نصبت خيام اللاجئين السوريين الهاربين من القتال والعنف في بلدهم في قرية العتمة المطلة على تركيا، ومع الشتاء وبرده القاسي، بات هؤلاء بين نارين: الحرب في بلادهم وصعوبة الدخول إلى تركيا التي لم تعد تحتمل أعداد اضافية من المُهجّرين.


لميس فرحات من بيروت: محاولات تركيا لتجنب أزمة اللاجئين السوريين داخل حدودها وإطالة عنق الزجاجة على حدودها الجنوبية، تركت عشرات الآلاف من الذين يفرون من القتال في سوريا محاصرين وغير قادرين على الخروج من بلادهم التي تمزقها الحرب.

quot;العتمةquot; والمعاناة

قرية quot;العتمةquot; السورية التي تقع على الحدود التركية قبالة مركز الشرطة العسكرية التركية، اكتظت باللاجئين بعد أن تصاعدت المعارك في الأشهر الأخيرة بين نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة.

في ذلك الوقت، ارتفع السكان في عتمة من 5000 إلى 40 ألف ثم إلى 60 ألف، على الرغم من صعوبة التأكد من صحة هذه الارقام وفقاً لمراقبين دوليين.

نصب نحو 13 ألف لاجئاً مخيماً في بستان زيتون على بعد بضعة أميال من البلدة، على تلة تطل على تركيا، ويشعرون بالقلق على مصيرهم مع اقتراب فصل الشتاء، وهم من دون مأوى وبين نارين: الحرب في بلادهم وصعوبة الدخول إلى تركيا.

quot;لا يمكننا الدخول إلى تركيا، ولا يمكننا البقاء في سوريا أيضاًquot;، قالت أمينة إبراهيم (39 عاماً) التي لجأت إلى المخيم مع خمسة أطفال تجمعوا حولها حفاة الأقدام في إحدى الصباحات الباردة.

يوم الجمعة الماضي، توفيت فتاة في العاشرة من العمر فيما نُقل شقيقها إلى المستشفى ليتعالج من الحروق التي أصيب بها بعد أن سقطت شمعة على أرضية خيمة أسرتها فأحرقت البطانيات.

وقال مسؤول عن الأمن في المخيم إن quot;الوضع صعب للغاية، اننا نستخدم الشموع لأن الكهرباء مفقودةquot;.

كانت بلدة عتمة مفترق طرق مهم في الحرب السورية، حيث اعتاد الثوار على لقاء قادة الجيش السوري الحر من تركيا، كما شكلت ممراً رئيسياً للمساعدات الإنسانية والذخيرة إلى سوريا، إضافة إلى اللاجئين إلى تركيا بطبيعة الحال.

الحدّ الأقصى للاستيعاب

بدأت تركيا بمنع اللاجئين من دخول أراضيها بحرّية منذ آب/أغسطس عندما بدأ عدد اللاجئين في الاقتراب من 100 ألف، وهو رقم تعتبره السلطات التركية quot;الحد الأقصىquot; الذي يمكنها استيعابه.

تستضيف تركيا اليوم ما يقرب من 139 ألف لاجئ في مخيماتها، فيما ينتظر 25 ألف سورياً عند حدودها وفقاً لمسؤولين أتراك.

واعتبرت صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; أن الأتراك سمحوا بتدفق اللاجئين إلى بلادهم لأنهم اعتقدوا أن الأزمة لن تطول، لكن هذه الإقامة المؤقتة تحولت إلى إقامة طويلة الأمد لا أحد يعرف كيف أو حتى متى ستنتهي.

quot;إذا سمحنا لجميع اللاجئين الذين يبلغ عددهم 25 ألفاً بالدخول، سيكون هناك 25 ألفاً آخرين في اليوم التالي من الذين يريدون اللجوء أيضاًquot; قال مسؤول بوزارة الخارجية التركية، مشيراً إلى أن بلدة عتمة تعتبر آمنة في الوقت الراهن، وبالتالي باستطاعة السوريين الاستقرار فيها.

شيوخ قرية العتمة يوافقون السلطات التركية في رأيها، إلى حد ما، فعلى الرغم من أن البلدة آمنة، قال سكان محليون في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، إن طائرة سورية قصفت العديد من المباني في القرية، لكن أحداً لم يصب بسوء. كما يقولون إن البلدات المجاورة تشهد قتالاً عنيفاً منذ أوائل ديسمبر/ كانون الاول، ويتخوفون من امتداد الاشتباكات إلى بلدتهم.

هدف لطيران الأسد

على الرغم من ذلك، يقول شيوخ البلدة إن عتمة تشكل ملاذاً، إذ أن معظم سكانها ينتمون إلى الطائفة السنية ويتعاطفون مع مقاتلي الجيش السوري الحر، كما أن البلدة تقع في عمق الأراضي التي يسيطر عليها الثوار.

ويقول مسؤولون أتراك انه من الصعب على قوات الأسد أن تقصف بلدة العتمة، لأن تركيا وضعت ثلاث بطاريات مضادة للطائرات باتجاه سوريا. وبالتالي سيكون من الصعب على الطائرات السورية أن تحلق فوق الحدود من دون انتهاك الأجواء التركية.

منطقة آمنة

quot;لقد حققنا منطقة آمنة هنا. من هنا، يمكنك السفر إلى حماة أو حلب من دون مواجهة أي نقاط تفتيش تابعة للنظامquot;، قال أحد شيوخ قرية العتمة، محمد قدور (60 عاماً) مضيفاً: quot;لو لم نكن نشعر بالأمان، لما كنا نبني المنازلquot;.

تنتشر الكتل الخرسانية ومواد البناء على خط الطريق الذي يربط قرية عتمة وغيرها من الحدود الشمالية لباب الهوى وكاه، إذ يندفع القرويون لبناء مساكن للسوريين الفارين من القرى المحيطة بإدلب وحلب.

وتحدث قدور عن نظام لدعم اللاجئين يُطلق عليها السكان quot;البناء المتبادلquot;، فمالك الأرض يبني الأساس وبعض الجدران الخارجية للمنزل بينما تقع على اللاجئين مهمة الانتهاء منه على نفقتهم الخاصة ويعيشون فيه مجاناً. وما ان تنتهي الثورة، سيعود هؤلاء إلى حيث أتوا وتكون ملكية المنزل لصاحب الأرض.

برد الشتاء

ينتظر سكان المخيم في بلدة عتمة بصبر لتحسين ظروف معيشتهم قبل حلول فصل الشتاء بعواصفه وبرده الذي لن تقيه الخيام، ففي الأيام الأخيرة، تحول المخيم إلى مستنقع من الوحول بعد الأمطار الغزيرة، وكادت بعض الخيم ان تسقط لولا مساعدة البعض.

كانت فاطمة البياع (36 عاماً) وأم لعشرة أطفال تغسل ملابس عائلتها أمام خيمتها في دلو بلاستيكي يفيض بالصابون والماء البارد الذي نقلته من أحد خزانات المياه في المخيم.

وقالت: quot;الليلة الماضية أمطرت بغزارة بحيث كادت خيمتنا أن تنهار، لولا أننا صرخنا طلباً للمساعدةquot;.

وقالت سعاد بركات (60 عاماً) ان الخيم ليست مجهزة بأدنى متطلبات الحياة quot;فلا يوجد غذاء ولا طعام أو سجاد يقينا الصقيع. حتى اني لم استحم منذ شهرquot;.

وفتحت خيمتها الفارغة إلا من البطانيات المكومة في إحدى الزوايا وقالت: quot;كانت عائلتنا مكتفية ولم ينقصنا شيء من قبل. انظروا الينا الآنquot;.