم إليهم.

quot;سرقوا أحلامنا وأحلام أولادنا...quot;
مهما كانت الإصابة الجسدية التي يعانيها سكّان منطقة الأشرفية، فالألم النفسيّ يرافقهم في كلّ لحظة. ويتذكّر ميشال اللحظة التي وقع فيها الإنفجار، حيث كان يتنقّل على الطريق، وقد إستيقظ ليجد الدمار حوله في كلّ مكان. لكنّ quot;فاعلي الخير كانوا كثرquot; كما يقول ميشال، وهم هبّوا لمساعدة الدفاع المدنيّ والصليب الأحمر لإجلاء الجرحى والبحث عن أي أشخاصquot;.

أمّا القلق الأكبر الذي يساور ميشال فهو أن يعيش أطفاله الظروف نفسها التي عايشها خلال الحرب الأهلية، لأنّ quot;الرعب مدمّر، ولا يعود معه هناك مكان للطموحquot;. يتساءل ميشال quot;إذا كانوا سرقوا أحلامنا خلال السنوات الماضية، فهل سيسرقوا أحلام أولادنا أيضاً؟quot;، لكنّه لا يجد الجواب، فيفضّل إلتزام الصمت.

أمّا المواطنة ماري، التي أتت إصابتها طفيفة، فتجد أنّ نجاتها كانت بـquot;عناية إلهيةquot;، وهي تعبّر عن غضبها من حالة quot;الفلتان الأمني التي سمحت بإغتيال رئيس فرع المعلومات وسط حيّ شعبيّ ضمن منطقة الأشرفيةquot;. لكنّ ماري تستجيب لطلب أهلها بالهدوء وعدم التفكير إلا بنفسها لكي تتحسّن صحّياً ونفسياً، فتعضّ على جرحها، آملة بأن يتمّ الكشف عن هذه الجريمة وكلّ الجرائم الأخرى التي طالت شخصيات سياسية وأمنية في لبنان.

ما بعد اليقظة
يعقد الجرحى الذين ما زالوا موجودين في المستشفيات المنتشرة في محيط منطقة الاشرفية أملهم بالخروج معافين، لكنّ ما ينتظرهم خارجاً لن يكون سهلاً عليهم.

فالمواطنة ديانا صُدِمت عند وصولها إلى قرب منزلها في الحيّ المدمَّر حين رأت الكارثة التي ألمّت بالمنازل والسيارات والمحال التجارية. ورغم أنّ القوى الأمنية ما زالت تمنع سكّان المباني القريبة من الإنفجار من العودة إليها، فالأهالي يحاولون الدخول لإكتشاف حجم خسارتهم غير البسيطة في ظلّ الأزمة الإقتصادية العاصفة بلبنان. وتردّد ديانا quot;هذا جنى عمرنا، فمن يعيننا على مصابنا؟quot;.

وقد دعت مختلف الجهات السياسية الهيئات المختصة إلى البدء بإحصاء الخسائر وسرعة التعويض على المواطنين، فور إنتهاء القوى الأمنية من تحقيقاتها. لكن أهالي المنطقة يبحثون اليوم عن منازل ثانية لهم لدى أقربائهم وأصدقائهم، كما إنّ الجمعيات الأهلية قد فتحت أبوابها أمام المواطنين المحتاجين للمساعدة لتأمين مأوى.

وفي إتصال مع موقع quot;إيلافquot;، أكدّت جمعية quot;فرح العطاءquot; أنّ أياً من الأهالي لم يتّصل بعد لطلب العون، رغم أنّ الجمعية أطلقت نداء عبر القنوات التلفزيونية إتّقاء من ظاهرة التشرّد والعوز. إلا أنّ كلّ ذلك لا يمنع القلق من أن يتسرّب الى نفوس المواطنين المتضرّرين من إنفجار الأشرفية، وهذا ما يبرز في ترديدهم لعبارة quot;يا خوفنا أن نتحوّل الى أرقام ضمن لائحات التعويضات المعطّلة منذ سنواتquot;.