رغم انعقاد مجلس الشعب المصري، وممارسة مهامه في التشريع والرقابة على أعمال الحكومة، إلا أن الجدل حول ميدان التحرير ومدى شرعيته على البرلمان مازال مستمراً، لاسيما بعد أحداث إستاد بورسعيد التي راح ضحيتها 74 شخصاً وأكثر من ألف مصاب، وما تلاها من اشتباكات بين المحتجين وقوات الشرطة في محيط وزارة الداخلية، التي استمرت نحو خمسة أيام متتالية.


تبكير الانتخابات الرئاسية أعاد للميدان بريقه

بدا واضحاً أن الصراع حول الشرعية بين ميدان التحرير والبرلمان المصري لن ينتهي في القريب العاجل، خاصة في ظل إصرار القوى السياسية في الميدان على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية أولاً، ثم وضع الدستور، وانطلاق العديد من الدعوات للدخول في إضراب عام وعصيان مدني بدأمن الذكرى الأولى لتنحي مبارك عن الحكم في 11 فبراير/ شباط الجاري. غير أن هناك شبه إجماع من القوى السياسية على أن التبكير بانتخابات الرئاسة في 10 آذار/مارس أعاد للميدان بريقه مرة أخرى.

التبكير بانتخابات الرئاسة

تقف القوى الثورية إلى جانب شرعية الميدان، لاسيما حركات شباب الثورة، وترى أنه صاحب الإنجازات الكبرى حتى بعد انعقاد البرلمان، وتعتبر أن التبكير بانتخابات الرئاسة من أهم إنجازاته مؤخراً، ويقول محمود عفيفي المتحدث باسم حركة 6 أبريل لـquot;إيلافquot; إن ميدان التحرير سيظل صاحب الشرعية الأولى في مصر، ما دامت لم تتحقق أهداف الثورة كاملة، بدءا من نقل السلطة من المجلس العسكري، ومروراً بمحاكمة رموز الفساد محاكمة عادلة وسريعة، وإقرار حقوق الشهداء والمصابين، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ولفت إلى أن الأحداث الأخيرة كشفت أن الشرعية مازالت للميدان، لاسيما أن البرلمان لم يتخذ إجراءات واضحة وحازمة في ما يخص دماء القتلى الذين راحوا في تلك الأحداث، ولفت إلى أن الميدان هو ما أجبر السلطة على التبكير بإجراء الانتخابات الرئاسية، والإعلان عن فتح باب الترشح لها في 10 مارس المقبل.

وأضاف عفيفي أن هذا لا يعني إلغاء شرعية البرلمان، لأنها جاءت عبر انتخابات نزيهة وشفافة، مشيراً إلى أن شرعية البرلمان مشروطة بتحقيق أهداف الثورة التي أتت به إلى السلطة، فدون الثورة التي أشعلها ميدان التحرير، لم يكن أي من نواب البرلمان الحاليين يحلم بالحصول على مقعد في انتخابات نزيهة.

ولفت عفيفي إلى أنه في حالة تقاعس البرلمان عن تحقيق أهداف الثورة، ونقل السلطة من المجلس العسكري فإنه يكون بذلك قد فقد شرعيته، منوهاً بأن حركة 6 أبريل والعديد من شباب الثورة نظموا مسيرات إلى مقرات أحزاب الحرية والعدالة والوفد للتهنئة بالبرلمان، وطالبوا أعضاء تلك الأحزاب بالبدء فوراً في استلام السلطة من المجلس العسكري، وتحديد موعد لوضع الدستور والانتخابات الرئاسية، والتحول نحو الديمقراطية الحقيقية. وأكد أنه في عدم حالة تنفيذ تلك المطالب فلا شرعية له.

إضراب 11 فبراير

وما زالت بعض فصائل شباب الثورة لا تعترف بالبرلمان من الأساس، أو بالانتخابات التي أتت به، استناداً إلى أن المجلس العسكري الذي أجرى كل تلك الإجراءات غير شرعي بالأساس، ويبني هذا الاتجاه إتحاد شباب الثورة، وقال عمر الحضري عضو الإتحاد لـquot;إيلافquot; إن الاستجابة الواسعة لدعوات إضراب 11 فبراير من أجل تسليم السلطة من المجلس العسكري تؤكد أن الميدان مازال صاحب الشرعية الأولى في مصر.

وأضاف أن البرلمان غير شرعي، وتابع: نحن لا نعترف بشرعيته من الأساس، لأن المجلس العسكري الذي يسيطر على البلاد غير شرعي، وبالتالي فجميع القرارات التي اتخذاها، وما نتج منها لا شرعية لها، ومنها الإعلان الدستوري والانتخابات والبرلمان، جميعهم باطلون.

واستطرد: quot;في حالة اعتراف شباب الثورة بهذا البرلمان تسقط عن ميدان التحرير الشرعية باعتباره مفجر الثورة ومن يقف الآن أمام المجلس العسكري من أجل تحقيق أهدافها وإحداث تغيير حقيقي في البلاد، وليس إعادة إنتاج النظام السابقquot;.

ونبه إلى أن الميدان أو القوى الثورية منحت البرلمان الفرصة من أجل أن تكون الشرعية له كاملة، إلا أنه رفضها، وأوضح أن القوى الثورية والسياسية طلبت من البرلمان نقل السلطة إليه فور انعقاد جلساته، حسبما ينص الدستور، والبدء في الإعداد لمرحلة انتقالية قصيرة ينتخب فيها لجنة لصياغة الدستور، والإعداد لانتخابات مجلس رئاسية وإقالة الحكومة برئاسة كمال الجنزوري والمحافظين، وإجراء انتخابات المحليات، وإقرار حزمة من القوانين لتصحيح الأوضاع المقلوبة التي تسبب بها المجلس العسكري، لكن المجلس رفض.

وأشار إلى أن القوى السياسية دعت إلى إضراب 11 فبراير المقبل، والدخول في عصيان مدني حتى يتم تسليم السلطة إلى المؤسسات المدنية المنتخبة أو مجلس رئاسي مدني، وذلك بعد أن فشل البرلمان في القيام بدوره على أكمل وجه.

واعتبر أن أحداث بورسعيد أعادت عجلة القيادة مرة أخرى لميدان التحرير، حيث قام بدوره في الدفاع عن القتلى والمصابين بأكمل وجه، واستثمرها من أجل الدعوة لإضراب عام، فكانت النتيجة الإعلان عن التبكير بانتخابات الرئاسة في 10 مارس المقبل، وهو يعد إنجازاً جديدا للميدان.

ما لا نهاية

يرى بعض نواب البرلمان أن الميدان ما زال صاحب الشرعية رغم أنهم يمارسون دورهم في البرلمان، منهم النائب عن تحالف quot;الثورة مستمرةquot; أبو العز الحريري وقال لـquot;إيلافquot; إن ميدان التحرير أبو الشرعيات في مصر، فمن دونه لم يكن هناك أي أمل في برلمان حقيقي، وأَضاف أن البرلمان وسائر مؤسسات الدولة تخضع لرقابة الميدان.

مشيراً إلى أن الميدان سيظل يمثل الشعب المصري وسيكون رقيباً على الحكومة والبرلمان معاً. ولفت إلى أن صراع الشرعيات بين البرلمان والميدان سوف يستمر إلى ما لا نهاية، طالما لم تتحقق أهداف الثورة، مشيراً إلى أن البرلمان يسعى إلى تحقيق مطالب الثورة، بدءا من نقل السلطة ومنح أسر الشهداء والمصابين حقوقهم إلى بناء نظام ديمقراطي.

إستعادة البريق

ووفقاً للدكتور مصطفى اللباد، رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية، فإن ميدان التحرير يمتلك المشروعية الأخلاقية، لكنها شرعية ليست دستورية، وفي المقابل فإن البرلمان يمتلك الشرعية الدستورية، ولكن لا مشروعية أخلاقية له، لأنه إحدى ثمار الثورة التي انطلقت من الميدان.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أنه ستستمر حالة من الجذب ما بين البرلمان والميدان إلى حين تحول البلاد نحو الديمقراطية الحقيقية، غير أنه يرى أن الميدان استطاع استعادة الكثير من بريقه الذي فقده مؤخراً، وذلك على خلفية أحداث بورسعيد وما تلاها من اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن حول وزارة الداخلية، وتوقع اللباد أن يكون لإضراب 11 فبراير صدى واسع في حال نجاحه. خاصة بعد أن ساهم في إجبار السلطة الحالية على التبكير بانتخابات الرئاسة في 10 مارس المقبل.