أثار اعتقال أفراد من جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في الأردن جملة من المخاوف لدى الأردن والحلفاء الغربيين، ما دفع بالكثيرين الى الإحجام عن تسليح المعارضة السورية.


لندن: خطوط من المصابيح كانت تضيء رقعة الأرض في ليلة رائقة من ليالي تشرين الأول (اكتوبر)، وندلٌ يقدمون المعجنات إلى رجال ملتحين ترتسم الابتسامات على محياهم، فيما كانت آيات التكريم تصدح على المسرح. وحملت اللافتات التي تزيّن المكان وجوها معروفة: أسامة بن لادن والقيادي الأردني في تنظيم القاعدة ابو مصعب الزرقاوي.

كان الحفل الذي أُقيم قبل أيام لتأبين رجل أقل شهرة من صاحبي الصور المعلقة على اللافتات، أب عاطل لستة اطفال ولكنه بنظر المعزين بطل رغم تواضع أصوله. فإن ناصر الدلقموني، حمل بندقية كلاشنكوف عبر بها الحدود إلى سوريا وسقط أثناء القتال في صفوف جماعة إسلامية ترتبط بتنظيم القاعدة.

وأعلن القيادي الإسلامي في شمال الأردن أبو محمد الطحاوي أمام الحاضرين في حفل التأبين في إربد، أنه لو كان هناك بضعة آخرين من أمثال ناصر الدلقموني لما كان هناك بشار الأسد.

وبدأت هذه الخطابية والرحلات المماثلة لرحلة الدلقموني تثير قلق الأردن والدول الغربية التي كثيراً ما تشير إلى دور الإسلاميين والمقاتلين الأجانب بوصفه من أسباب إحجامها عن تسليح المعارضة السورية. وتقدمت هذه المخاوف إلى الصدارة مجددا يوم الأحد، عندما أعلن الأردن اعتقال 11 أردنيا بتهمة التآمر لمهاجمة السفارة الأميركية وأهداف أخرى في عمّان، مستخدمين أسلحة عادوا بها من ساحات القتال في سوريا. وقال مسؤولون أردنيون لاحقاً إن جندياً اردنياً قُتل في تبادل إطلاق نار مع مسلحين كانوا يحاولون التسلل إلى سوريا.

ويقول الطحاوي ودعاة جهاديون آخرون إن 150 أردنيا على الأقل يقاتلون في سوريا مع جبهة النصرة التي ترتبط بتنظيم القاعدة. واعتُقل مسلحون آخرون من التيار السلفي في وقت يعمل الأردن بمساعدة الولايات المتحدة على ضبط الحدود التي تمتد نحو 360 كلم مع سوريا.

ومن المستبعد أن تكون هذه الأعداد كافية لقلب موازين القوى في سوريا ولكن الأردن يخشى أن تفيض تداعيات النزاع السوري عبر حدوده وأن تدفع عمليات تسلل الجهاديين إلى سوريا نظام الأسد إلى الرد ضد عمان.

وكان الأردن استقبل حتى الآن أكثر من 200 ألف لاجئ سوري، ودعا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأسد إلى التنحي. ولكن الأردن حافظ على علاقاته مع دمشق، واضعا نصب عينيه بتوجس تجاوزات النظام السوري على الأراضي التركية في الشمال، واتهامه بتدبير مثلها في لبنان من جهة الغرب.
ولا يقل مدعاة لقلق الأردن أن جهادييه أنفسهم قد ينظرون إلى حكومتهم على أنها حكومة غير مشروعة تستحق إسقاطها.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن اللواء محمود ارديسات، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في أكاديمية الملك عبد الله الثاني للدراسات الدفاعية quot;من تجربة العراق ومن تجربة افغانستان، فإن هؤلاء الأشخاص يمكن أن ينقلبوا على الأردنquot;.

خيارات صعبة

وهذا ما حدث في السابق. فان الزرقاوي الذي قاد تنظيم القاعدة في العراق، تبنى التفجيرات التي أوقعت 60 قتيلا على الأقل في ثلاثة فنادق في عمان عام 2005.

ولكن التعامل مع الجهاديين السلفيين مهمة دقيقة في بلد مثل الأردن منحهم وغيرهم من قوى المعارضة فضاء سياسياً واسعاً منذ الاحتجاجات التي بدأت خلال الربيع العربي. فالسلفيون ينظمون باستمرار تظاهرات واجتماعات حاشدة على غرار حفل التأبين الذي أُقيم في اربد. كما تحظى الانتفاضة السورية بتأييد واسع بين الأردنيين. وبخلاف العراق حيث قاتل مئات الجهاديين الأردنيين ضد القوات الأميركية فإن الجهاديين يهدفون إلى القتال ضد نظام يناصبه الأردن نفسه العداء.

وقال المتحدث باسم الحكومة سميح معايطة quot;نحن نحترم الحقوق الأساسية لكل مواطن بصرف النظر عن انتمائه الأيديولوجي ولكن دخول بلد مجاور وزعزعة الاستقرار ليس من هذه الحقوقquot;.

وشكا جهاديون سلفيون أردنيون يقولون إن هدفهم توحيد المسلمين في دولة اسلامية واحدة مما قالوا إنها حملة تضييق واعتقالات تقوم بها السلطات الأردنية. وقال المحامي موسى عبد اللات الذي يمثل سلفيين إن عشرات اعتقلوا بلا تهمة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن قياديين سلفيين أن الاعتقالات كرست قناعتهم بأن quot;الأردن دمية تحركها الولايات المتحدة التي تدعم النظام السوري لمنع الاسلاميين من السيطرة على سورياquot;. وفي مقابلات جرت قبل اعتقال الأردنيين الأحد عشر رفض جهاديون سلفيون الرأي القائل أنهم قد يهاجمون الأردن لاحقاً قائلين إن هذه دعاية يغذيها نظام الأسد ويصدقها الغرب ويستخدمها الأردن لملاحقة الاسلاميين.

وقال القيادي السلفي سعد الحنيطي إن السلفيين quot;لن يشكلوا تهديدا للأردن ابداquot;.

في هذه الأثناء، لا يبدي السلفيون ما يشير إلى تخليهم عمّا يسميه قادتهم دعوات تشجيعية وليس تجنيد مقاتلين للانخراط في صفوف جبهة النصرة في سوريا.

وأصدر الطحاوي في شباط (فبراير) فتوى دعا فيها المسلمين إلى تقديم دعم مالي وعسكري لإسقاط الأسد الذي قال إن قوى خارجية quot;اشترتهquot; لحماية أمن اسرائيل واستقرارها. وتشي تصريحات الطحاوي وقياديين سلفيين آخرين بموقف طائفي ناعتين الأسد بالكافر quot;الذي يقتل المسلمين السنة مدعوما من الشيعةquot;.

ويقول السلفيون إن هناك وفرة من المتطوعين للجهاد في سوريا، ليس بين المخضرمين الذين قاتلوا في العراق وافغانستان وانما بين جيل جديد من الجهاديين.

وقال أردني قاتل مؤخرا في سوريا إن الذين يرتبطون بالقضية يجمعون المال من أفراد عائلاتهم ومن منظمات خيرية سلفية وسعودية لشراء مؤن وكلاشنكوفات في السوق السوداء. ويتقاضى مهربون حدوديون كانوا يتعاملون بالمخدرات والسجائر مئات الدولارات الآن، لنقل جهاديين عبر الحدود، كما قال الأردني الذي قدم نفسه باسم ابو وليد.

وقال مسؤول أمني أردني إن تدفق المقاتلين بأعداد محدودة ولكنها متزايدة، ما دفع الأردن إلى تعزيز قواته على الحدود. وتساعد الجنود الأردنيين قوة خاصة أميركية قوامها نحو 150 عسكرياً، يعملون مع الأردن لمراقبة أسلحة سوريا الكيمياوية ومساعدة اللاجئين. وقال المسؤول الأمني الأردني إن أسلحة ثقيلة لم تُضبط على الحدود ولكنها مبعث قلق.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن المسؤول الأردني quot;أن الحدود الأردنية السورية هي الآن خط دفاعنا الأول والأخيرquot;. وعن سوريا قال quot;إن هناك سببا وجيها للقلق من انهم إذا ظنوا اننا نفشل في مهمتنا لـتأمين الحدود سيفعلون الشيء نفسهquot; بشن هجوم quot;لاشعال الشارع الأردنيquot;.
دعوة جديدة إلى الجهاد
قال الأردني الذي قدم نفسه باسم ابو وليد، وهو معلم مدرسة ابتدائية ضخم في الثامنة والثلاثين من العمر، إنه أراد أن يقاتل القوات الأميركية في العراق وافغانستان، ولكن الاعتقالات والسجون منعته من ذلك. وأضاف أن المجزرة التي يرتكبها الأسد بحق المدنيين تبدو دعوة جديدة إلى الجهاد دفاعا عن الإسلام.

وتابع أبو وليد الذي كان يتحدث في منزله في مخيم للاجئين الفلسطينيين خارج عمان، أنه وخمسة أردنيين آخرين عبروا الحدود في آب (اغسطس) إلى مدينة درعا جنوبي سوريا. وهناك جرى توزيعهم على الفور للقتال مع شباب ليبيين ويمنيين وعرب آخرين في احدى كتائب جبهة النصرة. وقال أبو وليد إنهم لم يكونوا مدربين والعمليات كانت quot;فوضىquot;.

واعترف أبو وليد بأن سؤالا بدأ يقض مضجعه ويقلق جهاديين أردنيين آخرين هو quot;من دون احتلال أجنبي هل يعتبر هذا النزاع جهادا حقيقيا؟quot; وقال إن الجيش السوري الحر كان يرفض معونة الإسلاميين والنظام يرد على نشاط المعارضة باستهداف المدنيين وممتلكاتهم، وإنه يتساءل عما إذا كان الجهاديون يخدمون الأسد بتقسيمهم السوريين.

في تشرين الأول (اكتوبر) عاد أبو وليد إلى الأردن ولكنه قال إنه قطعا لا يثني الجهاديين الآخرين عن الذهاب مؤكدا أنهم لا يشكلون خطرا على الأردن.